Al-Quds Al-Arabi

متى ننتقل من حكم العصابة البهرزية إلى الجمهورية السورية؟

- ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com

■ منــذ أن وقعــت كارثة الغــزوة البهرزية المشــؤومة المســماة بـ«الحركة التصحيحية» التي قام بها غدراً وغيلة برفــاق دربه حافظ البهــرزي الأول )لأن حافــظ البهرزي الثاني ابن بشــار قادم إليكم بمباركة صهيو ـ أمريكية لكن سنفتقد، هذه المرة، وبكل حســرة وأسف، وجود الحسناء الفاتنة أولبرايت في جلســة التطويب والتعميد( وأحوال بهرزستان )أو ما كانت تعرف بسوريا سابقاً( تتردى وتهوي للحضيض والقيعان على كافة الصعد ومختلف المستويات، ولقد طال التخريب والتدمير البهرزي المدروس والممنهج كل زاوية وركن ومفصل وتفصيل من شــؤون الحياة وأحوال الرعية و العباد، وفقدت معه ســوريا )بهرزســتان حالياً( وجهها الحضاري الجميل المشــرق منذ ذلك الزمان، كما رفع ما يســمى بـ « حزب البعث البهرزستان­ي)الســوري )» منذ وصوله إلى السلطة شــعارات قومية عريضة للغاية زاعماً أن هدفه ليس فقط بعث العروبة في السوريين وحدهم، بل في تحقيق الوحدة العربية الشاملة وتعزيز مفهوم القومية لدى العرب من المحيط إلى الخليج.

وقد أنشــأ لذلك ما يســمى بالقيادة القومية فيما كانت تعرف ســابقاً بـ«سوريا»(بهرزستان حالياً( لتكون المكتب العام لتوحيد العرب. وقد أنشــأ حزب البعث فروعاً له في كل الدول العربية تقريباً، باســتثناء الدول التي لم تسمح له بذلك. وقد كانت الشــعارات القومية تغلب على الخطاب الإعلامي والسياسي له لسنوات وسنوات.

وقد ظــن البعــض أن حافظ البهرزي الأول، مؤســس الســالة البهرزســت­انية، فعلاً يريد توحيد العرب وإقامة الدولة العربيــة القومية، لكن حتى تلاميــذ المدارس كانوا يدركون منذ وصول البهرزي الأب إلى السلطة أن الشعارات القومية في واد والسياســة البعثية الأســدية البهرزية في واد آخــر، فقد بدأ حافظ البهــرزي بعملية تطييف ومذهبة ممنهجة منذ أن فكر بالاســتيل­اء على السلطة في البلاد. ولا داعي لشرح الممارسات الطائفية التي سيطرت على الحياة السياســية والعســكري­ة والثقافيــ­ة والاجتماعي­ة وحتى الدينية في سوريا البهرزي منذ بداية السبعينيات.

ولقد بدا واضحاً للجميع أن النظام الذي يرفع شــعارات قومية كبيرة كان يحكم ســوريا ليس على أســاس طائفي فقط، بــل ربما على أســاس ما قبــل طائفي، فقــد عمل آل البهرزي على تهميش وإقصاء وشــرذمة، وحتى التنكيل، ببعض العشــائر العلوية نفسها، كالعشــيرة «الحيدرية» الأكبــر وذات الامتداد العميق في لواء اســكندرون، والتي تم إقصاؤها على مدى نصف قرن وإبعادها واستهدافها مع

أبنائها، والتي نالت من حقــد البهارزة ما لم ينله أي مكون آخر، أي أن البهارزة كانوا أقرب إلى العصبة والعشيرة منه إلى النظام الطائفي أي أنه حتى الصفــة الطائفية الكريهة والمذمومة كبيــرة عليهم ولا تليق بهم، لكــن لم يكن يخفى على أحد أن حافظ البهرزي كان يستخدم القاعدة الطائفية في الساحل الســوري لتعزيز نظامه فقط، حيث تبين لاحقاً أنه لا ينتمــي أصلاً للعلويــن، وكان يتاجــر بهم وزجهم بمواجهة مفتوحة مع بقية المكونات السورية، وهو بالتالي ليــس علوياً ولا ســورياً ولا عربياً، بل مــن أصول كردية، ويدين باطنياً بـ«الكاكائية» ويرجــع أصله لمنطقة «بهرز» بين إيران والعراق حســب إثباتات منشورة وموثقة صوتاً وصورة وباعتراف من جميل البهرزي )الأســد( الشــقيق الأكبر لحافظ الذي احتل منصباً دائماً بمجلس «الشــعب» أو الدمى البهرزية حتى موته وهو رجل شــبه أمي وجاهل وبالكاد يفــك الحروف لكنه حــاز على لقــب دكتور وكان جــل طموحه المهنــي أن يمتلك «كازية» ســطا عليها لاحقاً، وعنوة، في شــارع الجمهورية باللاذقية مــن أحد الفقراء، فــكل العلويين باتوا يعلمون الآن أن من يســمون زوراً بآل الأسد ليسوا علويين، بالمطلق، لا من قريب ولا من بعيد، بل هم آل البهرزي الكاكائيون الأكراد الذين تســلّلوا للعلويين ونسبوا أنفســهم لهم، عبر جدهم الرجل المجهول الغامض القادم من خانقين من حوالي القرن ونصف، واســتغلوه­م في مشروعهم السلطوي «المشبوه» المدمّر الشرير.

لكن بغض النظــر عن كون العلويين، أنفســهم، ضحية لأحقــاد آل البهرزي، فهم كانــوا ومازالوا عصــب النظام الطائفــي الــذي يقــود «سوريا»(بهرزســتان( حتى هذه اللحظة. بعبارة أخرى، فقد كان هذا النظام العصبوي يرفع شــعارات قومية ويحكم على الأرض حتــى بطريقة ما قبل طائفية. لهذا الســبب حصراً انهارت سوريا وتشرد شعبها وأصبحت دولة فاشلة ممزقة ومقسمة لدويلات وكانتونات منفصلــة ذات صبغة طائفية وعرقية، لأنه لم يكن لدى هذه العصبة والشرذمة الدموية الإجرامية المتوحشة والحاقدة أي مشروع وطني حقيقي يجمع السوريين تحت لواء وطني أصيل، بل عمــل النظام البهرزي علــى تكريس العصبيات الطائفيــة والمذهبيــ­ة والقومية لدى كل مكونات الشــعب الســوري، وترهيبها، وضربها بعضها ببعض، فعندما يرى السني أو الدرزي أو المســيحي والكردي أو الإسماعيلي أن كل مفاصل الدولــة الحيوية كالجيش والأمــن والاقتصاد صارت كلها تتحدث بلســان علوي متنمر على الجميع، فلا بد لبقية أطياف الشــعب أن تتمترس في مواقعها الطائفية

والعرقية.

فــي كل دولة حقيقية هنــاك مذاهب وطوائــف وأديان وقوميات مختلفة وكلها تحافظ على خصوصياتها الثقافية والدينية، لكنها تندمج في الوقت نفسه في الهوية الوطنية الجامعة للدولــة، فيصبح الانتماء الوطنــي العام أهم من الانتماء الخاص، لهذا ترى أمريكياً أسود فقيراً لا يجد لقمة الخبز لكنه يدافع في الوقت نفســه عــن هويته الأمريكية ويتفاخر بها بينما في الدول اللاوطنية الممزقة كـ «ســوريا» البهرزية، تجد أن كل جماعــة تدافع عن مصالحها الخاصة ضد مصالح الدولة العامة، لماذا؟ لأن النظام نفسه يقوم على نزعة ونعرة عصبوية، وليس وطنيــة، لهذا يحذو الجميع حذوه بالتمســك بهوياتهم الطائفية على حســاب الهوية الوطنية، فلا عجب إذاً أن النظام عمل على شــرذمة الثورة السورية نفســها وتفتيتها على أســس طائفية ومناطقية، وهــو على ما يبــدو ما كان يســعى إليه النظــام الطائفي منذ وصوله إلى الســلطة، فقد زرع بين الســوريين الأحقاد الطائفية ودق الأســافين بينهم كي يبقى الســوريون مللاً ونحلاً متناحرة يعيش على تناقضاتهم الطائفية والمذهبية والعرقيــة. وقد اســتخدم النظــام هذا الســاح البغيض منذ بداية الثورة، حيث بدأت مخابراته تنشــر شــعارات طائفية بحتة وتنســبها للآخرين كشــعار: «العلوية على التابوت والمسيحية على بيروت». وهي محاولة مخابراتية أسدية قذرة مكشــوفة لتحشــيد العلويين وبقية الأقليات ضد الأكثرية الســنية. وقد كانت المخابرات العســكرية في الســويداء بقيادة الســفاح المأفون وفيق ناصر )مطلوب للجنائيــة ومحاكم العــدل الدولية بتهم ارتــكاب مجازر وإبادات جماعية( تحرّض شــباب الســويداء الدروز على جيرانهم الســنة في درعا. وقد كان ناصر وعصابته القذرة يجمع الشباب الدروز ويقول لهم إن الحوارنة سيقتلونكم، لهذا تعالوا نتصدى لهم سوية.

ولا ننســى أن المخابــرا­ت الســورية فعلــت الأفاعيل وحرضت أهل الســهل على الجبل والعكس كي تخلق فتنة دائمة بين أهل السويداء وأهل درعا على أسس طائفية، لكن العقلاء في درعا والسويداء فهموا لعبة النظام وتصدوا لها رغــم كل عمليات الخطف والابتزاز والقتل التي كان يديرها رئيس المخابرات العسكرية في المنطقة الجنوبية.

قتل بشــار البهرزي، المطلوب للجنائيــة الدولية بتهم إبــادات جماعيــة وجرائــم حرب واســتخدام الســاح الكيماوي، وأبوه من قبله أكثر مــن مليون ونصف مواطن ســوري، وســجن واختفى ملايين آخرين تحــت التعذيب

في ســجونهما، كمــا تم تهجير حوالــي خمســة عشــر مليوناً آخريــن مــن خيــرة العقــول والكفــاءا­ت والشــخصيا­ت والخبرات الســورية ونفييهم في أصقــاع المعمورة، وكله في مســعى الثنائــي البهرزي مــن أجل تحقيــق الوحدة العربيــة وكذبة وخدعة العروبة وفي ســبيل لواء القومية الوهمي الذي رفعاه خلال نصف قرن من الحرب الشرســة ضد الشــعب الســوري، وكل ما يطلبه الشعب السوري أن يتوقف البهارزة عن رفع هذه الشعارات الكاذبة والمخادعة والفارغة الجوفاء وذلك رأفة بالبقية الباقية من الســورية والحفاظ على ما تبقى من سوريين.

نحن كســوريين بتنا ممزقين وطنياً وسياســياً ودينياً وطائفيــاً وإيديولوجي­اً وإثنيــاً. ليس هنــاك مكون مهما كان صغيــراً إلا وهو ممزق إلى ألف قطعــة. ليس لدينا أي هوية وطنية حقيقية تذوب فيهــا كل تناقضاتنا وخلافاتنا الضيقة، لأن هــذه بالأصل مهمة النظــام الحاكم الذي كان كل همه ضرب المكونات، وتمزيق الســوريين إلى ملل ونحل متصارعة، واللعب على تناقضاتهم والاتجار بالحساسيات الإثنية والعشائرية والمذهبية وتوتيرها وتضخيمها، وكان اعتمادهــا بالتعيينات والترقيات والوظائــف، هو المعيار بدل الكفاءة والمؤهلات ونظافة اليد والكاريزما الشخصية والدرجة العلمية والخبرات، لأنه لو توحّد السوريون على هوية جامعة لما بقي النظام حاكما، ليوم واحد.

فهل نحن قادرون في المرحلة القادمة على صناعة الهوية الوطنية الســورية، فهي نقطة البداية لإعادة بناء ســوريا على أسس صحيحة وسليمة، هذا إن ظل هناك شيء اسمه ســوريا أصلاً، بعد هذا الهولوكوسـ­ـت البهرزي والمخاض الأليم. لا بأس أن نبدأ من جديد لبناء شــعب ســوري عابر للانتمــاء­ات الدينيــة والطائفية والمذهبية والعشــائر­ية والإثنية والقومية التي كرسها «البهارزة» الخبثاء الأشرار خلال نصف قرن من الزمان. ومن دون هذا الانتماء الوطني لــن تقوم لنا قائمــة على الإطلاق حتى لــو تغير ألف نظام سياســي. تعالوا نؤســس لهوية وطنية ســورية جامعة تتجاوز الطوائف والقوميات والمذاهب والأديان والأعراق فهي الســبيل الوحيد للتعافي والخلاص والشفاء، ولكنس حقبة البهارزة المقيتة الســوداء، وبكل ما فيها من ضغائن وآلام وشرور وويلات ودماء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom