Al-Quds Al-Arabi

القدوة والمرسيدس

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

هنــاك مــن يصــف ناصــر القدوة بأنه إنســان مؤدب، ونحــن نؤكد انه إنســان مؤدب جدا، ولكــن ما دخل ذلك بالسياسة، التي أراد القدوة أن يخوض غمارها، فالسياسة بعيــدة كل البعد عن الأخلاق والأدب، وهما خطان متوازيان لا يلتقيان.

أخلاق ناصر القدوة ليست موضع شك ولا موضوع مقالنا، ولكننا سنتحدث عن تصريحات له كثرت في الآونة الأخيرة، وتحديدا منذ فصله من اللجنة المركزية لحركة فتح لخروجه عــن قرارها، بتشــكيل قائمة منفصلة لخــوض الانتخابات التشــريعي­ة في22 مايو المقبل. ولا نقصــد بذلك تصريحاته وتهجمه على الحركات الإسلامية في قطاع غزة التي وصفها بـ»الإســاموي­ة» وأطلقها من على منبر قنــاة «فرانس 24» الفرنســية، وقال فيها إن له مشــكلة مع الإسلام السياسي، أو ما وصفه بـ»الإســاموي­ة السياســية»، مضيفا «يتوجب استعادة قطاع غزة جغرافيا وسياسيا». وهو شعار مطروح منذ اليوم الأول الذي تم فيه الانشــقاق السياســي والأمني والجغرافي في يونيو 2007، حتى الآن، لكن القدوة لم يطرح، متى وكيف وبأي الأساليب والطرق يريد «استرداد» القطاع الذي يزوره لأول مرة منذ أمد بعيد، رغم انه مسقط رأسه؟

ولن أكون انتهازيا حتى أجعــل من تصريحاته الخاطئة،

نقطة ضده، فهذا موقف سياســي قد تتفــق أو تختلف معه حوله، وهو حرّ في رأيه وفي ما يقول. ويكفيه أنه أوقع نفسه في شــر أعماله، رغم تراجعه عن موقفه في مقابلات لاحقة، التي يصر على أنه لا يــرى فيها تراجعا، بل توضيحات. ولم يقتصر الهجوم على ناصر القدوة، على الإسلاميين فحسب، بل لاقت تصريحاته انتقادات أشد ورفضا غير معلن، من قبل حلفائه في قائمة «حرية» المشتركة مع فريق مروان البرغوثي، الذي يعول على أصوات الإسلاميين في انتخابات الرئاسة، التي ينــوي خوضها ضد أبو مازن في أواخــر يوليو المقبل، وهي سبب عدم تصدره لقائمة انتخابات التشريعي. ويقال إن أنصــار البرغوثي طلبوا من ناصر رســميا عدم الخوض في أي أفكار سياسية مجددا مع وسائل الإعلام، قبل الاتفاق معهم عليها مسبقا. ويدور الحديث عن «جدول مصطلحات» يجري الاتفاق عليه مع القدوة، لعدم تســجيل أي تجاوزات جديــدة في المرحلة المقبلة، خاصة مع قــرب انطلاق الدعاية الانتخابية أواخر هذا الشهر. ويبدو أن ناصر القدوة يُغضب في ما يقول ويفعل، مــن حواليه في التحالف الجديد. فحتى زملاءه فــي الملتقى الوطني الديمقراطي الفلســطين­ي، الذي شــكله لخوض الانتخابات بقائمة منفصلــة عن حركة فتح، غير راضين بل إنهم غاضبون من تفضيل مرشحي البرغوثي عليهم في الترتيب في القائمة.

نعود إلى التصريحــا­ت التي نقلها بالصــوت والصورة موقع «قدس» عن القــدوة، تعليقا على قرار حركة فتح، وهو يفضل أن يســميه قرار أبو مازن، المتعلــق بوقف الامتيازات التــي يحصل عليها كعضــو في اللجنة المركزيــة بعد فصله )بالمناســب­ة من يفصل من عمله لا تعويض له حسب قوانين العالم(. ولفت انتباهي عدة زلات لســان وقــع فيها ناصر، الذي كان منفعلا أثناء حديثه. وتعكس تصريحاته انفصاما عن الواقع والشارع، وعن حياة الناس، إلى حد أنه لا يعترف بالمرافق والسيارة كامتيازات، وكأن كل فلسطيني في الضفة وغزة، لديه مرافق وســيارة، بقوله «واحــد قاللي إن هذه امتيــازات فقلت له الله أكبر امتيــازات وين هذه الامتيازات وشــو هــاي الامتيــاز­ات». فــإذا كان لا يعترف بســيارة المرسيدس التي تصرف له ولغيره من القادة، والمرافق الذي يخصص له ولغيره، كامتيازات، فما هي الامتيازات في نظر ناصر؟ ونذكّر ناصــر، ويبدو انه لا يعرف هذه الحقيقة، بأن الحد الأدنى لأجور الموظفين في الســلطة لا يتجاوز الـ1800 شــيكل في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية مأدبة عشاء في

أحد المطاعــم الفاخرة في رام الله، التــي تعاني من انفصام اقتصادي. ويقول ناصــر القدوة إن أبو مــازن «بدأ بتنفيذ قرار ســحب المرافقين والســيارة والحمد لله إن الســيارة اللي معي معفنة، هذه ليســت خدمات هدولا )هذه( حماية، وانت عندما تســحب الحماية فأنت تقترب من فكرة المساس بالسلامة الفردية. واقولكم إنه لو واحد ما كان في فتح أصلا، وما كان في النظام السياســي وصار فيه طوشة، وصار فيه توتر أنا بدي أوديليــه )أبعث له( الحماية، لأن هذه الحماية ســتكون جزءا من الســلم الاجتماعي»، وســؤالي هو هل توفر الســلطة الحماية لكل مواطن؟ وهل تصرف مرافقا لكل مواطن؟ ويضيف ناصر في حديثه «هلا ســيبوكم )دعوكم( من القانــون والأخلاق. هي هذه فلوس مين بالضبط، فلوس الشعب الفلســطين­ي، هي فلوس أبو فلان وأبو علان، واللي خلَّف فلان، مــن بيحق له أن يعطي ويمنــع، هذي الفلوس يمتلكها الشعب الفلسطيني، يعني فيه إشكالية جدية.»

الــكل يعرف أن هذه هي أموال الشــعب الفلســطين­ي ولا أحــد غيره، ولكن ناصر لم ير هــذه الصورة بوضوح عندما كان جزءا من هذه السلطة ومن المستفيدين منها، ويتقاضى مخصصاته منها. ثم أين هي الإشــكالي­ة فــي ذلك، أليس أبو مازن يســير على خطى أبو عمار، ومن سيأتي من بعده بعد عمر طويل، حتى لو كان القدوة نفسه، سيتصرف بالأسلوب نفســه. والشيء بالشــيء يذكر، فإن القدوة ليس الأول ولا الأخير الذي ســحبت الامتيازات منه، التي كانت توفرها لهم وظائفهــم ومناصبهم. وهذا لا يعني أنني متفق مع سياســة قطع الأرزاق )وإن لم تكن كذلك( على الإطلاق، لكنك يا ناصر لم ترفع صوتا مدافعا عنهــم، ولا مطالبا بإعادة الحقوق إلى أصحابها على مدى أكثر من أربعين عاما، من وجودك في هذا النظام السياسي، والأمثلة كثيرة ونبيل عمرو ما هو إلا واحد منهم.

بالمختصــر المفيد الحلــف القائم بين مــروان وناصر هو بالتأكيــد حلف تفرضــه المصلحة، فالهوة بينهما واســعة، الأول يريد من يدعمــه لمنصب الرئيس ولا ينافســه عليه. والثاني يضرب عصفورين بحجر واحــد، فهو أولا يريد أن يثبت لرفاق الأمس، أنه قادر على البقاء سياسيا. وثانيا أنه بحاجة لأرضية صلبة أو قاعدة جماهيرية يفتقر لها، وفشل في بنائها على مــدى 27 عاما، ويظن خاطئا أن مروان يمكن أن يوفرهــا له، فهل يدوم «زواج المصلحة» بين شــخصيتين متناقضتين الأولى صعدت من القاعدة إلــى القمة والثانية

جاءت من القمة بحثا عن قاعدة.

وأخيرا لفت انتباهــي إحياء دولة الإمارات بقيادة محمد بن زايد ومملكــة البحرين ذكــرى المحرقــة اليهودية، ولا اعتــراض على ذلك، فإننــا جميعا ضد أي مجــزرة ترتكب بحق مدنيين، مهما اختلفت دياناتهم وعروقهم وسياساتهم، ومهمــا كبر العــدد أو صغــر، فالنتيجة واحــدة وهي قتل الأبريــاء، ونعــرف أن دولة الإمارات ســباقة في الحصول علــى الألقاب لِعُقَــدٍ لا نعرفها، وهي بإحيــاء المحرقة تكون أول دولة عربية تفعــل ذلك، وتحقق رقما قياســيا جديدا، يضاف إلى أرقامها التي جنتها على مدى ســني عمرها، التي لا تتجاوز الخمسين ســنة، لتكون دوما الأولى في كل شيء. وحســب القناة 12 العبرية، جرت في الإمارات والبحرين، مراســم وطقوس لإحياء «يــوم الذكرى. وحســب القناة، تم إشــعال 6 شــموع، لذكرى 6 مليون يهودي. ونحن، كما أسلفنا، لســنا ضد إحياء ذكرى هذه المجزرة البشعة، ولكن كما يقول المثل «الأقربون أولى بالمعروف» فالهولوكوس­ــت يتزامــن بفارق يوم، مــع مجزرة دير ياســن، وهي واحدة من عشــرات من أبشــع المجازر، التي ارتكبتهــا العصابات الصهيونية، خصوصا «أرغون» و»شــتيرن» في حربها على الشعب الفلسطيني، لإقامة الكيان المغتصب، ووفقا لمناحيم بيغن الذي أصبح لاحقا رئيس حكومة الاحتلال، فقد زرعوا بهذه المجزرة «الرعب بــن العرب وجميع القرى في الجوار. وبضربة واحدة، غيرنا الوضع الاســترات­يجي». ويصادف أيضا استشــهاد القائد عبــد القادر الحســيني في معركة القســطل في القدس، ومجزرة القادة الفلسطينيي­ن الثلاثة في عمارة فردان في بيروت الغربية، يوســف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر.

كنا نتمنى لو انســحبت حنيتكم على «إخوانكم في الدم واللغة والجغرافيا والدين» الذي أعتقد أنكم أوقفتم التعامل بدين محمد واتبعتم «دين اتفاقات إبراهيم».

وأختتم بالقول، إن ما تعيشــه دولة الإمارات على وجه الخصوص، ليس احتلالا سياســيا أو أمنيا أو اقتصاديا أو عســكريا، من قبل إســرائيل، إنما احتلال ثقافي لمسح وعي شــعوب الخليجيين واســتبدال­ه بوعي اتفاقــات إبراهيم المشبوهة.

هل يدوم «زواج المصلحة» بين شخصيتين متناقضتين الأولى صعدت من القاعدة إلى القمة والثانية جاءت من القمة بحثا عن قاعدة؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom