Al-Quds Al-Arabi

«الوشم الخفي»: تقنية ثورية جديدة في مجال التشخيص الطبي باستخدام جزيئات الذهب

-

■ سان فرانسيسكو - دب أ:ظلت فكرة زرع وحدات استشعار داخل جســم الانسان لجمع معلومات بشأن مؤشــراته الحيوية وتركيزات الأدوية داخل أنســجته تثير اعجــاب الأطباء والعلمــاء وتداعــب خيالهم لفتــرة طويلة من الوقــت، نظرا لأن هذه الوحــدات يمكنها إتاحة مراقبة على مدار الســاعة لتطور مرض معين أو مدى الاستجابة لدواء أو عقار ما، غير أن المشكلة بشأن هذه المستشعرات هي أنها لا يمكن أن تظل داخل الجســم بشــكل دائم، ويتعين استبدالها كل بضعــة أيام أو أســابيع. عــاوة على ذلك، فإن وحدات الاستشــعا­ر هذه قد يلفظها الجسم باعتبارها جســم دخيــل، وقد يتغيــر لونها أو مواصفاتها بمرور الوقت، مما يجعلها غير قادرة على أداء وظيفتها على الوجه الأكمل.

وقد نجح فريق من الباحثين بجامعة يوهانس غوتنبرغ في مدينة ماينز الألمانية في ابتكار نوع جديد من وحدات الاستشــعا­ر يمكنها أن تؤدي وظيفتها داخل الجسم لعدة أشهر، وهي تتكون من جزيئــات من الذهــب متناهيــة الصغر تم تزويدها بمستقبلات للتفاعل مع أنواع معينة من الجزيئات. ويتم تثبيت هذه المستشعرات داخل نســيج صناعي من مواد بوليماريــ­ة ثم زرعها تحت الجلد من أجل الكشــف عــن أي تغيير في تركيزات الأدوية داخل الجســم عن طريق رصد أي تغير يطــرأ على ألوانهــا، وأطلق الباحثون على هذه المستشعرات اسم «الأوشام الخفية.»

ويستخدم البروفيســ­ور كارستن شونيشن ومجموعتــه البحثيــة فــي جامعــة يوهانس

جوتنبــرج جزيئــات الذهب متناهيــة الصغر كوحدات استشــعار لقيــاس التغييــرا­ت في تركزيات البروتينات داخل الخلايا منذ سنوات طويلة. وتعمــل جزيئات الذهب كمــا لو كانت هوائيات للضــوء، بمعنى أنها تمتص الأشــعة الضوئية ثم تنثرها بحيث تبدو ملونة، وتتفاعل هذه الجزيئات مع أي تغييرات في البيئة المحيطة بها عن طريق تغيير ألوانها.

الأنسجة البشرية

ومــن أجــل الحيلولــة دون انجــراف هذه الجزيئات داخل مجــرى الدم أو تعرضها للتآكل بواسطة الخلايا المناعية، يتم زرعها داخل مواد ذات مســام مصنوعة من الجل المائي تشــبه في قوامها الأنســجة البشــرية. وبمجرد زرع هذه المستشعرات تحت الجلد، تنمو شعيرات دموية صغيرة وخلايا حية داخل هذه المســام، بحيث تتماهى هذه المجســات داخل النسيج البشري، ولا يتم رفضها باعتبارها جسم خارجي.

ونقــل الموقــع الإلكتروني «ســايتيك ديلي» المتخصــص فــي مجــال التكنولوجي­ــا عــن البروفيســ­ير شونيشــن قولــه إن «وحــدات الاستشــعا­ر التــي ابتكرناها تبدو مثل وشــم خفــي، ولا تزيد في حجمها عــن العملة النقدية الصغيرة، ولا يتجاوز ســمكها ملليمترا واحدا، ونظــرا لأن جزيئات الذهــب متناهية الصغر لا تظهر إلا بواسطة الأشعة تحت الحمراء، فإنها لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وفي إطار الدراسة التــي أوردتها الدوريــة العلمية «نانــو ليترز» المتخصصة في مجال أبحاث الجزيئات متناهية الصغر، قام فريق البحث بغرس المستشــعر­ات الجديدة تحت جلــد فئران تجارب، وعمدوا إلى مراقبة التغيرات اللونية في وحدات الاستشعار عند حقن الفئــران بنوع من المضادات الحيوية، وعندما كانــت التركيبات الدوائيــة تصل إلى وحدة الاستشــعا­ر من خلال مجــرى الدم، كان لونها يتغير حســب درجة تركيــز الدواء داخل الدم. وبفضل الاســتقرا­ر الكيميائــ­ي واللوني لجزيئات الذهب عــاوة على الغلاف الخارجي المصنوع مــن الجل المائي الــذي يحيط بوحدة الاستشــعا­ر، احتفظــت هــذه المستشــعر­ات بكفاءتها الميكانيكي­ــة والضوئية على مدار عدة أشهر.

جزيئات الذهب

وتقــول الباحثــة كاترينا كايفــر، وهي من المشــاركي­ن فــي الدراســة: «لقد اعتدنــا على ابيضاض وحدات الاستشــعا­ر على مدار الوقت بعد زرعها داخل الجســم، ولكن المستشــعر­ات المصنوعة من جزيئات الذهــب لا تتعرض لهذه الظاهرة، وتحتفــظ بألوانها بشــكل دائم، كما أنه من الســهل تغليفها وكذلــك توظيفها بحيث تعمل كمســتقبلا­ت لأنواع مختلفة من المؤثرات الخارجيــة، حيث أنهــا تعتبر المنصــة المثالية لمختلف وحدات الاستشــعا­ر التــي تزرع داخل الجســم».ويرى الباحثــون أن هــذه التقنية قابلة للتعميم في مجــالات عديدة، وأن وحدات الاستشعار الجديدة يمكن تطويعها في المستقبل لقياس المؤشــرات الحيوية وتركيزات الأدوية بشــكل متزامن، ويمكن توظيفهــا في تطبيقات مختلفة في مجــالات تطوير الأدويــة والبحث العلمي وكذلك في حقول الطب الشــخصي مثل التعامل مع الامراض المزمنة.

وكانت فكرة استخدام جزيئات الذهب داخل وحدات الاستشــعا­ر التي تزرع داخل الجسم قد واتت شونيشن منذ عام 2004، عندما بدأ أبحاثه في مجال الكيميــاء الحيوية، وكان أنذاك باحثا في مدينة ماينز، غير أن المشــروع لم يتبلور إلا بعد عشر سنوات، عندما بدأ شونيشن يتعاون مع باحثين آخرين في جامعة يوهانس جوتنبرج وهما تيس شرودر وكاترينا كايفر. وكان شرودر يتمتع بخبرات في مجــال الأبحاث البيولوجية وتجارب الحيوان، وكان قد اســتكمل ســنوات عديدة مــن الأبحاث في الولايــات المتحدة. أما كايفــر فكانت تبحــث عن مادة مثيرة لرســالة الدكتــورا­ه الخاصة بها، وكانــت معنية بصفة خاصة بالطبيعة المركبة لهذا المشروع الجديد.

ويقول شونيشــن، وهو بادي السعادة، إن «مثل هذا المشروع يتطلب مشاركة أشخاص لهم خلفيات علمية مختلفة، وقد اســتطعنا تدريجيا اقناع المزيد من الأشــخاص بفكرتنا» وفي نهاية المطاف، فإن هذا المشــروع هــو نتاج جهد فريق عمل كان يهدف إلى تطوير أول وحدة استشعار مصنوعــة من جزيئات الذهــب متناهية الصغر تؤدي وظيفتها بكفاءة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom