Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل في «العهد الإيراني الجديد»: من صراع على الوجود إلى آخر على البحار والنفوذ الإقليمي

- ايال زيسر

■ «لم يهزم شــعب قــط يتحكم بالبحــار»، تعلن اليافطــات عند مداخــل قواعد ســاح البحرية. هذا القول، الذي يعود أصله إلى عهد عظمة الإمبراطور­ية البريطانيـ­ـة، ذو صلــة أكثر من أي وقــت مضى في ضوء الصــراع علــى البحار الــذي تديره إســرائيل وإيــران والنــزاع على ترســيم الحــدود البحرية مع لبنان.

«الصــراع على البحار حــل محل «الصــراع على الميــاه» الــذي خاضــه العــرب فــي الخمســيني­ات والســتيني­ات ضــد إســرائيل، حــن ســعى العالــم العربي، وعلى رأســه سوريا، للتخريب على مشروع الميــاه القطــري وتحويل مجرى نهــر الأردن، وبذلك المس بتوريد المياه لإســرائيل. وكان هذا التوتر أحد المحفــزات لاندلاع حرب الأيــام الســتة. كانت المياه في حينه إكســير الحياة لإسرائيل الشابة، وحيوية لضمان وجودها واقتصادها، الذي قام على أساس الزراعة. أما اليوم فإسرائيل قوة عظمى تكنولوجية وتحلــي مياه البحــر ولا توفر احتياجاتهـ­ـا فقط بل وتوفــر الطلــب علــى المياه لــدى جارها من شــرقي الأردن.

وهكذا، انتقلنا من الصراع على المياه إلى الصراع علــى التحكــم بالبحــار. أولاً، صــراع على ترســيم الحــدود البحرية مــع لبنــان. وإن أي اتفاق في هذه المســألة سيسمح للبنان بالسير في أعقاب إسرائيل واســتنفاد حقــول الغاز الموجــودة على شــواطئه. ولكن في لبنان مثلما في لبنان، يتنازع السياســيو­ن فيما بينهــم على توزيــع الغنيمة، وفي هــذه الأثناء يمنعون كل تقدم في المفاوضات مع إسرائيل.

ولكــن ثمة أمر ما حســم في الأســابيع الأخيرة؛ فقد تبين للبنانيين أن سوريا منحت شركات روسية امتيــازات للتنقيــب عن حقول الغاز فــي المجال على طــول شــواطئها، بما فــي ذلــك المناطق التــي تعود للبنان. ولكن في الوقت الذي يتحول فيه كل خلاف صغير مع إســرائيل فــي بيروت إلى مبــرر للحرب، في الحالة الســورية يمتنــع اللبنانيون ولا يتجرأون على الوقوف عند رأيهم. أما السوريون، من جهتهم، فــا يأبهون للبنــان، إذ إن السياســيي­ن الفاســدين المتحكمين به يقولون آمين خلف إملاءات حزب الله، وهذا يجيب آمين على إملاءات إيران.

إلى جانب ذلك، نشــأ بين إسرائيل وإيران صراع علــى الملاحة في البحار، كانــت بدايته في الهجمات التي تنسبها وسائل الإعلام الأجنبية لإسرائيل ضد ناقلات إيرانيــة خرقت العقوبــات الدولية، وجلبت النفط إلى ســوريا كي «تســتخدم كوقود» في أيدي نظام دمشــق فــي حربه ضــد أبناء شــعبه. ومقلقة بقدر لا يقل هــي جهود إيران للحصــول على قاعدة بحريــة في الشــواطئ الســورية، يمكنها أن تنشــر فيها غواصــات وســفناً حربية وتهــدد الملاحة إلى إسرائيل.

لقد جــرّت الهجمات الإســرائي­لية رد فعل إيراني ضــد ســفن تجاريــة إســرائيلي­ة وبعدهــا رد فعــل إســرائيلي ضد ســفينة للحــرس الثــوري الإيراني. وهكــذا، فعل يجر رد فعل، فما بالك إذا كان الطرفان يتخذان جانب الحذر مــن اجتياز الخطوط الحمراء، وإغراق سفن أو إصابة الطواقم على دكاتها.

يتحــول البحر إذن إلــى مجال ذي أهميــة هائلة للأمــن القومــي لإســرائيل ولضمــان ازدهارهــا الاقتصــاد­ي، كما أنــه يتحول إلى ســاحة مواجهة بكل معنــى الكلمة، فيهــا، وليس فقط في الســماء، سيحسم مصير الصراع الإسرائيلي لوقف مساعي إيران لإثبات نفسها في منطقتنا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom