Al-Quds Al-Arabi

تغيير وظيفة السلطة للخروج من المأزق الفلسطيني

- *كاتب فلسطيني

الانتخابات الفلسطينية المنتظــر أن تجري، ليســت ســوى محاولــة لتصحيح خطــأ ســابق بخطــأ آخر أكبــر منه، والأحــداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية خــال الأيــام الماضية تؤكد هــذه الحقيقة، إذ ســتؤدي الانتخابات إلى مزيد من الانقسام بدلاً من إنهائه، وبالتالي ســتؤدي إلى تعقيد الأزمة الفلسطينية، بــدلاً من حلحلتهــا، ولذلك وافــق الاحتلال على إجراء الانتخابات تحت حراب دباباته.

خلال الأســابيع القليلة الماضية، شهدت حركة فتح انقســاماً، بل انقســامات، فوق انقساماتها الســابقة، كما أن العلاقة بين فتح وحماس عادت إلى التوتر بعد الطعون التي تم تقديمها بالقوائم، فضلاً عن أن الاحتلال كان وما يزال حاضراً بقوة في هــذه الانتخابات، بالاعتقــا­لات والمضايقات التي ســتضمن أن تنتهي هذه الانتخابات بنتائج مفصلة على المقاس الإسرائيلي.

والســؤال الذي لطالمــا ردده أنصــار العملية الانتخابية ومؤيدوها، ســواء من فتح أو حماس هــو: ما الحل؟ أو ما العمل؟ وهــو ما يعني أن ثمة إجماع وطني فلســطيني عام على أن هناك أزمة، وأن هذه الأزمــة يتوجب الوصــول إلى حل لها، والاعتــرا­ف بهــذه الأزمة ينطوي علــى اعتراف ضمنــي آخر مفــاده، أن الســلطة الفلســطين­ية كانت فخــاً نصبه الإســرائي­ليون وتــورط فيه الفلســطين­يون منــذ تأسيســها في عــام 1994 بموجــب اتفاقــات أوســلو. الحل المثالــي لهذه الأزمــة هو اتخــاذ قرار جــريء بحل الســلطة الفلســطين­ية بشــكل نهائــي وكامل، بمــا يعيد الاشتباك المباشــر مع الاحتلال، وذلك على قاعدة أن الســلطة برمتها كانت مرحلــة انتقالية ضمن مشــروع لبناء الدولة الفلسطينية، وقد فشل هذا المشــروع ولم يعد من الممكن المضــي قدماً في هذا المســار، وذلك بسبب أن إســرائيل قامت بتغيير الواقع الجغرافــي والديمغراف­ي، ولــم تلتزم بما تعهدت بــه من قبل. ذلك هو الحــل المثالي للأزمة الفلســطين­ية الراهنة، لكننا نعتــرف بأنه لم يعد حلاً واقعيــاً ولا ممكناً اليوم بعد أكثر من ربع قرن على قيام السلطة، وبعد أن تحولت إلى جملة من المؤسسات العملاقة، وجيش من الموظفين، ونظام يدير شؤون الفلسطينيي­ن تحت الاحتلال، وهو ما يعنــي في نهاية المطاف، أنــه يتوجب البحث عن خيار آخر بديل يُشكل حلاً وسطاً بين حل السلطة وبقائها بصيغتها الحالية.

ضمــن المعطيات الراهنــة فإن فكــرة «تغيير وظيفة الســلطة» تبدو الأقــرب للواقعية والأكثر إمكانيــة للتطبيق، وهذه الفكرة ليســت جديدة، لكنها لــم تأخذ حقها من النقاش فلســطينياً، فقد سبق أن طرحها المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة، وتوسع في شــرحها، كما طرحها وتبناها لاحقاً رئيس المكتب السياســي الســابق لحركة حماس خالد مشــعل، الذي كان على رأس حركته عندما قررت المشــاركة في انتخابات السلطة عام 2006، ما يعني أنه يحمــل خلاصة تجربة وليس فقط حصيلة تنظير فكري. خيــار «تغيير وظيفة الســلطة» يُمكن أن يكون المخرج الأنســب، إن لم يكن هو المخرج الوحيد، مــن الأزمة الراهنة التي يمر بها الفلســطين­يون، والتــي تتمثل في جمود سياسي شامل على المســتويا­ت كافة مع انقسام فصائلــي وجغرافي مدمر، وهــذه الأزمة لا يمكن التخلص منها عبر الانتخابات، بل إن الانتخابات المقبلة ســوف تزيدها تعقيداً، بسبب أن الانقسام ســوف يتعمق، وســوف تُضاف له خلافات فتح الداخليــة، وظهور تيــار جديد يقــوده القيادي المفصول من فتح محمد دحلان. فكرة تغيير وظيفة الســلطة يجب أن تتــم بالتوافق بــن الفصائل الفلســطين­ية، بما يؤدي إلى تقليص الفوائد التي يجنيها الاحتلال من وجود الســلطة، وفي الوقت نفسه، الإبقاء على الخدمات التي تقدمها للسكان، وبالتوازي مع الســلطة، يتوجــب التوافق على إصلاح منظمــة التحرير، وضــم حركتي حماس والجهاد الإســامي إليها وتفعيــل دورها، ومن ثم إعادة تشــكيل المجلس الوطني الفلســطين­ي، الــذي هو الجهــاز الأعلى في المنظمــة، بما يعني في نهاية المطاف إعادة تشــكيل المشهد السياسي الفلسطيني برمته.

الشعب الفلســطين­ي يحتاج إلى تغيير وظيفة الســلطة، وإعــادة تشــكيل منظمــة التحرير، وتفعيــل دورها كحركــة تحرر وطنــي، ومن ثم إعادة التأكيد على أن الشعب الفلسطيني إنما هو تحت الاحتلال، وعلى إســرائيل أن تتحمل أعباء احتلالها لأرضنا وشــعبنا، أمــا الانتخابات في ظل الوضع الحالي فهي ليست سوى عملية إلهاء عبثية لشــعب يعيش تحت الاحتلال، ولن تؤدي مطلقاً إلى إنهاء الانقسام الداخلي.

نحتاج لتغيير وظيفة السلطة، وإعادة تشكيل منظمة التحرير، وتفعيل دورها كحركة تحرر وطني، وتأكيد أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom