Al-Quds Al-Arabi

باحث إسرائيلي: سلوك المواطنين العرب في انتخابات الكنيست ليس انتصاراً لـ«الأسرلة على الفلسطنة»

- الناصرة ـ «القدس العربي»:

يرى باحث إسرائيلي أن انتخابات الكنيست الأخيرة شكلت انعطافة كبيرة من أكثر من ناحية في الســلوك الانتخابــ­ي لفلســطيني­ي الداخل، محذرا من فشل محاولتهم التأثير على السياسة الإسرائيلي­ة ومن انعكاساتها السياسية والأمنية مستقبلا.

وبرأي الدكتور ميخائيل ميليشطاين الباحث في معهد هرتزليا للسياســات والاســترا­تيجيا فإن انتخابات الكنيســت الـ24 تشكّل انعطافة تاريخية في مسيرة الجمهور العربي الفلسطيني في إسرائيل عموماً، وفي شــبكة العلاقات بينه وبين المؤسســة الحاكمة فيها بصــورة خاصة. معتبرا أن ما جرى ينطوي على تناقض أساسي: مــن جهةٍ انخفــاض كبيــر في معــدل تصويت الناخبــن العرب، ومن جهة ثانيــة ذروة في كل ما له علاقــة بالانخــرا­ط العربي في الســاحة السياسية الإسرائيلي­ة وتأثيرهم فيها.

وبعيونــه فــإن نســبة تصويــت المواطنين العرب )18٪ من مجمل الســكان( في انتخابات الكنيســت الـ24 هي الأدنى منــذ النكبة وقيام إســرائيل وبلغت 45.6٪ فقط هذه المرة. مذكرا بــأن هناك نســبة أقل سُــجلت في ســنة 2001 (18٪( علــى خلفيــة هبــة القــدس والأقصى وانــدلاع الانتفاضة الثانية في تشــرين الأول/ أكتوبر2000، لكن تلك الانتخابات كانت لرئاسة الحكومة فقط.

يشــار في الســياق التاريخي الى أن نســبة تصويــت الفلســطين­يين المتبقــن فــي وطنهم وصاروا مواطنين في دولة إسرائيل غداة النكبة في جولات الانتخابات في فترة الحكم العسكري ( 1948 ـ 1966 ( كانت تتجاوز الـ 90٪ وأحيانا تفوق نســبة مشــاركة اليهود نظرا لرغبتهم في تثبيت البقاء ومنع التهجير. وبذلك قال الشــاعر الراحل ســميح القاسم إن فلســطينيي الداخل شاركوا في أكبر عملية مسرحية في التاريخ.

ويــرى عدد من المؤرخين أمثال البروفيســ­ور مصطفى كبها والدكتور عادل مناع أن مشــاركة

فلسطينيي الداخل بإقبال كبير جاء أيضا بسبب النفوذ الواســع للحــزب الحاكم في إســرائيل )مباي( الذي اســتغل حاجاتهــم اليومية ومن خلال مؤسسات رسمية للضغط عليهم.

ويعتبر ميليشــطاي­ن أن تدنّي نسبة تصويت المواطنــن العرب اليوم نابع مــن مزيج من تعب وملل عام من معركة انتخابية رابعة خلال عامين )ظاهرة برزت لدى اليهــود أيضا( وخيبة الأمل من القائمة المشــتركة التي لــم تنجح على الرغم من قوتها غير المسبوقة في الكنيست )15 مقعداً( في تحقيق إنجازات سياسية، ولم يكن لها تأثير، ولم تحل مشــكلات أساســية يعانيها الجمهور العربي خاصة بعدما تفككت.

ويقول إن إنجاز القائمة العربية الموحدة شكّل التطور المركزي في الانتخابات الأخيرة، ســواء بالنســبة إلى الجمهور العربي أو بالنســبة إلى السياسة الإسرائيلي­ة عموماً.

ويضيــف «حقق الحزب إنجــازات في مجمل المجتمــع العربي، لكــن يبدو أن معاقــل التأييد المركزية للحزب كانت في المجتمع العربي البدوي خاصة في النقب، وكذلك في أحياء المدن المختلطة التــي يوجد فيها ســكان من أصل بــدوي، وفي جنوبــي المثلــث، وخصوصاً في كفرقاســم مهد الحركة الإسلامية في إسرائيل.»

كما يقول إنه بخلاف القائمة المشتركة، ليس للقائمة العربية الموحدة نفوذ وســط» الجمهور المسيحي أو اليهودي في إسرائيل» وذلك بسبب هويتها الدينية ـ الإسلامية.

ويشــير لبقــاء القائمــة المشــتركة القــوة السياســية العربيــة الأكبــر )6 مقاعــد( لكن الموحدة هو الحزب العربي الأكبر في الكنيست)4 مقاعد( لأن القائمة المشــتركة مكونــة من ثلاثة أحزاب، الأكبر فيها الجبهة الديمقراطي­ة للســام والمساواة )الحزب الشيوعي الإسرائيلي( الذي نال ثلاثة مقاعد ضمن القائمة المشــتركة، منوها بلغتــه ومصطلحاتــ­ه الإســرائي­لية أن «معاقل التأييد للقائمة المشــتركة هي بلدات الشمال في المثلث، وعلى رأســها أم الفحم، والمدن المختلطة، ومنطقة الجليل الشــرقي، وخصوصاً الناصرة،

وفي التجمعات السكانية العربية المسيحية، مثل حيفــا والناصرة، حيث نالــت القائمة 60٪ من الأصوات .»

ويلاحظ ميليشــطاي­ن أن التصويت العربي للأحــزاب اليهودية كان أكبر ممــا كان عليه في انتخابات ‪٪17.3( 2020‬ فــي مقابل 12.4 )٪ لكنه لم يشــكل اختراقاً مهماً وبقي مشــابهاً في الواقع لأنماط التصويت الســابقة في الجولات السابقة. ويقول إن الليكود هو القوة السياسية اليهودية التي حظيت بتأييد واسع من الجمهور العربــي4.7٪ مــن مجموع أصــوات المواطنين العرب ـ لكن هــذه الأصوات توازي نصف مقعد فقــط. اما حزب ميرتس اليســاري الذي رشــح مرشحين اثنين )غيداء ريناوي زعبي وعيساوي فريج( من العرب في أماكــن حقيقية في قائمتها حصلت علــى 3.3٪ فقط من أصــوات المجتمع العربــي، بينما حصل ســائر أحزاب الوســط واليسار واليمين على نسبة تأييد ضئيلة للغاية في المجتمع العربي.

ومن خلال تحليله للنتائج تظهر عدة توجهات أساسية: الانتخابات الأخيرة هي ثورة سياسية تكشــف تحولات اجتماعيــة وثقافيــة عميقة، التعبيــر المركزي، لذلك صعــود القائمة العربية الموحــدة الحــزب الذي رفــع لواء الاســتعدا­د لاندماج عميق في اللعبة السياسية الإسرائيلي­ة والتأثير في اتخاذ القــرارات في الدولة. ويقول إن هذا الهدف يعكس الرغبــة إلى الاندماج لدى العديد من أبناء الجمهور العربي المهتمين بإعطاء الأولوية لمعالجة مشــكلات مدنيــة يومية ملحة على معالجة مسائل سياسية أيديولوجية.

ويتابع «هــذا ليس انتصاراً «للأســرلة على الفلسطنة» وسط الجمهور العربي في إسرائيل، لأن المقصــود ليس لعبــة حصيلتهــا صفر بين مكوّنيْن للهوية، بــل «تأطير» جديد لهما بصورة تسمح للمواطن الإســرائي­لي بالاندماج بسهولة أكبر في المجتمع وفي السياســة في إسرائيل من دون طمس هويتــه، وأيضاً مــن دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء حالة اغتراب إزاء الحكم والمجتمع اليهوديين.

ويقول ميليشــطاي­ن متوافقا مع باحثين عرب أيضا إن التأييد للقائمة العربية الموحدة انطوى على مزيج من التماهي مــع الصورة الاجتماعية الثقافية للحزب )المحافــظ الديني( ومع التأييد للتوجه السياسي الثوري التي بشّر به الحزب. ويضيف «يمكن وصــف القائمة العربية الموحدة كهيئة تدفع قدماً بثورة محافظة تشــكل منعطفاً في النظرة السياسية، مصحوبة بنظرة محافظة إلــى مســائل اجتماعية، وخصوصاً بشــأن كل ما لــه علاقة بموضــوع المثلية الجنســية الذي تحول إلى خلاف كبيــر في المجتمع العربي وكان أحد الأســباب المركزية لخــروج القائمة العربية الموحدة من القائمة المشتركة.»

بيضة القبان

وعلى الصعيد السياسي تمثل القائمة العربية الموحــدة برأيه تغييــراً عميقاً مقارنة بســلوك الجمهور العربي في الماضي: لقد أوضحت القائمة هذه أنها ليســت في جيب أي معســكر سياسي بصــورة تلقائيــة، وأن تأييدهــا لهــذا الطرف السياســي أو ذاك، يُحدَّد فقط في ضوء أي خيار سيســاعد أكثر في الدفع قدماً بمصالح الجمهور العربي.

وفي رأي ميليشــطاي­ن يعبّر هــذا الخط عن اختفــاء الحدود العامة في إســرائيل بين اليمين واليســار أيضاً في المجتمع العربــي، على الرغم مــن أن القائمــة العربيــة الموحــدة تطمح إلى كسر «سياســات الهوية» التقليدية التي ربطت الجمهــور العربــي بمعســكر معــن، وأضرت بقدرتــه على المفاوضــة والمنــاور­ة، لذلك حقق منصور عبــاس رئيس القائمــة المتحدة الهدف الاســترات­يجي الذي ســعت له قائمته، أن يكون بيضة قبان بين اليمين واليسار.

ويــرى أن الضربة القاســية التــي تكبدتها القائمة المشــتركة في الانتخابات الأخيرة تبشر ربما بنهاية «السياســة العربيــة القديمة» التي تؤيــد الوقوف موقف المتفرج بــدلاً من الاندماج الكامل في اللعبة السياسية )شركاء في ائتلافات وحكومــات( ونهاية وضع مســائل سياســية وأيديولوجي­ة فــي مكان أعلى مــن موضوعات مدنيــة، بصــورة تصعّب الاندماج الواســع في العمــل السياســي وفتح حــوار مــع الجمهور اليهودي.

الاحزاب الصهيونية

ويســتنتج فــي خلاصاته أنه لــم تحدث في الانتخابات الأخيــرة كما أســلف، انعطافة في كل مــا يتعلق بتأييد المواطنــن العرب للأحزاب اليهودية، على الرغم من مســاعي هذه الأخيرة من أجل تجنيد أصوات وســط الجمهور العربي وفتح حوار مع المواطنين العرب.

ويتابع « فهم معظم الزعماء اليهود التطورات التي تجري فــي الجمهور العربي وعلى رأســها السعي لحل المشكلات المدنية وتعميق الانخراط في الدولــة، لكنهم لــم يتغيروا بمــا يتلاءم مع ذلك، هذه الفجوة تجلت من خلال عدم ترشــيح زعماء عرب في أماكن حقيقية في قوائم الأحزاب اليهوديــة». ويخلــص ميليشــطاي­ن للقول إنه في نظر الجمهــور العربي، تشــكل الانتخابات في ســنة2021 اختباراً مهماً ومصيرياً بالنســبة إلى اســتعداد الجمهور اليهودي لقبول الصوت العربــي، وإمــكان تطويــر شــراكة مثمرة بين الجمهورين. ويقــول إن إقصاء الصوت العربي هــذه المرة أيضاً، أو فشــل الاتصالات لتشــكيل ائتلاف والذهــاب إلى انتخابات أُخرى، يمكن أن تكون له تداعيات ســلبية على المجتمع العربي. ويضيف محذرا» مثل هذا الســيناري­و ســيعمق عزلــة المواطنين العــرب عن الدولة، وســيفاقم الشــعور بالإحبــاط واليأس لديهــم. على هذه الخلفيــة قد تــزداد وتتطــور الاحتــكاك­ات بين الجمهور العربي والسلطة، مع جو توتر موجود منذ البداية في الشارع العربي، في ضوء ارتفاع معدلات الجريمة والعنف والإحباط العميق لدى الجيل الشــاب، وعلى خلفية التوتر العميق في داخله بين التقليديين والمعاصرين.»

 ??  ?? مجموعة من قيادات الداخل الفلسطيني تتضامن مع الشعب
مجموعة من قيادات الداخل الفلسطيني تتضامن مع الشعب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom