Al-Quds Al-Arabi

«فورين بوليسي»: لم يحدث انقلاب في الأردن ... لكن الملك لا يشعر بالأمان

- لندن ـ «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

قالت أنشــال فوهرا في تقرير في مجلة «فورين بوليسي» إن الأحداث الأخيرة تظهر مشاكل في الحكم وسوء الإدارة أكثر من «مؤامرة» انقلابية وإن الملك عبد الله الثاني هو الملام. وتقول إن الشــريف حسين كانت لديه قبل قرن أحلام كبيرة بعائلة هاشــمية عندما كان ملكاً على الحجاز وأميراً على مكة والمدينة.

لكن ومنذ أيام لورنس العرب عندما كان الهاشميون حلفاء البريطانيي­ن الوحيدين في المنطقة وأعلنوا الثــورة العربية ضد الحكم العثماني أثناء الحرب العالمية الأولى، والعائلة في تراجع، وبالخلاف الأخير المستمر بين أحفاد الحســن في الأردن، فقد وصلت العائلة أدنى مستوياتها. وواجهت العائلة الهاشــمية عدداً من التحديات الخارجية والداخلية، وعادة ما تم التخلي عن الإخوة الذين ينتظرون العرش من أجل الأبناء لكن لم يحدث أن نشــرت العائلة غسيلها الوســخ وتحولت إلى مصدر للقيل والقال بين السكان.

أين دليل الحكومة؟

وقالت إن الحكومة لم تقدم وبعد عشــرة أيام مــن إعلانها عن مؤامرة للانقلاب على الملك وزعزعة اســتقرار البلد أي دليل، كما لم تقدم معلومات عن الجهات الخارجية التي قالت إن المعتقلــن كانوا يتعاونون معها ومع أخي الملك الأمير حمزة بن حســن، مما يعني أن الحكاية لا معنى لها. وكل ما شــاهدناه هو عبارة عن قصة قديمة في العالم: معركة على الخلافة بين أخويــن، فقد وضع الملك عبــد الله الثاني أخاه ولي العهد الســابق تحت الإقامة الجبرية إلى جانب 18 شــخصاً مــن المتآمرين المزعومين. وبدلًا من الكشــف عن أمير قاد عصياناً أظهرت كل الحادثة ملكاً يميل بشكل متزايد للاستبداد ويشعر بعدم الأمان.

وتضيف أن العشائر الأردنية بايعت الهاشــميي­ن، لنسبهم الديني إلى عائلة النبي محمد الذي يتحدر من بني هاشم. ويعتبر دعمها مهماً للعائلة الحاكمة، لكنها تشعر وبشكل متزايد بالتهميش وعدم الرضى. ورغم الدعم الرســمي الأمريكي للملك إلا أن الإدارة أجبرت على ملاحظة القمع المتزايد في ظل قيادة الملك عبد الله. وتقول إن الملك قدم نفســه للغرب كزعيم مؤيد للديمقراطي­ة، لكنه عزز قبضته في القصر وكمم الإعلام واعتقل المتظاهرين وتردد في الإصلاح بما في ذلك تفويض جزء من سلطاته إلى المشرعين في البرلمان.

وأصبح الهاشــميو­ن الذين كان ينظــر إليهم كعائلــة حديثة وغربية النظرة مثل أي عائلة تحكم دولة مســتبدة. وحسب منظمة «مراسلون بلا حــدود» فمرتبة الأردن في حرية الصحافة تأتي في المركز 128 من بين 180 دولة وبعد أفغانستان.

وخفضت مؤسسة «فريدوم هاوس» في العام الماضي وضع الأردن من «حر بشــكل جزئي» إلى بلد «ليس حرًا». ويظــل أردن الملك عبد الله ليس ســوريا أو حتى الســعودية لكن من يخاطر فيه بالتعبير عن رأيه سيجد المخابــرا­ت تطرق باب بيته. ولا أحــد يعتقد أن الملك عبــد الله عازم على إصلاحات سياسية، ولم تنتج إصلاحاته الاقتصادية إلا مزيدًا من اتهامات الفساد وليس نتائج إيجابية. وفتح الملك الباب أمام إجراءات التقشف من أجل الحصول على القروض الدولية ومضى في عمليات الخصخصة التي رحب بها المراقبون الدوليون، لكن هذه الإجراءات جاءت على حساب دعم العشائر.

وقال طارق التل، أســتاذ العلوم السياســية في الجامعة الأمريكية في بيروت والخبير في الشــؤون الأردنية، إن العشائر الأردنية كانت ناقدة للإصلاحات الاقتصاديـ­ـة النيوليبرا­لية التي علّمت حكــم الملك. وقال إن «شبكة العشائر الشرق أردنية في تراجع منذ بداية عمليات الخصخصة» و»لم يحصل أبناؤها على الوظائف والمنافع نفســها». ومع تراجع حصتها مــن كعكة الدولة في الوظائف والمنافع وزيادة ســخطها رأى الأمير حمزة فرصة للتقرب من هذه القاعدة التقليدية. وبدأ بالتواصل مع قادة العشائر وظهر في حفلات الزفاف والجنازات.

ولا يعرف الكثير عن أيديولوجية الأمير السياســية والاقتصادي­ة وإن كانت تختلــف عن مدخل الملك عبد الله للحكــم. فقد عبر حمزة عن صوت الجماهير لكنه لــم يقدم بعد أي حلول حول كيفية إنقاذ البلد الذي تنقصه المصادر وتدفق عليه اللاجئون.

ولعل رصيد حمــزة الأهم هو ملامح الشــبهة بينه وبــن والده الملك الراحل، من ناحية الصوت والصورة، وزادت شــعبيته بعد اعتقاله. وهو طمــوح وقيل إنه كان المفضل لوالده الراحل لكــن تعيينه كخلف له واجه مشــاكل دســتورية لكونه صغيراً وغير مجرب. وعينه بدلاً من ذلك ولياً للعهد والذي احتفــظ به حتى 2004 عندما قرر الملك عبــد الله تعيين ابنه حســن بن عبد الله بدلاً منه. وربما جرحه هذا العمل إلا أنه لا يكفي لدفعه على التآمر على أخيه.

لا أحد يصدق بوجود انقلاب

وحســب التل فلا أحد صــدق أن هنــاك انقلابًا تم التحضيــر له لأن «المعلومات المقبلة من القصر متناقضة جداً». وأضاف أن «الأحداث الأخيرة يبدو أنهــا مرتبطة بالخلافة والتي تعود إلى وقــت إعفاء حمزة من ولاية العهد، ويبدو أن الملك كان يريد إنهاءه.»

ويقول عدنان هياجنة، أســتاذ العلاقات الدولية بالجامعة الهاشــمية إن مزاعم القصر جعلته مندهشاً «من منظور علم السياسة لا أستطيع فهم كيفيــة تدخل الجهات الخارجية» و»التلميح بتدخل إســرائيل لا معنى له لأنها على علاقة جيدة مع الأردن. ولماذا يريدون زعزعة اســتقرار الأردن؟ وحتى لو كان الســعوديو­ن والإماراتي­ون الذين همشوا الأردن في الفترة الأخيرة، ولكنهم لا يريدون زعزعة استقرار الأردن.»

وكان مــن بين المعتقلين باســم عــوض الله، رجل الأعمال والمســؤول الســابق المرتبط بالســعودي­ة، إلا أن الخبراء يقولــون إن هذه العلاقات ليست مرتبطة بالأمير. وترى بســمة مومني، الأستاذة في جامعة واترلو في أونتاريو أن اعتقال عوض الله كان تكتيكا لأن «العشــائر تكره عوض الله وتراه مرادفا للفســاد والنخبوية» و»لكنه لم يكــن مرتبطا بالأمير، واعتقال عوض الله كان لحرف النظر.»

وتقول فوهرا إن تلميح القصر بأن إســرائيل والســعودي­ة تريدان أن يصبــح الأردن وطناً بديلاً للفلســطين­يين في الضفــة الغربية وكجزء من صفقة واسعة تســتبدل وصاية الهاشميين على القدس بوصاية سعودية، ولأن الملك عبد الله لا يريد أن يمشــي فــي خططهم، ولهذا أرادوا من حمزة القيــام بانقلاب عبر انتفاضة شــعبية. ويرفض المراقبــو­ن هذا التحليل

ويرونه نوعــاً من التكهنات. ويعلــق توبياس بــورك، الزميل في المعهد الملكي للدراســات المتحدة في لندن «تم تعويم الفكرة هذه على مدى نصف القرن الماضي أو أكثر ولم تؤخذ بجدية وبالتأكيد من الحكومات العربية.» و»عادة ما يتم الحديث عن تعامل السعودية أو الإمارات على أنهما الخيار السياسي المجدي، ولكنني لا أعتقد بهذا ولم أسمع أبداً أي سياسي سعودي أو إماراتي يتعامل مع الفكرة بجدية.»

الشعور بعدم الأمان

وفي قلب شــعور الملك بعدم الأمن هــي حركة الاحتجــاج التي يطلق عليها بالحراك الأردني. ففــي 2011 الذي غمرت فيه ثورات الربيع العربي المنطقة، خرج الإســاميو­ن من جماعة الإخوان المسلمين وأبناء العشائر إلى الشــوارع للاحتجاج. ويرى التل أن أســاس الحــراك «بدأ عام 2010 عندما أصدر المتقاعدون من الجيش بياناً لم يتحدثوا فيه بشكل واضح عن استبدال الملك بحمزة لكن خيارهم كان واضحًا». وتسيطر على مؤسسات الجيش والأمن عناصر من أبناء العشائر.

ورغم تعيين الملك هــذه القيادات إلا أن خوفه الدائــم يبقى من انقلاب أحدهم عليــه لصالح حمزة. ولكن محللين آخريــن يرون في الحديث عن مخــاوف الملك أمراً مبالغــاً فيه «فرغم وجود خطوط صــدع أيديولوجية وإثنية عديدة في السياســة الأردنية، من دعاة الإصلاح وتظاهرات دعاة الديمقراطي­ة -من يســار ووطنيين وإســاميين وحــركات غير حزبية - وتظاهرت واحتجاجات ضد الفساد وطالبت بالإصلاح كل جمعة منذ أكثر مــن عام» كما يقول كيرتيــس رايان من جامعة ولاية أبالا تشــيان «إلا أن هذا لا يعني ثورة قادمة أو حربــاً أهلية. وبالتأكيد لا يزال معظم الأردنيين يدعمون الملكية ويريدون منها قيادة الإصلاح.»

وتختــم بالقول إن الملــك يبدو عدواً لنفســه وليس حمــزة أو أي من المعارضين المعروفين. والتاريخ حافل بالملوك الذين يشعرون بعدم الأمان ويدمرون أنفسهم. وبدلاً من الاعتقالات أو الحديث عن نظريات غير مؤكدة فمن الأفضل لو ركز الملك على إصلاح سياسي وفوّض السلطة إلى البرلمان، فقيادة دراجة «هارلي» النارية لا تجعلك ملكاً حديثاً ولكن مؤسســة ملكية دستورية، يلعب فيها الملك رمزاً للدولة وليس أكثر من هذا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom