Al-Quds Al-Arabi

لماذا وصفت كلوديا مرشليان بيان نقابة الفنانين في لبنان بـ « العار »

- *

في سنة 1862 أي منذ أكثر من قرن ونصف القرن، كتب فيكتور هوغو روايتــه الخالدة «البؤســاء». يومها لــم يكن يدرك أن بطلــه جان فالجان سيخرج من روايته في اســتمرار عبر السنوات ليجسد حياة مهينة ظالمة فُرضت على البشر.

جان فالجان، تلك الشــخصية البائسة، التي عانت كثيراً من الحرمان والجوع والتشــرد، ثم الســجن. وكل ذلك بسبب ســرقة رغيف خبز سد به رمق عائلته الفقيرة، وبسبب هروبه المتواصل تمددت سنوات السجن الخمس لتصبح عشرة.

وبعد خروجه من السجن وجد نفسه منبوذاً من الناس، عاملوه أسوأ معاملة وأصبح الجميع يحذر منه، بعد أن أســندت إليه ورقة صفراء بدلاً من هويته. جان فالجان ظهر اليوم في شوارع بيروت! لقد رصدته كاميرا «أم تي في» اللبنانية جالساً في زاوية معتمة. يضع ذراعيه داخل قميصه ليحتمي من البرد ويســند رأسه بحذائه، الذي أكل التعب معظم أجزائه ولم يبق منه غير صفة الحذاء فقط.

تحدث مراســل القناة معه طويــاً لمعرفة قصته كاملــة. وتداول رواد الـ»سوشيال ميديا» تلك القصة لما تحمل من ألم إنسانيّ عميق. إنه حسين أو جان فلجان اللبناني. كان عمره خمس ســنوات حين وجدوه في صيدا. لم يكن يعرف اسم والده أو والدته. كان فارغ الذاكرة يقف بمفرده على الطريق. وحين مرت ســيارة درك ركض الطفل الصغير ووقف بوجهها. ترجل عناصر الدرك مــن الســيارة ليجدوه بمفــرده. أخذوه معهــم إلى المركــز. وهناك قررت مندوبة الأحداث أن تنقله إلى ميتم «بيت الرجاء.» ميتم يهتم بكل طفل أوجعته الحياة وسلبته أهله. فرح الطفل الصغير. شــعر أنه ســيكون تحت ســقف آمن وغطاء يقيه برد الشتاء وقسوة المطر.

هنــاك بــدأ يتعلم وكانــت تتابع حالته معالجة نفســية تأتــي لزيارته يومياً. عاش في الميتم إلى أن أصبح عمره 16سنة.

بعدهــا قرر الهروب منه عله يبدأ حياة جديدة فيها شــيء من الحرية. لــم يكن يعرف ماذا ينتظره في الخارج. عاد إلى الطريق حيث كانت بداية حياته. لم يجد عملاً يعيش منه ولا فرصة واحدة يشق منها مستقبلاً. كان ينظــر إلى الشــرفات يراقبها من بعيد وحين يــرى ملابس نظيفة معلقة على الحبال. يركض بســرعة وينتشلها. ثم يذهب إلى النبع ويملأ بعــض الجالونات بالمــاء. ويبحث عن زاوية فــي زاروب بعيد عن الأنظار مغلق. هناك يســتحم ويرتدي الثيــاب النظيفة، التــي التقطها من الحبل ويرمي بثيابه المتسخة.

في يــوم كان جائعــاً جداً. مــر النهار بشمســه الحارة والليــل ببرده المتعجرف وطلع الفجر، ولم يأكل ولا حتى لقمة خبز يابســة. كان يمشي متكاسلاً مهزوماً من شدة جوعه. وفجأة وجد نفسه أمام فرن. طلب من صاحب الفرن رغيــف خبز صغير، لكن الأخير رفــض. وتجاهل وجوده وراح يصف على الطاولة، أمام حسين المسكين، أرغفته الشهية الطازجة. زاد جوع الشــاب وزادت هزيمته. رأى الأرغفة تناديه. ترقص له. تخيلها ساخنة على صحن أمامه مع بعض البيض واللبنة والنعناع والزيتون.

انتظر جان فالجان اللبناني انشــغال صاحب الفرن. ومد يده وسحب بســرعة ربطــة خبز وطار بهــا بعيــداً. رآه عامل في البلديــة فقبض عليه وســأله إن دفع ثمن الربطة. حاول الشــاب اقناع العامل بأنه اشــتراها، ولكن العامل أخذه إلى صاحب الفرن ليكتشف أن الشاب سرق الربطة.

ضربه على وجهه ثم ســاقه كالماشــية إلى مركز الشــرطة. حكم على الشاب المسكين بالسجن سنة ونصف السنة بسبب ربطة خبز.

شــاب يمضــي ســنة ونصف الســنة من عمره بــن قضبــان حديدية لأنه جائــع. وطبقة حاكمة نهبت البلد وأفلســت البنــك المركزي ولم يتم التحقيــق مع شــخص واحد من رزمة الســراقين المحترفــن الذين دمروا لبنان وهدوا اقتصاده.

هم فقط يحذروننا من زيادة عدد اللصوص بســبب الوضع المعيشــي السيىء، ولكن لا يجدون لنا الحلول. وإن أحرجناهم يكون الرد «ما خلونا !» هكــذا حذر النائــب عاصم عراجي، عضــو كتلة المســتقبل في جريدة «الأنباء» الالكتروني­ة من أن اســتفحال الأزمة الاقتصادية ســيؤدي إلى تشكيل عصابات سرقة وسطو على ممتلكات الناس. «فالجوع كافر وقد يدفع بصاحبه إلى اقتراف الموبقات لتأمين لقمة العيش لأولاده» وقد أكد على انتشار هذه الظاهرة في عدة مناطق لبنانية.

ويبقى الســؤال من هو المجــرم الحقيقي: هل هو من ســرق ربطة خبز ليعيــش، أو من ســرق البلد وجوّع الناس ودفعهم للســرقة وحولهم إلى مجرمين ودمر مستقبلهم؟!

ما مستقبل حسين، بعد خروجه من السجن بتهمة سرقة رغيف خبز؟ من سيوظفه؟

جــان فالجان جديد ينتهي مســتقبله قبل أن يبدأ. كم من جان فالجان في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين؟

مهرج برتبة سياسية!

ومن يأس متنقل إلى كوميديا سوداء من نوع آخر. أفيخاي أدرعي، المتحدث بلســان جيش الإحتلال الإســرائي­لي يؤدي مؤخراً دور داعية ورسول المحبة باحتراف كبير.

هكــذا وفي حمــاس مفتعل وحــركات بهلوانيــة باليدين لا تهــدأ أبداً وضحكة صفراء ممطوطة على الجانبين تكاد تفلت منه بأي لحظة، يوجه رسالة تهنئة إلى العالم الإسلامي بحلول شهر رمضان المبارك.

فرحتــه برمضان تجعلــك تعتقد بأنه رجــل اعتاد على إعانــة الفقراء ومســاعدة المحرومين والمحتاجين. وكأنه بدور المهرج يحاول أن ينسينا التاريخ. تاريخ من الاحتلال الأســود بحق الشــعب الفلســطين­ي الأعزل. وأنه بتلك الكلمات المرتبة المنمقة ســيمحو مــن ذاكرتنا هويته الحقيقية. كممثــل لعدو غاشــم احتل فلســطين وقتــل الأطفال وشــرد الأهالي من بيوتهم.

انتشــر الفيديــو بصــورة فكاهيــة كبيــرة علــى وســائل التواصــل الاجتماعي. وجاءت تعليقات كثيرة ساخرة منها: «لتحميل دعوات الشيخ افخاي ادرعي اضغط الرقم واحد»! و«الشيخ أفخاي أدرعي قدس الله سره»! لكن المحزن هو تفاعل قســم مــن المغفلين العرب بشــكل إيجابي معه. وكأنهــم وقعوا جميعهم في فخ التطبيع. فهو ممثــل بارع، يحدثنا بلغتنا ويتكلم عــن ديننا ويهنئنا بأعيادنــا ويعرف أغانينــا وتقاليدنا وعادتنا حتى يجمع في وكره أكبر عدد من العرب الضالين. كاتبة لبنانيّة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom