Al-Quds Al-Arabi

نتنياهو المتهم... من «عاشق لاتيني» إلى «معلم» في انتهاز الفرص ونكث العهود

- سيما كدمون

■ الثلاثــاء الماضي، كلف رئيــس الدولة نتنياهو بتشــكيل الحكومة التاليــة، فقد قرر إعطاء التكليف لمن يقدم إلــى المحاكمة الجنائية بقضايا الرشوة والغش وخيانة الأمانة المدعوم من 52 نائباً فقط.

فشل الرئيس ريفلين في تفكره لمرتين. ثمة من سيقول إن مرتين خلال سبع ســنوات ليســتا كثيراً، ولكن هذان فشلان ســيلقيان بظلال ثقيلة علــى ولايته، على الأقل في وعي الكثيرين من مواطني إســرائيل: الأول، حين احتفل في ليــل الفصح الماضي مــع عائلته، في الوقــت الذي أطاع مواطنــو الدولة تعليمات الإغلاق، والثاني جرى هذا الأســبوع حين قرر إعطاء التكليف لنتنياهو. اعتــذر ريفلين على المرة الأولى وطلب المغفرة، وسيتعين على التاريخ أن يغفر له على المرة الثانية.

كان يمكن لرئيس الدولة أن يكســب عالمه بقرار قيمي. كان من واجبه أن يرفــض إعطاء التكليــف لمن يقدم إلــى محاكمة جنائيــة بمخالفات خطيرة تشكل مســاً بطهارة المقاييس. كان يمكنه أن يفعل أموراً كثيرة... أن يرفض.. أن يكلف شــخصاً آخر.. أن يدعــو لبيد وبينيت كما طلب منه مندوبــو «أمل جديد»، ومثلما فعل مع غانتس ونتنياهو، أو أن يســتقيل. نعم، حتى أن يســتقيل، وأن يقول إن ضميره لا يســمح لــه بذلك. ولكن ريفلين الذي يوشك على إنهاء ولايته، اختار أن يفعل ما يعرف كيف يفعله على النحو الأفضل... أن يكون رسمياً.

فهل تأثر أحد ما من أن نقل التكليف بواسطة رسول ولم يعطَ لنتنياهو في مقر الرئيس؟ هل خرج أحد ما عن طوره من شــدة الانفعال حين رفض الرئيــس أن تلتقط له صورة مع رئيس الــوزراء؟ هل هذا ما توقعناه من الرئيس في ســاعة اختبار كهذه – أن يفرض عقوبات عديمة الجدوى وألا يستخدم قوته على نحو مناسب؟

إن ألف خطاب دموع من ريفلين لن ينجح في تشويش العار. لقد وقعت في حجر ريفلين فرصة للتأثير على التاريخ الدستوري لدولة إسرائيل في ظل تبني طهارة المقاييس، ففوتها.

بعض من العقاب على الأقل تلقاه ريفلين فــي احتفال الذكرى في «يد واسم»، حين اضطر للاستماع إلى الخطاب الفضائحي لمن منحه التكليف. دون ذرة خجل، حــول نتنياهو هذا الاحتفال المقــدس إلى منصة أخرى للتباهي الشخصي. لخطاب تختلط فيه ضحايا الكارثة بضحايا كورونا، ويكون هو الذي يقود فيه إسرائيل من الكارثة إلى الانبعاث. خطاب كان كل ما هو مطلوب فيه التواضع وطأطأة الرأس، فتحول إلى خطاب أنا وأنا وأنا، مما دفع الناس إلى إحساس بالخجل والإهانة. ما الذي لم يدخل إلى ذاك الخطاب: فايزر وبورلا، إيران وســلونيكي، أنا وســارة، سارة وأنا. إلى أي درك ســيتعين على الدولة أن تنزل إليه إذا كان قدس أقداســها قد أصبح منصة لإقصاء شخص آخر.

في الأسبوع القادم ستصدر محكمة العدل العليا قرارها بشأن التماس

يطلب إلغاء التكليف بتشكيل الحكومة لمتهم بالجنائي. بدعوى أن لريفلين تفكر واســع وجوهــري وأن قــراره التكليف بتشــكيل الحكومة للمتهم نتنياهو غير معقول بشــكل متطرف. في هذه الأثنــاء، يواصل نتنياهو محاولاته لتشــكيل الحكومة، فيما التقى أمس سموتريتش وبينيت. إذا كان ثمة شيء ما ينبغي أن يتعلمه المعسكر الثاني، فهو الشكل الذي يعمل به نتنياهو عندما يحاول تشكيل حكومة؛ يتحول إلى بساط «أحمر»، إلى عاشــق لاتيني. وتصبح جهوده مغازلة مصيرية، ضغطاً مهووســاً، فلا إهانات، ولا ألعاب يصعب الوصول إليها. نتنياهو ســخي بوعوده مثلما هو وحشي في نكثها.

حتى لو نجــح نتنياهو في إقامة حكومة أم لا، فالحديث يدور هنا عن فشل مدوٍ لكتلة التغيير. بدلاً من استغلال الفرصة التي تبدي فيها الساحة السياســية اســتعداداً لإيداع المفاتيح في يد من حصل على سبعة مقاعد فقط فــي الانتخابات، اختار بينيت الخروج في نزهــة عائلية، وأن يبذر الزمــن والمجيء للتفاوض مع لبيد في اللحظــة الأخيرة مع مطالب مبالغ فيها ومدحوضة. أما لبيد من جهته، فســعى للتحدث مع بينيت شخصياً بدلاً من الشروع فوراً في مفاوضات الطواقم. خطاب بينيت هذا الأسبوع وفيه تشويش أكثر منه إيضاحاً لنواياه، الذي تمنى فيه، ولشدة الحرج، نجــاح نتنياهو في إقامة حكومة – عزز لبيــد لأنه عمل على نحو صحيح حين طلب بقاء التكليف لديه.

ولكن قد تحمل القراءة الســليمة للخريطة لبيد إلى الاســتنتا­ج بأن الخطوة السليمة كانت التوصية ببينيت والسماح بالمفاوضات بينهما في أثناء 28 يوماً، بدلاً من نقل التكليف لنتنياهو. من جهة أخرى، كان ســاعر يعرف جيداً أنه لو أعطي التكليف للبيد – فإن بينيت هو الذي سيشــكل حكومة وسيكون رئيس الوزراء الأول في التناوب. فلماذا لم يوصِ بلبيد إذن؟ كان أحد الادعاءات التي يطرحها محيط ساعر أنهم تلقوا رسالة من بينيت بأنهم إذا أوصوا بلبيد فإن «يمينا» سيوصي بنتنياهو.

ولكن حذار أن نقــع في الخطأ: الاتصالات تتواصــل. وإن كانت على مســتويات متدنية – بيبــي يعمل، بينيت يتردد ولبيد يســتجم – ولكن الطواقم على اتصال. لقد كان لبيد هذا الأسبوع متصالحاً؛ فقد تحدث أحد من طرفه مع ســاعر مطولاً وأعرب أمامه عن خيبة أملــه، ولكن لبيد رأى ساعر في ترسيم الكنيســت وأخذ الانطباع بأنه في ضائقة. ما بدا له في البداية كتلاعب، يفهم الآن بأنها زاوية دحر إليها ساعر رغم أنفه.

والرابح الأكبر هو بالطبع نتنياهو. ليســت لديه نية لتفويت الفرصة التي خلقها له خصومه. وتصوروا أن نتنياهو كان في موقف أي واحد من زعماء معسكر التغيير، فهل كان من المحتمل أن يرتكب نتنياهو ما ارتكبوه من أخطاء؟

في الفترة القريبة ســيتبين لنا كم كان نتنياهو مســتعداً للســير في تحقيق أهدافه السياسية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom