الرواية الإسرائيلية للنكبة في عيون بعض المؤرخين الإسرائيليين
كشــفت إسرائيل عن أرشــيفها في العام 1988 أي بعد أربعين عاماً من إنشــائها، من خلال إصدار قانون يسمح بذلك، ليصبح أمام جيــل جديد من الباحثين الإســرائيليين إمكان الإطلاع على وثائق رســمية إســرائيلية، عما حدث قبل ســنوات من إنشــاء إسرائيل والأعوام التالية، وأدى ذلك إلى مراجعة بعض المؤرخين الروايــة الإســرائيلية حول تهجيــر اللاجئين الفلســطينيين عام 1948، الأمر الذي أســرع في بروز ظاهرة المؤرخين الإسرائيليين الجدد.
المؤرخون الجدد
يعتبر بني موريس مؤســس حركة «المؤرخين الجدد» وهو من المؤرخــن المعروفين وأســتاذ التاريخ في «جامعــة بن غوريون» وكذلك يوســي بيلين وإســرائيل شــاحاك وايلان بابيه و زئيف ســتيل نهيل و موشــي ســميش وســيمحا فلابان وبار يوسف وأروي رام وســامي ســموحا وباروخ كيمرلنغ وتامار كارتيال وســارا كازير وجيرســون شــافير وبــارون ازراحي وشــلومو سويرسكي وتوم سيغيف ويناثان شــابيترو يورين بن اليعازر وباجيل وايلا شوحات وآفي شلايم وغيرهم.
وثمــة مصطلحــات تطلــق علــى «المؤرخــن الجــدد» منهــا مدرســة «التاريخ الإســرائيلي الجديد» فضلاً عــن مصطلح «ما بعــد الصهيونية» وكل ذلك يشــير إلــى مجموعة مــن المؤرخين
والأكاديميين والكتاب والمثقفين وعلماء الاجتماع النقديين الذين أخذوا وبــدأوا في اســتحضار الملفــات الإســرائيلية ومراجعة الروايــة الأكاديمية اليهوديــة للصراع «العربــي الصهيوني» وعلى وجه الخصوص حرب 1948.
ورغم كشــف بعــض الباحثين الإســرائيليين عــن مجازر ضد الشعب الفلسطيني مثل مجزرة قرية الطنطورة في قضاء مدينة حيفا على الساحل الفلسطيني، فإن مئات الملفات الإسرائيلية لا تزال مغفلة خاصة تلك المتعلقــة بالتخطيط الصهيوني لاحتلال المــدن والقــرى الفلســطينية وطرد أهلهــا بقوة المجــازر، ناهيك عــن إغفال الملفات التي تشــير إلى عملية التفــاوض بين الحركة الصهيونية والقوى العظمى قبل وبعد إنشاء إسرائيل في ايار/ مايو 1948. والملفت أن المتغيرات السياســية لعبت دوراً بارزاً في صعود ظاهرة المؤرخين الجدد في إســرائيل، أو ظاهرة النقديين الجــدد، نظرا لمشــاركة عدد كبير مــن غير المؤرخين فــي البحث والسجال والنتائج والتوصيات المختلفة كل حسب اختصاصه ومنهجه.
ومــن أهم الكتب الصــادرة عن المؤرخين الجدد في إســرائيل كتــاب «ولادة مســألة اللاجئين الفلســطينيين» لبنــي موريس، وكتاب «ميلاد إســرائيل: الأســطورة والحقيقة» لسمحا فلابن، وكتــاب «بريطانيا والنزاع العربي الإســرائيلي» لإيــان بابيه، بالإضافة إلى كتب وأبحاث أخرى لكل من توم سيغيف وباروخ كيمرلنغ وآفي شلايم.
وفــي قراءة لمحتويــات بعض الكتب، وبشــكل خــاص كتاب المــؤرخ بني موريس المشــار إليــه ســابقاً يمكن إيجــاز وجهات
نظــر أصحاب الظاهرة الإســرائيلية المذكورة بقبــول الحوار مع الفلســطينيين بوصفهــم ذوي هوية وتاريخ في فلســطين، كما تتضمــن أفــكار أصحاب الظاهــرة الإســرائيلية إنهــاء الصراع الإســرائيلي الفلســطيني بالدرجــة الأولــى، وهــذا لا يتــم على المستوى السياسي إلا بإعادة الاتفاق على تفاصيل التاريخ، أي إقامة إسرائيل ونكبة الفلسطينيين، التي أدت إلى تهجير 61 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني عام 1948.
وقــد تركزت أطروحــات المؤرخين الجدد في إســرائيل حول نقــاط جوهرية يمكــن إجمالهــا بالتالــي: الرواية الإســرائيلية الرســمية حــول حــرب عــام 1948، فضــاً عــن موقــف قــادة الصهيونيــة من «إبــادة اليهــود فــي أوروبا» وكذلك مشــروع بناء إســرائيل و الأســس التي أرست صوغ ما يســمى بالهوية اليهودية.
جذر القضية الغائب
لــم تتعــدّ بحوث المؤرخــن الجــدد التوصيف ، وعلــى الرغم من قدرة العديد منهم فتح بعض ملفات الأرشــيف الإســرائيلي حــول الرواية التاريخية للنكبة وغيرها، إلا انهم لم يشــيروا إلى جذر القضية الفلســطينية، ولم يحمّلــوا العصابات الصهيونية وبريطانيــا مســؤولية تاريخية وسياســية وأخلاقيــة عن بروز قضيــة اللاجئين وتداعياتها المختلفة على الشــعب الفلســطيني وأرضــه التاريخية. وبالتالي لم تتم عمليــة إحالة وربط عمليات الترانســفير الكبيرة التي لحقت بالشــعب الفلسطيني في العام 1948 وبعده بسياســات العصابــات الصهيونيــة وبمخططات الحركــة الصهيونية بشــكل عام، حيــث تم طرد نحــو 850 ألف فلســطيني من 532 مدينة وقرية فلســطينية تحــت وطأة المجازر الصهيونية في ظل الاحتلال البريطاني لفلسطين وبعده.
كما لم تســلط بحــوث المؤرخين الإســرائيليين الجدد الضوء على دور بريطانيا في نقل ملكيات أراضي الشــعب الفلســطيني إلى الوكالة اليهودية وإســرائيل، وكذلك فتحها لأبواب الهجرة اليهودية إلى فلســطين على مصراعيها حتــى وصل عددهم في فلســطين عشية النكبة الكبرى إلى 650 ألف يهودي، وتبعاً لذلك تمّ إقامة إســرائيل في الخامس عشــر من أيار- مايو 1948 على (78( في المائة من مســاحة فلســطين التاريخيــة البالغة 27009 كيلومترات مربعة.
وكذلــك لم تطرح تلــك الظاهرة تصورا للكيفية التي يســتطيع الشــعب الفلســطيني بها أن يحصل على حقوقه في أرضه التي اقتلــع منهــا، بل أشــار بنــي موريس فــي كتابه «ولادة مســألة اللاجئين الفلسطينيين» إلى أن الحاجة لإنشاء إسرائيل أهم من الظلم الواقع على الفلسطينيين نتيجة اقتلاعهم، وبذلك تضمنت بحوث المؤرخين الجدد في إســرائيل رغم سردهم بعض تواريخ الصــراع نفحــات عنصرية ضــد الفلســطينيين وعمليــة تغييب مبرمجــة لحقــوق الفلســطينيين فــي أرضهــم، ناهيــك عن عدم الإشــارة إلى ضرورة حق العــودة لأكثر من ســتة ملايين لاجئ فلسطيني، طردوا بقوة المجازر الصهيونية.