Al-Quds Al-Arabi

بتسريب حديث مسجل بين الأمير وقائد الجيش: أحداث العائلة المالكة... إطلالة على بواطن القصر الأردني

- جاكي خوجي

■ من أراد أن يعرف ما هــو البلاط البيزنطي، فليذهب إلــى عمــان. الثلاثاء من هذا الأســبوع وتحديداً بعد أن كان واضحاً بأن النزاع في العائلة المالكة حُل، أُلقيــت القنبلة. واحد من مقربي الأمير حمزة سرب باسمه التســجيل الذي أجراه الأمير بنفســه في اللحظة التــي صدرت فيها الإشــارة لإحــدى أكبر الاضطرابــ­ات التي شــهدها القصر الهاشــمي. لقد أرســل الملك الجنرال يوسف أحمد الحنيطــي ليبلغ أخــاه الأمير حمزة بن الحســن بالبقاء تحــت الإقامة الجبرية مــن الآن فصاعداً. وكان وصل إلــى بيته ظهر الســبت، وحظر عليه الحديث مع أحد أو كتابة البوســتات في الشبكات الاجتماعية، وألا يتعــدى خروجه زيارة الأقارب. وســرعان ما علم الأميــر بقطع خــط الهاتف في بيته مع خط الإنترنــت. لم تكن محاولة لعزله عن العالــم، بل ولإهانته أيضاً. تحــدث الحنيطي ولم يعرف أن حديثه يســجل. بعد ثلاثــة أيام من ذلك سُرب التسجيل.

حمزة هو الأخ غير الشــقيق لعبد الله الثاني، وهــو بكر الملكة نــور. أما عبد الله فهــو ابن الملكة الراحلة منى التي ســبقتها. قبل لحظة من وفاته، أمر الحســن بتعيين عبد الله ملــكاً بعده، وحمزة ابن الـــ 19 ولياً للعهــد. بعد خمس ســنوات من تتويجه، وحين شــعر بأنه ثابت في كرسيه، أطاح الملك بأخيه غير الشــقيق وعين مكانــه ابنه البكر الشاب. شعر حمزة بأن عبد الله سلب منه نصيبه في الحكم وأهان وصية أبيهما. انسكب الدم الفاسد في العلاقات بينهما منذئذ كالماء.

لقــد كان تســجيل الحديث بين الأميــر وقائد الجيــش الأردني فرصــة نادرة للإطــال على ما يجري في الغرف المغلقة فــي لحظات الذروة التي لم يشــهد لها مثيــل. هذا تســجيل أصيل، لا يمكن إخراج مثيــل لــه أو تزييفه. الحنيطــي يتحدث بهمس ويسمع كمن لا يستطيب هذه المهمة. «جئت لتهددني؟ ما هذا الكلام؟»، يقول له حمزة. يحاول الضابط الكبير تهدئته: «سيدي الأمير، الأمير.»... حمزة يعصف: «مشاكل إدارة الدولة ترميها عليّ؟ كل الفشل بسببي؟». «لا، لا، ســيادة الأمير»، يرد قائد الجيش بحــرج، ولكن حمزة يثور أكثر فأكثر. «تأتــي إلــى بيتي وتقول لــي إنك وقــادة أجهزة الأمن تهددونني؟ خذ ســيارتك واخرج من الباب! أحترمك، وأحترم المؤسســة التي تمثل، ولكن خذ سيارتك – وارحل».

الحنيطي يطلب منه أن يهــدأ لأن أبناء العائلة سيســمعون الحديــث. وهــو لا يتصــور أن هذه اللحظــات المهينة ســتكون قريباً مــن نصيب كل العالم. «لا تقل لي لا ترفع الصوت!» يقول له حمزة. «أنت تفهم مــا تقوله لي؟»، يحاول الحنيطي تكرار التعليمــا­ت، فيقاطعه حمزة: «ســيدي، أنا أردني حر، ابــن أبي. أخدم وطني مثلما أقســمت على أن أفعل حتى موتي. أين كنت قبل عشرين سنة؟ كنت أنا ولي عهد هذه الدولة بأمر مــن أبي رحمه الله. أقســمت له بأن أخدم وطني وشعبي... وتأتي إليّ الآن بعد «التخبيصات» التــي تمت، وتقول لي أن أطيع؟».

بعد بضع ســاعات من ذلك، من يوم الســبت، سُربت هذا لأول مرة بالإقامة الجبرية على الأمير. وفي مســاء ذاك اليــوم، خرق حمــزة التعليمات وسجل نفسه في شريط روى فيه عن الأمر. وكانت حجته بســيطة ومقلقــة. في عهد أبيــه، قال، كان الأردن قدوة للتعليم والحريات والحكم الســليم. ومنذئذ، تحولت إلى مملكة فســاد، وإدارة فاشلة، وكم أفواه. مثلمــا ينكلون بكل من يتحدث ضدهم، هكذا هم ينكلون بي الآن.

هذه القصة بعيــدة عن محاولــة انقلاب، بل ولا تقتــرب منها. ومع ذلك، فــإن مثل هذا التحدي ضد عبد الله على لســان ابن العائلة لم يسبق أن كان، ولا مــدى كشــف كهذا أيضاً. تعــرف العائلة الملكية الأردنية كيف تحمي نفسها وتبعد أسرارها عن الجمهــور، حتى لو كانت تتعلق به مباشــرة. وبسبب قرب الدم بينهما، يشعر الملك بخطر كبير. فخيانة أخ مدعوم من كثيرين هي الأكثر خطراً. وقد شوش هذا تفكيره السليم مثلما يحصل للمرء عند الغضب الشــديد. لو كان عمل برباطة جأش، كما هي عادته، لما وقع في الفخ الذي أعده لنفســه. في الشــطرنج هناك تعبير يســمى موت مدرج؛ تُغلق قلعتــان على الملــك، دون أن تكون هنــاك أحجار

أخرى تفصل بينهما، وإذا ما فر من واحدة سيعلق بالأخرى. من اللحظة التي اســتعرض فيها حمزة العضــات ورفض إطاعة الإقامــة الجبرية، قضى على الملك بموت مــدرج. إذا تنازل لحمزة عن الأمر فســيتخذ صورة الضعيف، وإذا مــا ألقى به إلى المعتقل فسيعلل كل ما قيل عنه بأنه فاسد ومسكت للنقد. لقد نســي عبد اللهأان لحمزة حساباً طويلاً معه، وسيســعده أن يهينه على الملأ. لقد خرج إلى المعركة واثقــاً بانتصاره، وعندهــا وقع في كمين. واضــح للجميع من انتصر في هذه الجولة دون أن يخرج متظاهر واحد إلى الشوارع، لقد نجح حمزة في غرس رسائله ونجح في أن يعرض الملك كمدير فاشل وطاغية.

لكل هذه الأســباب، ســارع عبد الله إلى إنهاء الأزمة الحــادة. فطالما بقي الحدث فــي العناوين الرئيســة فهذا ســيغذي ضده النقد علــى أدائه. تحولت المواجهة من اللحظة الأولى إلى صراع بين الخير والشــر، بقبطان ســفينة تهتز أطاح بأخيه الشــاب كي يعين ابنه بــدلاً منه، وهــو الآن يفقد رباطة جأشه. حمزة ليس أميراً ككل الأمراء، يحبه الجمهور، ويذكّر بأبيه من حيث منظره وأســلوب حديثــه، ويمثــل للأردنيين ذكرى أيــام الاحترام المتبادل والاستقرار.

غيــر أن الواقع معقد ولا ينقســم إلى أســود وأبيض مثلما في لوحة الشطرنج. من بين الاثنين، تلقى المســؤولي­ة الثقيلة على كاهــل أحدهما فقط. عبد اللــه الثاني يتصــدى لجملة مشــاكل آخذة في الاحتــدام. البطالة تقترب مــن 40 في المئة بين الشباب، ولاجئون سوريون وعراقيون بالملايين، وصندوق يفرغ، ومياه تتقلص، ورؤســاء عشائر غير راضين. وتضــاف إلى كل هذا معدلات الإصابة بكورونــا. في كل يــوم يموت عشــرات المرضى. والعــدد تجاوز هذا الأســبوع 7.500 ضحية، ومن يدري أين يتوقف.

في 2004، عندما أطاح بولي العهد الشــاب ابن الملكة نور، عمل عبد الله بروح الســاعة. كان هذا

هو عهد ما قبــل الربيع العربي. وكان يمكن للملوك أن يفعلوا ما يشاؤون. كانت نور وابنها من النظام القــديم، وكان عبد اللــه فــي ذروة تموضعه في المنصب وبناء دائرة الموالين. وكان من الطبيعي أن يرغب في إحاطة نفسه بالموالين. في ثقافة القبيلة، وفي الغالــب أيضاً في الحياة نفســها، الابن أكثر ولاء مــن الأخ. وكانت الإطاحة بحمــزة في حينه ليست متوقعة فحســب، بل وطبيعية أيضاً. ولكن نور وأبناءها شعروا كأنهم أصحاب أسهم ركل بهم إلى الخارج، دون سبب منطقي. وهناك زرعت بذور الانقســام. إن ضعف الأردن في السنوات الأخيرة يعزز إحساســهم بأنه إبعادهم عن الطريق لم يكن ظلماً شــخصياً فقط، بــل وخطأ أيضــاً. ومنذئذ، لاحقوا عبد الله في المفترقات الهامة، إلى أن وصلوا الذروة هذا الأســبوع. «ماذا يحصــل في الأردن؟ حان الوقــت لأن يتحمــل الجميع المســؤولي­ة،» غردت نور قبل نحو شهر في حسابها على «تويتر» وتناولت معدلات كورونا العالية. «أعداد متزايدة

من الأصدقاء اأاعزاء، الأصدقاء الذين هم أحبتنا، ومواطنينا الأعزاء – يحتضرون.»

تجســد هذه القصة بأن الملوك هم بني البشــر أيضاً. فهم هشــون، يحســدون، وأحيانا يفقدون رباطــة الجأش. يشــعر عبد الله بأنــه يعمل ليل نهــار للحفاظ على بقاء المملكة فــي وجه المخاطر. هذه مواجهة مفعمــة بالتوتر. يحمــل على كتفيه مســؤولية ســامة الوطــن ومواطنيــه، بينمــا المتفرجون أحرار في الانتقــاد كما يحلو لهم، دون أن يعطوا الحســاب لأحد. رغــم المصاعب، ينجح القصر منذ ســنين في استقرار الســفينة، ويناور في بحــر مزروع بالألغام... يكثــر من الصراخ عن ضائقته، ولكن بعبث أحياناً. أمام إخوانه العرب، والبيت الأبيــض، وفي آذان الاتحــاد الأوروبي، وفي واقع الأمر أمام كل من يمكنه أن يســاعد، وها هو بينمــا ينفخ الملك أمام عقــدة التحديات، يأتي حمزة ويسعى لإثارة احتجاج الجماهير ضده. ثار غضبه، ثارت حميته، فقرر أن يرد بقوة. في نظرة إلى الوراء، كان مــن الأفضل لو أنه أتاح لحمزة أن ينفذ بضع مظاهرات. فهو ورجاله خبراء لسنوات في معالجة احتجاجات الشارع. يوم الاثنين، جند الملكُ عمَّه الأمير حســن، للتوســط بــن الطرفين. فوجد الراشد المســؤول طرفين تواقين للنزول عن الشجرة، وينتظران قوة تأتي لإنقاذهما من هناك. طُلب مــن حمزة وتفضــل بكتابــة تصريح يعرب فيه عن ولائه لوحدة العائلة ويعترف بالمســاعي للحفاظ على اســتقرار الأردن. بعد يومين من ذلك، أول أمس، نشــر عبد الله بياناً صــادراً عنه. اتهم حمزة بمحاولة زرع نزاع عائلــي يهز أمن الأردن، ولكنه هدأ الروع بأن خطر الانقسام انقضى.

أشار الملك في بيانه إلى قرب استنفاد التحقيق، ونشــر نتائجه. وأضاف إلى بيانه آية من القرآن «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس» من سورة آل عمران. وهنــا تكمن كل القصــة. صحيح أنني غضبت كما يعترف الملــك، ولكني جندت كل قواي وعفوت. وأجمل بأن «هذا التحــدي لم يكن أخطر ما شهدنا، ولكنه كان أكثر إيلاماً». والآن، أعزائي، سنتوجه إلى معالجة المشاكل الكبرى.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom