Al-Quds Al-Arabi

أمن لبنان الغذائي في خطر مع تواصل تراجع الاحتياطيا­ت الأجنبية والليرة وتزايد البطالة

-

■ بيــروت - الأناضول: فرضت الاضطرابات السياســية المرافقة لأزمة اقتصادية خانقة تحديات قاســية على الشــعب اللبناني، وســط تراجع متواصل لاحتاطيات العملات الأجنبية، وانهيــار متواصل للعملة المحلية، وارتفاع قياســي لمعدل البطالة، إلى جانب تداعيــات جائحة كورونا التي تفاقم الأوضاع سوءً.

وتتواصــل اللكمات علــى الاقتصــاد اللبناني، بدءً مــن الخلافات بين الأطراف السياســية الداخلية التي لم تستطع منذ 7 أشهر تأليف حكومة، ما ساهم في تدهور القدرة الشرائية للمواطن بشكل مأساوي.

وفي 23 مارس/آذار الماضــي، أنذرت منظمة الأغذيــة والزراعة العالمية التابعة للأمم المتحدة «فاو» من انعدام الأمــن الغذائي في لبنان، منبّهةً من سير البلاد نحو مزيد من الفقر والجوع.

وبعدها بأســبوع، أعلنت وزارة الاقتصاد رفع سعر الخبز المدعوم إلى 3 آلاف ليرة للربطة الواحدة زنة كيلوغرام، في ثالث زيادة تطال ســعر هذه السلعة منذ حزيران/يونيو الماضي.و

وأمــام هذه المعطيات، أكّد موريس ســعادة، ممثل «فــاو» في لبنان، أن «الأزمة الاقتصاديّة رمــت بثقلها على الأمن الغذائــي... وهو توافر الغذاء وقدرة الفرد على تأمينه».

ولفت إلى أنّ القدرة الشــرائية للمواطن في لبنان تأخذ مساراً انحدارياً لأن «الأزمــة المالية جعلت الكثيــر من العائلات تضطر إلى الاســتغنا­ء عن السلع الأساسية واستبدالها بأخرى».

وأضاف «في هكذا أزمات، يتم التخلي عن اللحوم لأنّ أســعارها باهظة. لذا تستبل بالنشويات التي تعتبر الأرخص» مؤكّداً أن «هذا الأمر سيكون له تبعات ســلبيّة على المدى الطويل خصوصاً لجهة سوء تغذية عند الأطفال، لأنهم في حاجة إلى النمو الجسدي والعقلي».

وعن التبعات الســلبيّة للأزمة، ذكر ســعادة كلاً من «إبعاد الأطفال عن المــدارس، والتخفيف من المصاريف الأساســية، والتفلت الأمني، والتوجّه نحو ظواهر ســلبية موازية، كالزواج المبكر للبنــات وعمالة الأطفال وعدم القدرة على الطبابة».

وربط ممثل «فاو» حلّ مشــكلة الأمن الغذائي بالحلّ الاقتصادي، مشيراً إلــى أنّه «يجب الاتفــاق مع صندوق النقــد الدولي لضخ الأمــوال اللازمة لتنشــيط الاقتصاد. وطبعاً هــذه الاتفاقية لن تحصــل إلّا من خلال تأليف حكومة إصلاحية».

أمّــا على مســتوى الأمــن الغذائي، فأعرب ســعادة عن قلقــه «في ظلّ الأحاديث عن تقليص الدعم أو إلغائه».

ولفت إلى أن «الخبز هو طعام الفقير. وإذا رُفع الدعم عنه، فقد يصل سعر الربطة إلى 10 آلاف ليرة )6 دولارات على ســعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة مقابل الدولار». وعندها لن تستطيع حتى العائلات المتوسطة تأمينه».

وعن مدى اســتطاعة القطاع الزراعي المحلي من تســديد الفجوة، أجاب «لبنان يســتورد 80 في المائة من غذائه، وبالتالــي، فإن القطاع الزراعي لو تضاعف إنتاجه لن يغطي الفجوة».

وبات أكثــر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقــر، وفق منظمات دولية، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد منذ خريف عام 2019.

من جانبه، قال محمد شمس الدين، الباحث في «الدولية للمعلومات» أن «الأسر التي ترزح تحت خط الفقر يبلغ عددها 220 ألف أسرة، أي 1.1 مليون فرد» لافتاً إلى أنّ «دخلها لا يزيد عن 1.2 مليون ليرة شهرياً».

وأضاف أن «نســبة التضخــم بلغت خلال عام 2020 نحــو 85 في المئة» مشيراً إلى أنّ «القدرة الشرائية للبنانيين تآكلت بنسبة 88 في المئة».

وأوضح أنّ «الحــد الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليــرة لبنانية )أي 450 دولاراً بسعر الصرف الرسمي، ونحو 50 دولاراً بسعره في السوق سوداء».

وقال وزيــر الزراعة عباس مرتضــى «إنتاجنا الزراعــي يغطي بين 30 و35 في المئة من المنتجات الزراعية التي تذهب بشــكل مباشر إلى الأسواق والمستهلك وإلى المصانع التي تكون وظيفتها الصناعة الغذائية».

وأضاف «نعمل على توسعة المساحات وبقعة الأراضي المزروعة، وأيضاً إلى تطويــر القطاع الزراعي من خلال دعم المزارعين باســتصلاح أراضيهم بالتعاون مع المنظمات الدولية».

وقال أيضاً «مع ارتفاع ســعر صرف الدولار، أكدنــا للمزارعين أن الدعم سيبقى على الأدوية والأسمدة لأنهما في صلب الأمن الغذائي».

وعن مدى قدرة الحكومة على الاســتمرا­ر بالدعم قال «لا نستطيع تحديد الوقت، لكنّ أكّدت للجنة الوزارية وللجنــة النيابية الاقتصادية والزراعية ضرورة عدم رفع الدعم، فنحن نحتاج ســنوياً إلى 100 مليون دولار للمواد الأولية اللازمة للزراعة».

وفي مشهد يدل على مدى تدهور الأمن الغذائي، شهدت الكثير من متاجر بيع المواد الغذائية وقوع مشاجرات بين اللبنانيين خلال تزاحمهم على شراء السلع المدعومة، بسبب قلة كمياتها المتوافرة في الأسواق.

وتدعم الدولة اللبنانية ســلة غذائية )معروفة بالمــواد المدعومة( تضم السلع الأساسية لتمكين المواطن من الحصول عليها بسعر منخفض نسبياً، بسبب الغلاء نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار.

بــدوره، رأى الخبيــر الاقتصادي باتريــك مارديني أن «مــا يهدد الأمن الغذائي هو ارتفاع ســعر صــرف الدولار وانهيار الليــرة. ولأنّ دخل الفرد بالليرة، فإن القدرة الشــرائية للأخير ســتنخفض تلقائيًا إثر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية».

واعتبر مارديني أنّ «طباعة الليرة المســتمرة هي مشــكلة، خصوصاً أنّ الحكومة تطبع الليرة لتمويل نفقاتها». وعما إذا كان دعم الســلع هو الحل الأنســب، قال «الحكومة حاولت أن تخفض أسعار الســلع من خلال دعمها السلة الغذائية، ولكنّ المشــكلة أنّها أخطأت في العلاج، لأنّ أي سلعة تُدعم ستنفد من السوق، لأنه يتم تهريبها».

وينظر مارديني بعين الريبة إلى سياســة الدعم، مشيراً إلى «أنّها لا تصل إلى مستحقيها». وعن الحلّ للأزمة التي يرزح تحتها الشعب اللبناني، يقول أنه يجب «التوقف عن طبع الليرة لوقف انهيار الدخل والقدرة الشرائية. أمّا الدعم، فكان يُفترض أن يكون من خلال إعطاء الأموال بشــكل مباشر للأسر المحتاجة».

ويعمد ناشطون لبنانيون، في الآونة الأخيرة، على اقتحام مستودعات التجار والتعاونيا­ت الغذائية وتصوير الســلع المدعومــة المخبّأة لتهريبها لاحقا.

من جانبه، يرى عضو لجنة الاقتصاد في البرلمان اللبناني، النائب عدنان طرابلسي، أن للأزمة وجوهاً متعدّدة، منها السياسي والمالي والصحي أيضا جراء جائحة كورونا.

ويضيف «معظم شــرائح المجتمع اللبناني ترزح تحت عبء كبير، ورفع مستوى الفقر إلى مستويات غير مســبوقة، والغلاء أصبح مستشرياً على صعيد جميع السلع الغذائية وجميع أنواع البضائع الأخرى».

ويقول أيضاً «الأمن الغذائي هو جزء مــن الأمن العام في أي بلد، ونحن نســعى في المجلس النيابي، وفق المتاح، إلى الحد من هذه الأزمة المعيشــية الخانقة. وقد وافقنا أخيراً على المنحة المقدَّمة من صندوق النقد الدولي لدعم الأسر الأكثر فقراً».

وختم طرابلسي بالقول «ندرس عدداً من مشاريع القوانين في هذا الإطار من بينها مشروع البطاقة التموينية».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom