Al-Quds Al-Arabi

قتلوه وأصابوا زوجته... حين يبدو «عداد السيارة» مؤشراً لقتل الفلسطينيي­ن في الشرع الإسرائيلي

- عميرة هاس

■ عــرف الجيش الإســرائي­لي على الفور بأن أســامة منصور، الفلســطين­ي الذي قتله جنــود الجيش في فجر الثلاثاء الماضي، لم يحــاول تنفيذ عملية دهس، في الوقت الــذي كانت فيه زوجتــه تجلس إلى جانبــه. كيف يمكن معرفة ذلك؟ لأنه لو كان لديهم أدنى شــك كهذا لفعل القادة ما يلي: · مصادرة جثته وعدم السماح لعائلته بدفنها. · اعتقــال الزوجــة التــي أصيبت بالشــظايا، ثم التحقيــق معها بتهمة التخطيط المشــترك لعملية دهس أو تنفيذ عملية إرهابية ثنائية.

· اقتحام بيت العائلة فــي الليلة التالية، وتوجيه البنادق نحو أبناء العائلة، ومصــادرة هواتفهم المحمولة والحواسيب. ثم تفتيش الخزائن وبعثرة محتوياتها بحثاً عن أي شــيء يدينه، وربما عن صحيفة من السنة الماضية تحتوي على كلمة شهيد أو صورة ليحيى السنوار.

كان منصور )42 ســنة( وزوجته ســمية )35 ســنة( رجعا في الســاعة الثالثة فجراً إلى بيتهمــا في قرية بدو. هذا حقهــم. لم يعرفــا أن الجنود موجودون فــي المنطقة ويخططون لعملية اعتقال لشخص أو أكثر، واقتحام منزل أو أكثر، أو وضــع حاجز أو أكثر. هذا روتين عســكري في كل ليلة، يشوش روتين الفلســطين­يين الاجتماعي، لدرجة الموت. في الظلام كان من الصعب ملاحظة الحاجز الطيار. مر منصور عن الجنود وتوقف، وســألوه عن شــيء ما ثم سمحوا له بمواصلة السفر. كانت زوجته تجلس بجانبه. وبعد ذلك بدأوا بإطلاق النار.

لم يقم الجنود باختطاف جثة منصور حسب ما يأمرهم القرار السادي لوزير الدفاع المتعلق بالجثامين، والذي يأمر باحتجاز جثامين الفلســطين­يين المشتبه بتنفيذهم عمليات وقتلــوا في المكان. دُفن منصور في قريته من اليوم نفســه الذي قتل فيه. عندما يشــك الجيش، فــإن القادة والجنود لا يمكن أن يتأخروا، بل ســيقومون بكامل الطاقة باعتقال

شخص مصاب وســيحققون معه في المكان، حتى لو كانت زوجة الســائق التي أطلقت النار علــى زوجها وقتل وهو جالس إلــى جانبها. جنود لواء «كفير» لم يعتقلوا ســمية ولم يحققــوا معها، ولم يقتحمــوا بيتهما فــي قرية بدو. كل ذلك يثبــت أن القادة فهموا على الفــور بأن الجنود قد أخطأوا.

في موقع المتحدث بلســان الجيش، نشــر هــذا البيان المتملص: «في أثناء نشــاطات عملياتية لجنود الجيش في

هذه الليلة في قرية بير نبــالا، حيث وضع الجنود حاجزاً على محور الحركة في المكان من أجل السماح لقوات أخرى بالعمل في المنطقة بدون حركة للسيارات، شخص الجنود في الحاجز تلك الســيارة، التي ســافرت فجأة بســرعة باتجاه عدد من الجنود بصورة عرضــت حياتهم للخطر. ورد هؤلاء الجنــود بإطلاق النار لإحباط هــذا التهديد.» العنوان الســاخر لهذا البيان هو «مقاتلو الجيش أحبطوا عملية دهس». والمواقع الأخرى التي تســمى مواقع أخبار،

سارعت إلى إعطاء عناوين مشــابهة. ها هو ايتمار كوهين مــن موقع «أخبــار كل العالــم» يطلق علــى منصور صفة «مخرب»، ومثلــه فعل دافيد غولدبرغ مــن موقع «ج.دي. ام». بل هناك مراسلون لم يسألوا المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي الســؤال المفهوم ضمناً: إذا كانت هذه محاولة لعملية دهس، فكيف أطلقتم سراح الجثة؟

إن تجاهــل الوقائع في بيان الجيش الإســرائي­لي يدل علــى أن الجيــش يعرف بــأن الجنود قد عملــوا بصورة

غير مهنية: أوقفوا ســيارة على الحاجز، وشــاهدوا رجلاً وامرأة. قال لهم الرجل كمــا يبدو إن زوجته مريضة وكانا عند الطبيب. وبعد الســماح للسيارة بمواصلة السفر، قام الجنود بإطلاق عشــر رصاصات وأصابوا رأس السائق. هل تذكّر أحد الجنود بأنه نسي السؤال عن شيء؟ هل قام الضابط بتوبيخه لأنه لم يفحص بطاقات الهوية؟ هل كان جندي آخر يقف بعيداً عن الحاجز وقرر أن السيارة تسافر بســرعة كبيرة فأطلق عليها النار، ثم استنتج الجنود على الحاجز بــأن خطراً يهددهــم فأطلقوا النــار؟ يدل إطلاق النار على الفزع وعدم التنســيق. إطــاق النار القاتل يدل على عدم الاهتمام بوقائع نفســية أساسية: أنتم تعملون داخل مجتمع مدني، له حياته الخاصة، مثلما نســافر بين حيفا و»الكريوت» في الثانية فجراً، فالفلســطي­نيون أيضاً يســافرون من قرية إلى أخرى. في اللاوعي، يريد الجيش أن يعيش الفلســطين­يون في خوف من السفر ليلاً بصورة حرة في مناطقهم التي يعيشون فيها.

مهمة الجيش الأولى الآن هــي إنقاذ جنوده من تحقيق الشرطة العسكرية بسلام، وبالأســاس: الحرص على ألا تحصل محكمة الجنايــات الدولية في لاهاي على أي طرف خيط يمكنها من معرفة أسمائهم وأين يعيشون. الذي بقي على المراســلي­ن فعله هو النبش في حياة وعادات أســامة منصور، القتيل، وكأنه المسؤول عما حدث له. فيما سيبقى القتلة مجهولين ومحميين.

لا تقلقوا، أيها الآباء الإسرائيلي­ون، فلن يصيب أولادكم مكروه، ولو كان هؤلاء الجنــود الذين هم من لواء «كفير» قتلوا أسامة منصور، الأب لخمسة أولاد، وأصابوا زوجته ودمروا حياته. ولن يتم اتهامهــم أولادكم اليافعين بالقتل العمد، وســتبقى أسماؤهم ســرية إلى الأبد، وسيتمكنون من الســفر بعد تســريحهم من الخدمة، وســيذهبون إلى الرحلة المخطط لها، وسيتعلمون ولن يعانوا من أي صدمة وســتكون لهم عائلة، وبعد ذلك سيرســلون أولادهم إلى الجيش لقتل فلسطينيين آخرين عائدين إلى بيوتهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom