Al-Quds Al-Arabi

نور الدين الصايل وأزمة السينما المغربية

-

■ كان الراحــل نور الديــن الصايل شــغوفا بالحديــث عن بعــض الأفلام المغربية الرائدة، ويخلق منها القديسين، ويجبرها علــى أن تكــون جميلة، وأن تعبر عن الوجود الإنســاني وسعادته وشقائه في هذا البلد الغامض، إنه كان يســكن في هذه الســينما، يقضي وقتا طويلا في مشــاهدة الأفلام وتفسيرها للجمهور، لــم يكن مهووســا بالكتابة، بقدر ما كان يحب الحوار، مثل سقراط، لأن الســينما بالنســبة إليــه حيــاة، والحياة لا يمكــن اعتقالهــا بالكلمات، باســتثناء تلك المقالات التي نشرها في المجلات والملاحق.

لا يمكــن تحديــد الهويــة النقديــة للصايل، بمعنى إلى أي مدرســة ينتمي، ولذلــك نتســاءل عمــا إذا كان يفضل الحوار المتحرك من مجال إلى آخر، بدلا مــن الكتابــة الثابتة في مجــال واحد؟ وبعبارة أخرى؛ مــا الذي جعل الصايل يقــول بوجود أفــام مغربيــة وغياب السينما؟

لــولا أفلاطون لما تعرفنا على فلســفة ســقراط، ولولا التلفزيــو­ن والندوات، لما تعرفنا علــى الناقد الســينمائ­ي نور الديــن الصايــل، علــى الرغم مــن أنه متعــدد الاهتمامات تتــراوح اهتماماته بين الســيناري­و، والمقالات، وافتتاحيات مجلــة «ســينما 3» لعل هــذا التعدد قاد الصايل إلى التخلي عن الوحدة، من أجل اكتشاف المعنى، وأراد أن يهدم اللامعنى، لكن بالجدل وتقريب المســافة بين النقد والإخــراج: «إن فكرتي تكمــن في إعادة إنتاج النقد في مجال السينما، ولا أقصد السينما باعتبارها أفلاما، لكن باعتبارها رؤية فنيــة للعالم» كما قــال في إحدى الندوات.

لا يمكننــا أن نســلك الطريق نفســه الذي ســلكه الصايــل، حــن انتقل من السينما إلى الأفلام المغربية، أو من النقد إلى الســينما، ذلك أن النقد الســينمائ­ي عنده يؤدي فــي نهاية المطاف إلى تحول الســينما إلى فلســفة، متأثرا بتدريسه للفلسفة. هكذا اســتطاع أن يحدث ثورة نقدية في حقل جامد كان يعتمد على جدل الكاميرا والواقع.

لقد بــدأت الســينما المغربية خجولة تسعى إلى السفر من مكان إلى آخر، تريد أن تبدع الواقع في الاستطيقا، بيد أن الفن كان مجرد لحظة هاربة من الروح المبدعة للصور، فهي لم تهتم بالفن كمجال لوضع الحقيقة في العمل الفني، بل كانت ترغب في الاتصال المباشــر بالتقنية، ولذلك لم يكن الصايل متحمســا إلــى فصل تاريخ الســينما عن تاريخ الأفــام المغربية، أو عن تلك الانكشــاف­ات التي تفصل الروح عن ذاتهــا وتدمجها في التراث الغامض، والواقع الشــقي، لكن لم لا تنظر السينما إلى الواقع المنحط للأفلام المغربية؟ ولماذا يتــم إخراجها خارج لغة الســينما؟ وما هــي المعايير النقدية التــي كان يعتمدها فيلســوف الســينما المغربيــة؟ وكيف كان يستثمر الروح الفلســفية في النقد السينمائي.

لتحديد الجميــل المنفلت من ســلطة الكاميــرا، كان الصايــل يعتمــد علــى إحســاس الفيلســوف بالجميل، ويريد تقاســمه مع المبدعين للصــورة، والحال أنه تــرك لنا رؤيــة جميلة عــن الأفلام المغربيــة، التي ظلت تقــاوم العدمية من أجل تأســيس الســينما المغربية، حيث أضحــت الرؤية عنده نابعة من مأســاة الفن الســينمائ­ي في واقع تراجيدي، لا يعبر عن أفول الروح في الوعي الشقي.

ذات يوم جــاء الصايل إلــى النادي الســينمائ­ي في مدينة الخميســات التي كانت قلعــة للنضال والفلســفة، وكنت حينئذ في مقتبــل العمــر، وبينما نحن ننتظر بشغف مشاهدة الفيلم، والإنصات للناقد الصايل، تدخلت الســلطة القمعية ومنعت الفيلم.

 ??  ?? نور الدين الصايل
نور الدين الصايل
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom