Al-Quds Al-Arabi

أزمة الأردن: أسئلة تبحث عن إجابات

- *كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

غيّــرت أحــداث الأســبوع الماضي من الصورة التي عُرفت عن الأردن.. أزمة غير مسبوقة في هذا البلد، الذي بقي عصيا عن الدخول في حالة الاضطــراب التي عمّت الهلال الخصيب، على الرغم من السخط الواضح على الأوضاع العامة فيه، التي باتت سمة من سماته خلال السنوات الأخيرة.

أمير يُعلــن أنه ممنوع مــن التواصل مع العالــم الخارجي بأمر الســلطات. وزير الخارجية يصبح الناطق الرسمي باسم الحكومة ويقول، إن السلطات أحبطت مؤامرة استهدفت البلاد كان الأمير جزءا منها، وتم اعتقال شخصيات على مستوى عال. في ما يعلن الأمير أنه ليس كذلك، ليأتي قرار الملك بحصر قضية الأميــر في نطاق العائلــة، ثم إعلان آخر يقــول إن الأمير وقّع رسالة أمام العائلة المالكة يعلن فيها أنه رهن إشارة الملك وولي العهد، حافظــا للعهود والمواثيق التي اعتــادت عليها العائلة. وأخيرا كانت خاتمة الأزمة رســالة من الملك يعلن فيها أن الأزمة وئدت، وأن الأمير في قصره وفــي رعايته.. فكيف يمكن قراءة الحدث؟

الناظر إلــى كل هذه التطورات والتحــركا­ت والتصريحات والرســائل، يشــعر بأن الغموض والتخبط هما سيدا الموقف في هذه القضيــة، فالغموض جاء من وصف الحدث في البداية بأنه محاولة انقــاب، ثم تدحرج الوصف إلى مؤامرة ثم فتنة، كما جاء في رسالة الملك. وزير الخارجية الناطق باسم الحكومة قــال، إن من تم إلقاء القبض عليهم كانوا على تواصل مع جهات أجنبية لزعزعة أمن واســتقرار الأردن. والوصف الوحيد الذي ينطبق على هذه الحالة ســيكون محاولة انقــاب، وبالتأكيد خيانة وطن، وهــي اتهامات على قدر عال مــن الخطورة، لكن كيــف تكون هنالك محاولــة انقلاب، ولم يعلــن عن وجود أي منتسب للقوات المسلحة فيها؟ وإذا كانت هي كذلك فأين الدليل؟ قد تكون الإجابة، أن التحقيقات مازالت جارية، لكن كلام وزير الخارجيــة كان، أن الجهات الأمنية أنهــت تحقيقاتها وطالبت بعــرض الموضوع على القضــاء. كما أن الســؤال الأكثر أهمية هو، هل يمكن أن تكون هنالك محاولة لتغيير النظام السياسي في دولة كالأردن، لها التزامــات في المجتمع الدولي، خاصة مع الولايــات المتحدة الأمريكية، وتقدم نفســها على اعتبار أن لها سجلا وشخصية دولية تتفاوض على أدق الأمور بشكل يرتاح إليه الغرب كثيرا؟ كذلك فإن لديها حدودا مع إسرائيل.

أما التخبط الذي ران على الحدث، فهو إرسال رئيس الأركان العامــة لتحذير الأمير باســم كل الأجهزة الأمنيــة، ثم يصدر التوجيه الملكي بإيــكال الأمر إلى الأمير حســن لحل الموضوع داخل العائلة. إذن لماذا تم إرســال مبعــوث إلى الأمير ولم يتم اللجوء إلى حل الموضوع عائليا منــذ البداية؟ النقطة الأخرى الجديرة بإلقاء المزيد من الضوء عليها هي رسالة الملك، اللافت أن الرسالة كانت مكتوبة، وتم بثها عبر التلفزيون وليست كلمة مباشــرة بالصوت والصورة. يمكن أن تكون الاعتبارات التي أظهرت الرســالة بهذا الشــكل، هو أن الملك كان ما زال منفعلا، وربما لم يكن يريد أن يظهر انفعاله أمام شعبه. في الرسالة قال الملك إن الوضع تحت السيطرة وتم وأد الفتنة. إذن كان الهدف

هو طمأنة الشــعب أولا. النقطة المهمة الأخرى في الرســالة هو الإعلان عن أن )الفتنة من داخل بيتنــا الواحد ومن خارجه(. الســؤال المهم هنا عن معنى بيتنا. هل المقصود به بيت العائلة المالكــة؟ أم الوطن كبيت كبير؟ لكن العبارة التالية في رســالة الملك تصف حالته بأنه في حالة صدمة وألم وغضب كأخ وكولي أمر العائلة المالكة، ما يعطي انطباعــا بأنه يتحدث عن العائلة الأصغر، وبذلك نكــون أمام غموض آخر. وعندما يقول الملك إن الأمير مع عائلته في قصره برعايتي فهي إجابة على تســاؤلات الشــارع، لكن هل معنى ذلك أنه تحت الإقامة الجبرية؟ خاصة أن وكالة أسيوشيتد برس الأمريكية قالت، إن كل الشخصيات المرتبطة بالأمير تم اعتقالهم بمن فيهم مدير مكتبه. في الحقيقة لا يمكــن الإجابة على هذا الســؤال. ربمــا أن الأمير في قصره وتحت رعاية الملك تعني أن التعامل معه سيكون من خلال الملك شــخصيا، وأن كل قنوات الاتصال المباشرة الأخرى التي كانت قائمة بين الأمير وشــعبه قد قطعت. وهنا لا فــرق كبير بين أن يكون برعاية الملك، أو أن يكون في الإقامة الجبرية.

أما الأمر الآخر الذي يلفت النظر في رســالة الملك فهو، القول إن التحقيق سيســتمر بشفافية، وســيتم التعامل مع النتائج وفق مصلحة الوطن. فهل يعني هذا أن القرار سيكون سياسيا، ولن يتم الإعلان عن الجهات الخارجية التي قيل إنها مشــتركة في الحدث، كي لا يكون هنالــك ضرر بالمصلحة الوطنية؟ غالبا ما تكون الاتهامات المرتبطة بعدم وجــود دليل لها هدف واحد هو، الإساءة إلى الشخصية كي يكون هنالك مبرر لإخراجها من دائرة الضوء. إذن من له مصلحة فــي إخراج الأمير من دائرة الضوء؟ حتى الآن لا يمكن الإشــارة بأصبــع الاتهام إلى جهة محددة في داخل الأردن، أو من الخــارج من الرعاة الإقليميين والدوليين، بأنهم وراء ذلك بسبب عدم وجود دليل، لكن النظر إلى السلوك السياسي اليومي للأمير يعطي انطباعا بأنه خلق حالة من القلــق لدى أطراف كثيرة، فالرجل له شــعبية كبيرة في الشــارع اتضحت بشكل كبير في الحادث الأخير. موقفه من القضية الفلسطينية يتناغم مع الرأي العام الشعبي في الأردن

وفــي الوطن العربي.. رفضه التطبيــع ووصفه ذلك بالخيانة، يجعله في قلب القضيــة المركزية. علاقته المتميزة بالعشــائر الذين هم أســاس الملك في الأردن، يمثــل ارتباطا عضويا بين الشــعب والعائلة المالكة، كذلك تبنيه هموم الشارع، خاصة في دعواته المتكررة لمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الســؤال اليوم على لســان الجميع في الأردن هو، هل حقا كانت هناك مؤامرة أو انقلاب أو فتنة، أم هي مجرد خلافات على الصلاحيات، بسبب أن الأمير كان يتجول بين العشائر، ويبدي امتعاضه من سياســات إدارة الحكم أكثــر من مرة؟ وهل ترقى هذه إلى مســتوى تصريح وزير الخارجية الذي يقول فيه، إن الأمير كان يحاول أن يكون بديــا للملك؟ يقينا أن الوزير بهذا التصريح لا يعبر عن قناعته الشــخصية، فهــل كان يعبر عن قناعــة الملك؟ وإذا كانت هذه هي حقيقــة الفتنة فمعنى ذلك أن الملك قد وصل له أن الاميــر يريد أن يكون بديلا عنه، خاصة أن البعض ذهــب للقول إن الأردن لم يعتد أن يقوم الأمراء بانتقاد سياســات الدولة علنا، وإن مصدر النقد يجب أن يكون حصرا بالملك، لأن الأردن دولة ملكية. فــي حين يرى البعض الآخر أن حريــة الرأي والتعبيــر ينبغي أن تكون محمية دســتوريا من جانــب العائلة المالكة أكثر مــن غيرها. يقينــا أن هناك جهات كثيرة مســتفيدة من الأزمة الأخيرة، لكن الشعب الاردني يريد أن يعرف الحقيقة، وهل حقا أن أحد أفراد العائلة المالكة متورط بهذا الموضوع؟ أم لا؟ لأن التهمة هي تهمة خيانة وهذه مســألة مهمــة يجب أن يقف النــاس على حقيقتها، فلــم يعد الموضوع عائليا بعد خروجه إلى العلن مغلفا برواية رســمية غير مقنعة تماما، تتحدث عن تآمر ومس بالأمن الداخلي وتدخل خارجي. في حين أشار الأمير صراحة إلى عدم وجود مؤامرات من خلف الكواليس، وهي على حد وصفه مجرد أكاذيب من أجل التغطية على التراجع الذي يراه الجميع في الوطن.

أزمة غير مسبوقة في بلد، بقي عصيا عن الدخول في حالة الاضطراب التي عمّت الهلال الخصيب

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom