Al-Quds Al-Arabi

وهو يصارع القضاء: إسرائيل تبرق لبايدن بختم «سافيز»... ونتنياهو: «اتفاقكم كقشرة ثوم»

ضباط إسرائيليون يقللون من جدوى المعارك البحرية مع طهران... و«شبيه ترامب» قد يخرج ورقة «حكومة برعاية رحيل أبو مازن»

- عاموس هرئيل

■ الهجوم الأخير المنسوب لإســرائيل الذي أصيبت فيه سفينة إيرانية في البحر الأحمر بانفجار لغم بحري الثلاثاء الماضي، ليس مجرد عملية عادية، بل يختلف عن سابقيه في نوعية الهدف الذي تم اختياره وفي توقيت الهجوم وسياقه.

سفينة «ســافيز»، هي في الأصل سفينة نقل، وهي حسب الشــركات العاملة في تحليــل بيانات الملاحــة، تقضي في السنوات الأخيرة معظم الوقت في المكان الذي هوجمت فيه بين شواطئ اليمن وشــواطئ إريتيريا. قال رجال مخابرات غربية إن الســفينة تعود لحــرس الثــورة الإيراني، وأنه بوجودها في المنطقة فإنها تستهدف أن تعمل كـ «سفينة أم» كنوع من قيادة بحرية، قاعدة عائمة مســؤولة عن عمليات اســتخباري­ة وعمليات كوماندو. الســفينة مزودة بقوارب سريعة ورافعات تمكن من إنزالها إلى المياه.

ثمة تقدير بأن الســفينة لعبت دوراً في تقديم المســاعدة الإيرانيــ­ة للمتمردين الحوثيين في الحــرب الأهلية الدائرة في اليمن، إلــى جانب عمليات وجهت للجارة الســعودية. «ســافيز» توفر لحــرس الثورة حضــوراً ثابتاً فــي منطقة حساسة بالنسبة لإيران، وهي محور النقل البحري المركزي الــذي يربطها )أيضاً دول وســط وشــرق آســيا( بالبحر المتوسط وأوروبا.

كما نشــر في «هآرتس» في الشــهر الماضي، فإن عشرات الهجمات البحرية ضد ســفن إيرانية حدثت في الســنوات الثلاث الأخيرة معظمها في البحر المتوسط والقليل منها في البحر الأحمر. وجه نصيب الأســد من تلك الهجمات لســفن عملــت على تهريب النفــط من إيران إلى ســوريا، حيث تم تخصيص الأموال التي دفع مقابلها لتمويل شــراء الســاح لحــزب الله. مؤخراً، حســب تقارير أجنبية، تم اســتئناف الهجمات ضد الســفن التي قامت بتهريب السلاح إلى موانئ في شمال سوريا.

الســفينة الأخيرة التي هوجمت هي هدف من نوع آخر. فمهاجمتها، مثلما يتبين من المنشــورا­ت، تبدو مثل إرســال رســالة إســرائيلي­ة صريحة لطهران بعد أن قام الإيرانيون بمهاجمة ســفينتين خلال شــهرين تمتلكها جزئياً شــركات إســرائيلي­ة في بحر العرب. هذا ضرر مباشر لحرس الثورة الإيراني، إضافة إلى أضرار جسيمة عندما كشفُ عن العلاقة بينهم وبين السفينة.

هنا تأتي مسألة التوقيت؛ لأن «سافيز» رست في المنطقة لفترة طويلــة، يبدو أنه لم تكــن هناك مهلــة زمنية ضيقة

للعمل على جدول الأعمال الــذي احتاج إلى القيام بالعملية في الوقت الــذي حدثت فيه تماماً. مع ذلــك، حدث الهجوم، حســب مصادر أمريكيــة، فجر الثلاثاء، بضع ســاعات قبل بدء اللقاء الأول في المفاوضات بين إيــران والدول العظمى الذي اســتهدف التمهيد لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع طهران.

«التاريخ علمنا أن الاتفاقيات مع أنظمة متطرفة مثل هذه، تساوي قشــرة ثوم»، قال أمس رئيس الحكومة نتنياهو في خطابه في مراسيم الاحتفال بذكرى الكارثة. «وأقول لأفضل أصدقائنا بأنه يجب ألا يكون هناك أي خطأ. فاتفاق مع إيران ســيمهد لها الطريق للوصول إلى السلاح النووي، هو اتفاق غير ملزم بالنسبة لنا». بالنسبة للهجوم، نشرت «نيويورك تايمز» بأن إســرائيل قد أبلغت الولايــات المتحدة عنه فور وقوعــه. يصعب التصديق بأن الأمــر يتعلق بتزامن فرص. الإعلان عن الهجوم يشــير إلى أن إســرائيل تواصل الخط المبــادر والعنيف تجــاه إيران، حتى في الوقــت الذي تتبع فيه واشــنطن مقاربة تصالحية وتريد العــودة إلى الاتفاق النووي بسرعة.

لقد ســبق ما نشــر في الصحيفة عن الحــرب البحرية تقرير آخر، أقــل تفصيلاً، في «وول ســتريت جورنال». إذا كان مصدر النشــر الأول في بداية آذار هو إدارة بايدن، فهذا يدل على رغبة الأمريكيين في تحييد ضجة خلفية إسرائيلية قبل العودة إلى المفاوضات حول المشروع النووي الإيراني. ولكــن إذا كان هــذا هو الهــدف الأصلي، فقــد أخطأ الهدف تماماً. وقد حــدث العكس بالضبط؛ ففي البلاد نشــر المزيد من التفاصيــل، الإيرانيون هاجموا ســفينة أخرى تمتلكها إسرائيل، هذا ما يتبين من التقارير الجديدة، وإسرائيل ردت برفع مستوى ردها.

إن مــا يجري بين الطرفين الآن هــو معركة بحرية وليس حرباً. ســاح البحرية في الدولتين غير كبير بشكل خاص، ومعظم أدواته ليست قريبة من بعضها. ولكنها معركة آخذة في الاتساع ووصلت إلى ساحات بعيدة، وقد أصبحت تشمل عشــرات الهجمات، حيث قــررت إيران الرد علــى الهجوم الأخير. هذه الخطوات لا تنعكس بالضرورة على الســاحة البحرية. لإيران احتمالات كثيرة أخرى للعمل ضد إسرائيل، بدءاً باستخدام طائرات بدون طيار )مثل الهجوم على مواقع النفط في الســعودية(، وإطلاق صواريخ مــن مدى قصير نسبياً، من الحدود السورية.

إسرائيل الرســمية لا ترد على هذه الأمور. وتطرق وزير الدفاع بني غانتس أمس إلى التقارير بصورة عامة. ومن غير الواضح الآن ما إذا كان وزير الدفاع شــريكاً كاملاً في بلورة السياســة الهجومية أم أنه أبلغ عنها عند تسلمه لمنصبه قبل سنة تقريباً، أو إذا الكابنت الأمني الذي لا يعمل تم وضعه في الصورة. وعلى أي حال، قال رئيس «أزرق أبيض» إن «جهاز الأمن مســتعد في الوقت الحالي للمواجهــا­ت المحتملة التي يمكن أن تضعها إيران أمامنا، بشــكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق مبعوثيها في الشرق الأوسط». ولم يشرح.

يمكــن التقدير بأن المعركة البحرية نمت من الأســفل إلى الأعلى، وسلاح البحرية شخّص تحدياً )مساعدة اقتصادية إيرانيــة لحزب اللــه(، وعــرض القدرة للتشــويش عليه )نشاطات سرية لســرب 13(. وتم الحفاظ على قواعد العمل بدون قتلى وبدون إضرار للبيئــة، و»ضجة» بالحد الأدنى، إلى أن حدثت التسريبات.

اســتناداً إلى المعطيات التي تســربت، ما من شــك بأن الإيرانيين وقعوا في ضرر كبير، ســواء بخســارة مداخيل ببضــع مليارات مــن الــدولارا­ت التي لم تصل إلــى هدفها النهائي، حزب الله، أو أنه تم الكشــف عــن درجة قابليتهم للإصابة.

الســؤال كالعادة هو: إلى أي درجة تخدم هذه العمليات المســتمرة والناجحة الهدف النهائي، أي المس بقدرة إيران ومكانتهــا، وما هو الخطر الكامن فيها من ناحية إســرائيل؟ الهجمات الإيرانية المضادة كانت رمزية في أساسها وتسببت بضرر قليل وأصابت ســفناً لها علاقة بإسرائيل بصورة غير مباشرة. ولكن إمكانية ضربة مســتقبلية في البحر ستكون أكبر بكثير، لأنه التجارة الإســرائي­لية تتم عن طريق البحر، وهي مقرونة بمســارات بحرية طويلة، يصعب الدفاع عنها بشــكل فعال. واســتمرار سياســة الهجمــات البحرية هو إشكالي في الأجهزة الأمنية وفي هيئة الأركان العامة نفسها. هنــاك ضباط كبار يعتقدون أن الفائــدة المرجوة من المعركة البحرية محــدودة، والتفاخر بها مبالغ فيه، والمخاطرة التي تكتنفها كبيرة جدا.

لا تقتصر الحساســية الأمنيــة على الســاحة البحرية فقط، رغم الاهتمام الضئيل المكرس لها في وســائل الإعلام. وإسرائيل تستمر في سياســة الهجمات الجوية في سوريا، والتي يرافقها في الغالب احتكاك عال مع قواعد ومستشارين إيرانيــن )أول أمس ليلاً، تم قصف إرســالية ســاح قرب دمشــق(؛ والاضطرابا­ت الداخلية في لبنان تضع حزب الله في ضائقة فريدة؛ وفــي الضفة الغربيــة اضطرابات حول احتمالية إعلان الســلطة الفلسطينية أخيراً عن إلغاء عملية الانتخابات.

يبدو أن قطاع غــزة في هذه اللحظة هــو الأكثر هدوءاً بين كل الســاحات العسكرية، فحماس معنية جداً باستمرار عملية التســوية، التي تشــمل الدفع قدماً بمشــاريع البنى التحتيــة مقابل هدوء عســكري كامل. التهديد الأساســي للهدوء في منطقــة الجنوب يأتي من تفشــي وباء كورونا في القطاع، الذي يمكنه في ظــروف معينة أن يحث حماس على تفعيل إشارات عســكرية )إطلاق الصواريخ( لتسريع الحصــول على مســاعدات طبية مــن إســرائيل والمجتمع الدولي.

الاثنين الماضــي، هبطت طائرات لســاح الجو الأردني في مبنى المقاطعة في رام الله، وحملت معها رئيس الســلطة الفلســطين­ية محمود عباس )أبو مازن(، حين ذهب الرئيس عبر الأردن لإجراء فحوصات طبية وصفت بأنها عادية، في ألمانيا. ولكن في ســنه المتقدمة )85 ســنة(، وفي ذروة وباء عالمي، فمثل هذه الرحلة لا تعتبر شيئاً عادياً. بطبيعة الحال، نتجت عنها شــائعات، يبدو أنها غير مؤكدة، عن مضاعفات صحية في حالته.

إن متابعة صحة أبو مازن التي تكتنفها درجة من القلق، تضعها أجهزة الاستخبارا­ت الإسرائيلي­ة في قائمة مجالات الاهتمام الأساســية منذ فترة؛ فأي جنرال تولى منصبه في قيادة المنطقة الوســطى في العقد الأخير سارع إلى تشكيل طاقم )الآن طاقم «اليــوم التالي») من أجل تقدير التطورات التي ستحدث بعد استقالة أو وفاة عباس، واكتشف الجميع أن الرئيــس بقي في مكانه حتــى بعد أن أنهــوا مناصبهم وذهبوا إلى مناصب أخرى. بشــكل عام، مثلما أشار مصدر أمني إسرائيلي ذات مرة، يبدو أنه لا توجد شخصية كبيرة فلســطينية تخلو من ملف ثقيل من المشكلات الصحية. ومع ذلك، جميعهم يحظون بحياة طويلة.

إن قلقهــا على أبو مازن يجســد إلــى أي درجة تعتمد إســرائيل، حتى تحت حكم نتنياهو، على شريك تعبس في وجهه، وإلى أي درجة يبدو الاســتقرا­ر في جميع الساحات هشــاً. عندما تكون احتماليــة عدم الاســتقرا­ر عالية فإن التصعيــد، أو على الأقــل أجواء الخوف الدائــم، قد يخدم مصالح رئيس الحكومة السياســية. هكذا تصرف نتنياهو، في ســياق آخر، بعد جولة الانتخابــ­ات الثالثة في آذار من الســنة الماضية، عندما أغرى كاتس ونصف «أزرق أبيض» للانضمام إلى حكومته قصيــرة العمر برعاية أزمة كورونا. وحتى قبل ذلك، وبعد جولة الانتخابــ­ات الثانية في أيلول 2019 ضخم وبشكل متعمد معلومات استخبارية عن انتشار إيرانــي جديد في اليمن، في محاولة فاشــلة لتحقيق نفس الهدف.

فكيــف بنتنياهــو الآن وهو بظهر للحائــط على خلفية صعوبة كبيرة في تشــكيل الائتلاف وبدايــة مرحلة تقديم البينــات في محاكمته. الخطابات الاســتثنا­ئية التي ألقاها في هذا الأســبوع دلت على وضعه. الاثنين، فــي الرد على خطاب الافتتــاح للمدعية العامــة، ليئات بــن آريه، ألقى رئيس الحكومة «خطــاب الانقلاب»، الذي اتهم فيه بصورة مهووسة النيابة العامة بمحاولة انقلاب.

أول أمس، زاد على ذلك عندما أصبح خطابه السنوي في احتفال ذكرى الكارثة مزيجــاً متطرفاً لا طعم له من الكارثة وكورونــا ومحكمة الجنايات الدولية فــي لاهاي. لم يتولد فقط من هذا الخطاب انطباع يقول على لســانه أن «الدولة هي أنا»، بل إن تاريخ الشــعب اليهودي مقــرون بتاريخه الخاص. وإنجازه في إحضار اللقاح يســاوي جهود الإنقاذ من الكارثة.

في هذه الخطابات، ظهر نتنياهو مثل نســخة أكثر بلاغة من صديقه، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، نفس النرجســية المتطرفة ونفس رؤية الواقــع المعطوبة ونفس مســتوى الانفصال عــن المواطنين. هو غــارق في صراعه على البقــاء إلى درجة أنه لا يميــز ردود الفعل غير المريحة لكثيرين من مســتمعيه. هذا السلوك يثير التساؤلات. أولاً، كلما تقدمت المحاكمة كيف يمكن لرئيس الحكومة، سواء في وظيفة مؤقتة أو دائمة، مواصلة إدارة شؤون الدولة المعقدة، ذلك كل اهتمامه ينصب على جهوده لعدم إدانته وسجنه؟. ثانياً، على المدى الآني، ألن يزيد إغراءه باســتخدام ذريعة أمنية ليلتهم الأوراق من جديد ويحسّــن وضعه السياسي والقانوني؟

نتنياهــو، مثلما نشــر هنا مــرات كثيــرة، أظهر خلال الســنين درجة كبيرة من المســؤولي­ة والحــذر الأمني، ففي اتخاذ القرارات حول اســتخدام القوة العسكرية كان يدرك احتماليــة تعقيد الأمــور والمخاطرة بتكبد الخســائر. غير أنه انحرف مــرة واحدة فقط، عشــية الانتخابات الثانية، عن عادتــه وضغط من أجل المصادقة علــى عملية هجومية غيــر متزنة في قطاع غــزة. وقد اهتم الجيش الإســرائي­لي والمستشــا­ر القانوني للحكومة بصــده. وتأجلت العملية لشهرين، حيث تم تنظيف الســياق السياسي منه. في هذه الأثناء، حيث وضع نتنياهو معقد أكثر، يبدو الإغراء كبيراً. حتى المســؤولي­ة التي ألقيت على رؤســاء الأجهزة الأمنية للقيام بدورهم الرســمي، هي أكبر مما هــي دائماً. بكلمات أخرى، يجب الاســتعدا­د لبضعة أسابيع أخرى من التأرجح في الحلبة الداخلية والحلبة الخارجية، والمقصود ليس فقط التعرج في المفاوضات الائتلافية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom