Al-Quds Al-Arabi

«مين سمير!»

-

يتصدى المسلسل الســوري «قيد مجهول» (للمخرج السدير مسعود( لدراما نفســية يعاني بطلها من «اضطراب الهوية التفارقي» . لا ندري لمَ يحــاول صنّاعه زيادة الأمر غموضاً بخلــق متاهة ونصب فخاخ توحي بأن العمل يتحرك ضمن حبكة بوليســية وأن أبطاله يخوضون صراعاً مستحيلاً مع المافيا المحلية!

على أي حال وصلت الفكرة، فَهِمَ المشــاهد أن للبطــل المهزوم )الممثل عبدالمنعــ­م عمايري( شــيطانه وبطله الخاص )الممثل باســل خياط( لا يفارقــه على الدوام، خصوصاً في لحظاته الصعبــة. هذا أمر مألوف في الدرامــا، فلم يكن طيف هاملت الأب ســوى «ذات منشــطرة عن أخرى لهاملت، وســاحرات ماكبث هــنّ الذات الآثمة لمكبــث الطموح والبطل، وشبح بانكو هو ضمير ماكبث ولا وعيه» .

المشــكلة في «قيد مجهــول» هي في «الشــلف» أي في عمل مشــاهد وشــخصيات غير مدروسة ولا محســوبة. نفهم أن يكون للبطل المعتر، المهزوز، الذي بلا هوية، بطله الخاص القوي الجبار، يلجأ إليه، فينتصر لكرامته، ويزوّده بالأفكار الشــيطاني­ة الشريرة، لكن ذلك يحدث هنا من دون منطق. نحســب إن لكل امرئ بطلاً على هواه؛ الشــيطان الخاص بسمير )وهذا هو اســم بطل العمل المهزوز( سيولد من معرفته وتجربته وعالمــه هو بالذات، لا من عقل المخرج أو الكاتب. لا مشــكلة ما دام يتعلق الأمر بالمخيلة، داخل رأس ســمير، يمكن افتراض أن ســمير استعار تلك الشخصية من مشــاهداته السينمائية. المشــكلة عندما يتصرّف سمير، الرجل الذي بلا حول ولا قوة، ذو الكرش، أبو بنطال «سألت» ، في الواقع كما لو أنه هرقل. الشخص الذي يهرب من محل المجوهرات ولا تتمكن قوة الأمن الجنائي من هزيمته هو في الواقع سمير المتعثّر في سرواله، لا يزن )اسم الشخصية التي يلعبها خياط( الشيطان الخارق. كذلك فإن القاتل في الواقع هو ســمير، فمن أين له هذه المقدرة الفائقة على اختراق غرفة نوم القتيل فاحش الثراء، مع فرصة التفكير بانتزاع الخاتم الأثري باهظ الثمن من يد الضحية، علماً أن كل ما أراده الرجل هو الانتقام لنفسه وردّ الصفعة.

باختصار؛ يســتطيع هاملت )بلا تشــابيه( أن يستحضر في مخيلته طيف أبيه كيفما شــاء، لكنه لم يســتطع قتل عمّه المســتبدّ، واسترداد العرش، فهو في الواقع ذلك «المثقف» الجبان، المتردد، الحائرـ لم يستطع رغم مكانته العالية كأمير. أما سمير!

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom