Al-Quds Al-Arabi

مفاعل نطنز: إرهاب إسرائيلي معلن و«انتقام» إيراني غائب

-

■ مؤشــرات كثيرة، ومعطيات عديــدة ترتبط بوقائع ســابقة، إلى جانب تقارير الصحافة الإســرائي­لية، تؤكد جميعها مسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلي عن الهجوم الأخيــر الذي اســتهدف منشــأة نطنز النوويــة الإيرانية وألحق بمعداتها المختلفة أذى ملموسـًـا، أســفر عن تعطّل أقســام أساســية في البرنامج النووي عموماً وفي قطاع تخصيــب اليورانيــ­وم وأجهــزة الطــرد المركــزي بصفة خاصة.

وليس هذا العمــل الإرهابي جديداً على دولة الاحتلال أو هــو ضد إيــران وحدهــا، لأن عمليات مماثلــة اعتمدت طرائــق متنوعة لاســتهداف برامــج طاقة نوويــة لبلدان عربيــة، مثل قصــف مفاعل نــووي عراقي قيد الإنشــاء ســنة 1981، وتدميــر موقع الكبــر قرب مدينــة دير الزور في ســوريا. وعمليــات الاســتخبا­رات الإســرائي­لية ضد

مواقع البرنامج النووي الإيراني تعاقبت منذ العام 2010 وتنوعــت أســاليبها بين الهجمــة الإلكتروني­ــة أو افتعال الحرائــق أو قطــع الكهربــاء وتعطيل الحواســب. كذلك لم تفتقر تلك العمليات إلى التصفية الجســدية المباشــرة لعلماء الطاقة، والتي كان آخرها اغتيال محســن فخري زادة أحــد كبار العقول في البرنامج النووي الإيراني رغم أنه كان يحظى بحراسة مشددة من الحرس الثوري.

وكمــا هــي العــادة عنــد تعــرض المصالــح الإيرانيــ­ة لاعتــداءا­ت إرهابيــة إســرائيلي­ة، ســواء داخل إيــران أو خارجهــا فــي العــراق وســوريا ولبنــان مثــاً، تتوجــه الســلطات الرســمية بأصابع الاتهام إلى دولة الاحتلال، ثــم تطلــق الوعود بأنها ســوف تــرد وتنتقم فــي الزمان والمكان المناســبي­ن، ثمّ تذهب التصريحــا­ت أدراج الرياح. وبصدد الهجوم الأخير على نطنز، وهي للتذكير المنشــأة النوويــة الأكبر والأهمّ في إيران، لوحظ تخبط كبير حتى في مســتوى الإعلان عن الواقعة، إذ بــدأ الأمر من حديث عن عطل كهربائي، ثم إشــارات إلــى حادثة غامضة، قبل أن يعلن وزير الخارجية الإيراني أن الواقعة عمل تخريبي و«الصهاينــة يريــدون الانتقــام مــن الشــعب الإيرانــي للنجاحات التي حققها في مسار رفع الحظر الظالم».

وليس مــن الواضح طبيعــة النجاحات التــي حققتها أو تحققها إيــران خلال جولات التفاوض التي شــهدتها فيينا حــول طرائق عــودة الولايات المتحدة إلــى الالتزام بالاتفــاق النــووي لســنة 2015 مــع مجموعــة الـــ5 + 1 وانســحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالنظر إلى أن هذه الجولات لم تســفر عن نتائج ملموسة حتى الســاعة. وأما تلميــح بعض المســؤولي­ن الإيرانيين إلــى «انتصارات» جديدة في اســتخدام أجهــزة متطورة

للطرد المركــزي تكفل تخصيب اليورانيوم بنســبة 20،٪ فإن عملية الاســتخبا­رات الإســرائي­لية الأخيرة في نطنز أعادت البرنامج ســنتين إلــى الوراء كما يســاجل بعض الأخصائيين.

صحيح في المقابل أن الاســتهدا­ف الإسرائيلي المتكرر لمنشــأة نطنز لن يعيق إيران عن تشــغيل مفاعلات أخرى مثــل فــوردو وبوشــهر وأراك وأصفهــان بوتائــر أعلى وأوســع نطاقــاً، أو اللجــوء إلــى إقامــة منشــآت أخرى ســرية وغير معلنة أمــام الوكالة الدوليــة للطاقة الذرية، ولا تشــملها بالتالــي بنــود اتفــاق 5 + 1 القــديم أو أي اتفــاق جديد. لكن هــذا ليس «الانتقام» الــذي تحدث عنه المسؤولون الإيرانيون، أو هو على الأقل ليس جديراً بقوة إقليمية تتفاخر بأنها تبســط نفوذاً سياســياً وعســكرياً وأمنياً ومذهبياً في أربع دول عربية على الأقل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom