Al-Quds Al-Arabi

في انتظار رد بايدن: «لجم إيران مادياً ومعنوياً»... رسالة الموساد الإسرائيلي إلى العالم

- يوآف ليمور

■ بدت الإصابة في منشــأة تخصيــب اليورانيوم في نطنــز أمس كتخريب مقصود أكثر مما هــي خلل، كما زعم في البداية. لم تفصل منشورات في إيران وخارجها حجم الضرر اللاحق بالمنشــأة الحساســة التي أصيبت للمرة الثانية في غضون أقل من سنة.

بفــرض أن التقارير عــن التخريــب صحيحة، يمكن التقدير بأن الضرر اللاحق بهــا كفيل بأن يكون ذا مغزى. عملية معقــدة كهذه، إلى جانبها مخاطــرة كبيرة، لا تنفذ على عجل، ولا أيضاً بهدف الوصول إلى إصابة هامشــية فقط. فلما كانت تحتاج إلى استثمار استثنائي في الاعداد وفــي التنفيذ، فمعقــول أن يكون الإنجــاز المطلوب، على الأقل، هو إصابة شــديدة تحرمها من قدرتها لفترة زمنية طويلة.

هكذا كان في حالتين ســابقتين أصيبت فيهما منشــأة نطنز: الأولى في عملية نسبت لتعاون إسرائيلي – أمريكي قبل نحو عقد، وتسبب فيها فيروس الحاسوب «ستاكسند» إلى انهيار أجهزة الطرد المركزي ومنع تخصيب اليورانيوم على مدى بضعة أشهر، والثانية في انفجار كان في السنة الماضية في مصنع إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة في نطنز، والذي تضرر بشدة وأخرج عن نطاق العمل.

قد تتضح تفاصيل التخريب فــي غضون وقت قصير. وقوات الأمن الإيرانية أغلقــت المنطقة وزعم أن الموضوع قيد التحقيق، ولكن هذه منشأة يعمل فيها آلاف الأشخاص وكل مــا يجري فيهــا مصــور ومراقب ‪/7 24‬مــن الوكالة الدولية للطاقة الذرية. قد تكون لإيران نفسها مصلحة في نشــر التفاصيل إذا ما قررت توجيه إصبع اتهام نحو جهة ما مسؤولة عن التخريب.

عدم تحمل المسؤولية

المشــبوه الفوري في هذا السياق هو إسرائيل، وللدقة: الموســاد – الذي ســبق أن أثبت قدرة مبهــرة على العمل ضد أهــداف مختلفة في قلب إيران. ولا تنقص الشــواهد على ذلك. فقد أخذت إســرائيل المسؤولية عن بعض قليل منها )ســرقة الأرشــيف النووي(، وليس عــن معظمها، ولكن نســبها الآخرون لها )من الانفجار السابق في نطنز وتصفية مدير المشــروع النووي محســن فخــري زادة،

وحتى تصفية مســؤول كبير في القاعدة وسلسلة أخرى من العمليــات(. وروت منشــورات مختلفة بــأن أعمال الموســاد هذه )وأخرى، مثــل تصفية رجــال حماس في تونــس وماليزيا( نفذهــا مبعوثون. يــدور الحديث عن أسلوب عمل ناجع وآمن نسبياً. بفرض أن المسافة اللازمة بين المسؤولين )الإسرائيلي­ين( والمنفذين )الأجانب(، تبقى حتى لو فشــلت العملية وأمســك بالمنفذين، فسيكون من الصعب الربط بينهم وبين من بعثهم.

إذا كانت إســرائيل بالفعل مســؤولة عن التخريب في منشــأة التخصيب، فقد يكون التقريــر رفع بالتوازي إلى الأمريكيين. وفي الأسابيع الأخيرة أبدت الإدارة الأمريكية في واشنطن استياء متعاظماً في ضوء النشاط الإسرائيلي ضد إيران، ولا سيما في الساحة البحرية. وأدى الأمر إلى سلسلة تســريبات لمعلومات حساسة عن بعض العمليات إلى وســائل الإعلام الأمريكية، أغلب الظن بهدف الإشارة

إلى إســرائيل بأن الولايات المتحدة غير معنية بأن تعرقل إسرائيل محاولاتها فتح صفحة جديدة مع طهران.

ليس واضحاً كيف ســترد إدارة بايدن على التخريب الحالي الذي يأتي في توقيت حســاس بعد بضعة أيام من استئناف المحادثات بين إيران والقوى العظمى. في خطابه أمس، فــور وصوله إلى زيــارة عمل أولى في إســرائيل، امتنــع وزير الدفاع الأمريكي الجديد لويد اوســن عن أي تناول للمســألة الإيرانية، ولكن لا شك بأن الموضوع كان على رأس جدول أعمال المحادثــا­ت المغلقة التي أجراها مع نظيره، بيني غانتس، ومع مسؤولين آخرين في الحكومة وفي جهاز الأمن.

في هذه المحادثات تطلب إســرائيل أولاً وقبل كل شيء التنســيق مع الإدارة الجديدة في المســائل الاستخباري­ة في كل ما يتعلق بالبرنامج النــووي الإيراني. أما المرحلة التالية فهــي الجدال علــى تفاصيل الاتفــاق حين تكون

إســرائيل معنية بإدخال تعديلات علــى الاتفاق الأصلي الموقع فــي 2015. وتنطبق الأمور أساســاً على موعد نفاد الاتفاق، وكذا على المســائل المتعلقة بالرقابة الدولية على البرنامج النــووي الأخير وعلى مســائل مختلفة ترتبط بالبحث والتطوير في مجالات النووي.

تعارض إيران كل تغيير فــي الاتفاق النووي الأصلي، وتطالــب بأن تتضمــن كل عودة إليــه رفعاً تامــاً وغير مشــروط للعقوبات الأمريكيــ­ة التي فرضــت عليها. بل واتخــذت طهران في الأشــهر الأخيرة سلســلة خطوات استفزازية وخرقت علناً الاتفاق الأصلي الذي وقعت عليه. وجمعت إيران كميــة أكبر بكثير مما هو مســموح لها من اليورانيوم المخصب لدرجة متدنية بنسبة 4.5 في المئة، بل وبدأت بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى متوسط من 20 في المئة. وأفادت إيران أول أمس بأنها نصبت أجهزة طرد مركزي متطورة محظورة الاســتخدا­م، وفق الاتفاق، في

منشأة نطنز التي أصيبت أمس.

مــن غير المعقول أن يكون التخريب أمس رد فعل فوري على هذه الخروقات الإيرانية، وعلى رأســها تفعيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وكما أســلفنا، فــإن عمليات من هــذا النوع تتطلب زمنــاً وإعداداً دقيقــاً. وإذا كانت هذه عملية مقصودة كما ألمحت أمس جملة من وســائل الإعلام، وإذا كانت إسرائيل والموســاد المقصودين فقد كانت النية إطلاق رسالة مزدوجة بوساطتها: الأولى مادية – التسبب بتخريــب حقيقي يعيــق البرنامــج النــووي الإيراني، والثانيــة بالوعي – الإثبات بأن إيران مخروقة وهشــة، وإشــارة إلى العالم بأن إســرائيل ســتواصل الدفاع عن مصالحها الحيوية بنفسها.

تعيد هذه التطورات الكــرة إلى الملعب الإيراني. وبعد أن تنتعش طهران من الضربــة )الإضافية( التي تعرضت لها، ســتكون مطالبة بأن تقرر كيف تــرد. خيار واحد هو التجلد ومحاولة توريط إســرائيل مــع الولايات المتحدة والقوى العظمى بصفتها هي التي تشــعل المنطقة، وعملياً تخرب على إمكانيــة العودة إلى الاتفــاق النووي. وثمة خيار ثانٍ، هو الرد بواسطة مبعوثين – في لبنان )احتمال متدن جداً(، أو في غــزة )احتمال متدنٍ(، أو في ســوريا )احتمال متوسط زائد(. أما الخيار الثالث فهو الرد بشكل مباشــر. تعرف إيران كيف تعمل بالســر، ولإسرائيل في أرجاء العالم جملــة ذخائر وأهداف يمكــن المس بها. في إطار المعركة البحرية التي تطــورت مؤخراً بين الدولتين، ضربت إيران سفينتين تعودان لرجلي أعمال إسرائيليين، ويحتمل أن تحاول مواصلة الخط ذاته.

زمن اليقظة الاستخباري­ة

هذا يدعو إســرائيل إلى يقظة اســتخباري­ة وعملياتية عاليــة، وعليها بالتــوازي أن تقرر كيــف تعتزم مواصلة هذه المعركة المتصاعدة التي تتعقــد على خلفية العلاقات المتعثرة مع إدارة بايدن.

ولضمان ســامة الســلوك في الجانب الإســرائي­لي، مطلوب مــن الصقور فــي الحكومة أن يضعــوا البلطات جانباً ويديروا جبهة منســقة، حتــى قبل أن تقوم حكومة جديدة. وإن اجتماعات منظمة ومداولات جدية للكابينت السياسي الأمني ستكون بداية مناسبة لذلك.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom