Al-Quds Al-Arabi

تنظيم «الدولة» في موزمبيق اعتمد على جذور نزاع محلية

-

كان خبــر ســيطرة تنظيــم «الدولــة» علــى مدينــة مهمة فــي موزمبيــق قبل أســابيع، مفاجئا للعديد مــن المراقبين، فما الــذي جعل هــذا التنظيم الجهــادي يخرج مجــددا من بلــد افريقي بعــد أن كان جل نشاطه في العراق وسوريا؟

وأظهــرت التحقيقــا­ت الصحافيــة والمعلومات الــواردة من موزمبيــق، كتقرير صحيفــة «التايمز» البريطانية المميز للمراسلة جاين فلنغان، أن تنظيم الدولــة لم يكــن ســوى مجموعة محلية ســاخطة، تتكون من شباب من المسلمين في موزمبيق، كانوا قــد هاجموا مراكز أمنية للشــرطة قبل ثلاثة أعوام وقتلوا 18 شــرطيا بالســواطي­ر، ردا على انتهاكات الشــرطة بحــق قراهــم، وأن هــذه المجموعــة نمت وتحولت إلى قوة مســلحة من ألــف مقاتل، بايعت تنظيــم «الدولة»، وتمكنــت من مهاجمــة واحد من أكبر مشاريع الغاز الطبيعي في افريقيا ومحاصرة موظفين أجانب.

وتبــدأ القصة من خلال احتجــاج محلي، يقابل بعنــف وتجــاوزات من الشــرطة المحلية، وفســاد مالــي حكومي كبير، وفشــل إداري ســمح بتغلغل تنظيم «الدولة» بين السكان، أو لنقل سمح بتحول بعــض المتمرديــ­ن المحليــن لجهاديــن، فالتنظيــم كان ناشــطا في ليبيــا ومالي والنيجــر والكونغو، لكنه بدأ يتوســع في موزمبيق، فــي مناطق الأقلية المســلمة، التي لا تتجاوز نســبتها خمس السكان، وهنــا قامت الشــرطة المحليــة بملاحقــة العناصر المتمــردة، حتــى وقعــت فــي تجــاوزات، وأعمال عنــف وتعذيــب ضد الســكان، فــي المناطــق التي يشــتبه بتوفيرهــا ملاذا آمنــا لعناصــر المتمردين، مــا قــاد للســخط الشــعبي، وتوفير دعم لتوســع الحركــة المتمــردة، وتحولها لاحقا لفصيــل مبايع لـ»تنظيــم الدولة»، وبــدلا من أن تســعى الحكومة لمعالجــة الأمر بحلــول اجتماعية وسياســية، تبين أنها لجأت للحل العســكري مباشــرة، واســتدعت عناصــر من شــركة مرتزقــة روســية معروفة في ســوريا وليبيا هي «فاغنر»، لكنها منيت بخســائر وقتل ســبعة مــن المتعاقدين الروس، وانســحبت الشركة، فلجأت الحكومة لشركة أخرى من جنوب افريقيــا، اســتخدمت مروحيــات قتاليــة مــزودة برشاشات، تسببت عملياتها بقتل وإصابة الكثير من المدنيين، ما دفع منظمة العفو الدولية إلى اتهام المرتزقة القادمين من شركة «ديك أدفايزر جروب» بالقيام بجرائم حرب، وقتل للمدنيين، أما مسؤول مكافحــة الإرهــاب فــي الخارجية الأمريكيــ­ة، فقد صرح بأن شركات المرتزقة «عقّدت المشهد بدلا من المساعدة .»

هــذه التفاصيل والخلفية التي تفســر وتشــرح ســياق بروز «تنظيــم الدولة» فــي موزمبيق، تكاد تكــون متطابقة مع أســباب وســياقات بروزه بين الســنة في العراق وســوريا، انتهــاكات من قوات الأمن، اســتخدام للعنــف يصل للســكان المدنيين، فتزيــد نســبة الســاخطين، وأعــداد المتمرديــ­ن، ويبحثون عن عباءة فكرية لتأطير حنقهم وغضبهم، كجماعــة معينة ضد الحكومة والقوات الأمنية، من لون إثني أو مذهبي اخــر، فيحضر «تنظيم الدولة» بقــوة في هــذه الحالــة. وكمــا حصل في ســوريا والعــراق، فــإن معظــم عناصــر «تنظيــم الدولــة» انشــقوا مــن فصائــل داخليــة عراقية وســورية، وانضموا للتنظيم ومنحــوه قوته العابرة للحدود، اعتمــادا على دعائم من داخل الحــدود. ومع إقرار منظمة العفو الدولية، ومســؤول مكافحة الإرهاب فــي الخارجية الأمريكية بحــدوث انتهاكات كبيرة وصفتهــا أمنســتي بـ»جرائــم حــرب»، بالإضافة إلــى وجــود نهــج حكومــي قمعــي فــي مواجهــة الاحتجاجات الشــعبية والاســتيا­ء المجتمعي، من قبــل جماعــة ســكانية ذات تكوين إثنــي أو ديني مختلف، كما حصل مع المسلمين في موزمبيق، فإن هذا كله يعني أن دوافع التعامل الأمني للسلطة مع المعارضــة المختلفــة عنها عرقيــا أو مذهبيا، تأثرت بــروح العداء الأهلي على أســس طائفية أو عرقية، وهــذا ايضا يشــابه ما حصــل بالعراق وســوريا، حيث الســلطة تنتمي لمكون مختلف عن المعارضة، وأدى القمع الممنهج لمجتمعات المعارضة إلى توفير مناخ صحــي لنمو فكر ودعــم الطروحات المتطرفة المقابلــة من تنظيــم الدولة، ليتشــكل الصــراع ذو الجذور الأهليــة بوجه جديد بين الســلطة وتنظيم مسلح. *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

انتهاكات قوات الأمن واستخدامها العنف زاد أعداد المتمردين الباحثين عن عباءة فكرية لتأطير غضبهم فحضر تنظيم «الدولة» بقوة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom