Al-Quds Al-Arabi

انتقادات إسرائيلية لإدارة «الملف الإيراني»: نتنياهو يخلط الحابل الأمني بالنابل الشخصي

التلويح المفرط مجددا بالفزاعة الإيرانية

-

فيما تبــدو محاولــة لتخفيف حــدة التوتر مع إيــران، قــال مصــدر أمنــي إســرائيلي لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن إســرائيل لا تخطط للرد على مهاجمة سفينة إسرائيلية مقابل سواحل الإمارات. وبالتزامن تواصل عدة أوســاط توجيه انتقاداتهـ­ـا لسياســات وإدارة نتنياهــو للملــف الإيراني.

ونقلت «نيويــورك تايمز» عن المصــدر المذكور قوله إن اســتهداف ســفينة «هيبريون» تم على ما يبدو بأيد إيرانية، لافتا إلى أن إسرائيل لن ترد على العملية. وقال إنها تسعى لخفض منسوب التوتر مع طهران بعد سلســلة تبادل ضربات أخطرها تفجير داخل منشأة نطنز النووية.

يشار الى أن إســرائيل استهدفت عددا كبيرا من الســفن الإيرانية بحجة منع تهريب ســاح لحزب الله ودعمه ونقل نفط لســوريا وذلــك منذ 2019، وفق ما أكدته مصادر غربية وتلميحات إسرائيلية.

وشرعت إيران في المدة الأخيرة بعمليات ثأرية ضد ســفن إســرائيلي­ة، خاصة بعد توقيــع اتفاق التطبيع مع الإمــارات والبحريــن المجاورتين لها، وقال وزير خارجيتها أول من أمس إن بلاده ستنتقم لتفجير نطنــز الذي جــاء للمســاس بمفاوضات العــودة للاتفاق النووي مع إيــران، وفق ما أكدته أمس بعض الدول العظمى أيضا.

وتضمنــت تحليــات المراقبين الإســرائي­ليين انتقادات لرئيس حكومة الاحتلال من ناحية إدارته الملف النــووي الإيراني. وبلغت هــذه الانتقادات أوجها بقول رئيس حكومة الاحتلال السابق ايهود اولمــرت ان نتنياهو يخلط الحابــل الأمني بالنابل السياســي الحزبي، ومســتعد لبيع أمن إسرائيل مقابل أمنه الشخصي.

وقال المحلل العســكري فــي صحيفة «هآرتس» عامــوس هارئيل إنه في الوقت الــذي تواصل فيه إيران خرق الاتفاق النووي فــي موازاة المحادثات مع الــدول العظمى، يبــدو أن التصعيد بينها وبين إسرائيل ارتفع درجة، معتبرا أن المسألة الأساسية هي هل الولايات المتحدة عرفت مســبقا عن العملية الإسرائيلي­ة المزعومة في عرض البحر مقابل القرن الأفريقي. وقال هارئيل إن المعركة الســرية الدائرة بين إســرائيل وإيران لم تعد ســرية، لافتا الى أنه واستنادا الى منشــورات من السابق يمكن التقدير بــأن التفجير في نطنــز ناجم عن هجوم ســايبر إســرائيلي، مســتذكرا انفجارا في ســفينة قيادة لحرس الثــورة الإيراني في البحــر الأحمر، الذي اتهمت إســرائيل فيه أيضا، موضحــا أن الانفجار

نفســه في السفينة كان الانفجار الأخير من سلسلة هجمات بحريــة ضد إيران، التــي اختارت طهران الــرد عليها بهجمات على ســفن تجاريــة تمتلكها شركات إسرائيلية خلال أقل من شهرين.

وينــوه أن التصعيــد الــذي لم يعــد تدريجيا تماما ويحدث في الخلفية مع اســتئناف المحادثات النوويــة بين إيــران والدول العظمــى التي هدفها النهائي هــو العودة الى الاتفــاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 2015، وهو الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي الســابق دونالد ترامب قبل ثلاث ســنوات. وبعد قيام وزير الدفــاع الأمريكي الجديد لويد أوستن بزيارة عمل أولى يتوقع زيارة لرئيس الأركان ورئيس الموساد لواشنطن في نهاية الشــهر الحالي حيث ســيكون الموضوع الأول على الأجندة هو المفاوضات النووية.

ساعة سياسية حساسة

وفي معــرض انتقاداتــ­ه لسياســات نتنياهو وتعامله مــع الإدارة الأمريكيــ­ة الجديدة بضربات استباقية يتســاءل هارئيل أيضا على غرار مراقبين محليين آخرين، هــل الى جانب الرســائل لبايدن وروحانــي والزعيــم الروحي الأعلى فــي إيران، علي خامنئي، يرسل نتنياهو أيضا رسالة للساحة السياسية الداخلية في إسرائيل؟

على ذلك يجيب «على الأقل في المسألة الإيرانية لا يوجــد خلاف معــروف بين نتنياهو وشــريكه ـ خصمه، وزيــر الدفاع بني غانتــس. غانتس يتبع بشــكل علني نفس الخط المتشــدد الــذي يطرحه نتنياهو بخصــوص إيران».ويؤكد أنه حتى الآن، الهجمات المنســوبة لإســرائيل تحدث في ســاعة سياســية حساســة. ويضيف «هنــا يوجد خليط غير صحــي لاعتبــارا­ت أمنية وسياســية. الأمور تجــري حيث طوال الوقت من غيــر الواضح درجة إصغاء رئيــس الحكومة للمســائل الامنية الملحة، في الوقــت الذي فيه تقلقه التطــورات الكثيرة في محاكمته». كما يحذر من أن وسائل الرقابة الأخرى على نشــاطات جهاز الأمن توجد في حالة سبات، فالحكومة الأمنية ـ السياســية المصغــرة تقريبا لا تلتئم، وفعليا هي لا تعمل منذ بضعة أشــهر، ولجنة الخارجيــة والأمن لم تبــدأ بعد بالعمــل بعد أداء الكنيســت الجديدة لليمين ووسائل الإعلام، بشكل واضح، تنشــغل في متابعة الفراشــات السياسية ونظريات المؤامرة المزيفة.

وينضــم تســيمت راز وهــو باحث فــي معهد دراســات الأمن القومــي للانتقــاد­ات، معتبرا ان بــدء المحادثات فــي فيينا بــن دبلوماســي­ين من إيــران ومن الدول العظمى يشــكل مرحلة مهمة في محاولة إعادة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق النــووي. موضحا أن مَن بقي لديــه أمل بأن إدارة بايدن تنوي اســتخدام العقوبــات كورقة مقايضة في محاولتهــا أن تفرض على إيــران الموافقة على تحســن الاتفاق اتضــح له الآن من دون أي شــك أنها مصرة على العودة إلى الاتفاق الموقّع في ســنة 2015. فقــط بعدها ســتحاول هــذه الإدارة الدفع قدماً بمفاوضــات مع طهران بشــأن تمديد الاتفاق وتطويره. وينتقد راز الســلوك الإســرائي­لي الذي يحاول وضع واشــنطن تحت الامــر الواقع علاوة على كثرة الثرثرة والتســريب­ات الإسرائيلي­ة حول عمليات معادية لإيران.

ويقول انه منذ البداية لم تكن لجهود إســرائيل للتأثير في سياســة الإدارة الأمريكية حيال إيران حظوظ كبيرة منذ اللحظــة التي توصلت فيها هذه الإدارة إلى خلاصة مفادها أن الســبيل الوحيد لمنع استمرار التصعيد إزاء إيران هو العودة إلى الاتفاق النووي. ويتابع «حتى لو كان لدى إسرائيل فرصة للتأثيــر في خطوات واشــنطن يبدو أن اســتمرار العمليات الإســرائي­لية التي تتعــارض مع موقف الولايات المتحدة يمكن أن يعرّضها أيضاً للخطر.»

كذلــك يحــذر المحلــل السياســي والقنصــل الإسرائيلي الأســبق في بوسطن ألون بينكاس من أن سير إسرائيل في مســار تصعيدي حيال إيران سيؤدي إلى مواجهة حتمية مع الولايات المتحدة.

ويقول في مقال نشــرته صحيفــة «يديعووت أحرونوت» إنه ترســخت حكمة ســائدة بشــأن التصعيــد المقصود ضد إيــران، هــي أن نتنياهو يتحرك بدافعين: دافع سياسي ـ لخلق جو طوارىء أمنية من أجل تحســن المناخ السياســي الإشكالي الذي يغرق فيــه ومحاولته تأليــف حكومة، دافع خارجي - عرقلة وإحباط المفاوضات غير المباشرة الدائــرة في فيينا بــن الولايات المتحــدة وإيران بشــأن العودة المتبادلة إلى مخطط وإطار الاتفاق النووي، وبهذه الطريقة سيساعده افتعال مواجهة مع إدارة جو بايدن في الســاحة السياسية، حسب هذه النظرية. منوها أنه حتى لو كانت هناك مبالغة في تشــخيص الدافعين، فإن احتكاكاً لا مفر منه مع الولايات المتحــدة هو أمر مؤكــد تقريباً. ويضيف «كانــت إيــران على الــدوام الموضوع الأساســي والتأسيسي بالنســبة إلى نتنياهو، وبعد أن تبدد ســحر «أنا وحدي جلبــت اللقاحات» وعشــرات الأحاديــث الودية مع اليهودي ألبــرت بورلا المدير العام لشــركة فايــزر، من الطبيعي فــي محنته أن يتوجه نتنياهو مجدداً نحو إيــران. لديه مصلحة جوهرية فــي المحافظة على مســتوى مــن العداء والتوتر إزاء إيران، ســواء لأنه يؤمن بذلك أو لأن ذلك يخدمه .»

ونستون تشرتشل الإسرائيلي

ويرى بينكاس أنه بالنســبة إلى نتنياهو السنة هي دائماً ســنة 1938، وإيران هــي ألمانيا النازية، وهو نســخة جديدة عن ونســتون تشرشــل : في مقابــل هذا الخــط لم تظهــر تقريبــاً معارضة في إسرائيل باستثناء القليل في أجهزة الاستخبارا­ت وفي الجيش على مر الســنين. يعتبر نتنياهو إيران تهديداً وجودياً، وهو يعتبر خطواته لمنع هذا الخطر وإحباطــه تاريخية وأي انتقــاد أو موقف مختلف لسياســته إزاء إيران هو في الأساس نكران وعدم وطنية.

ويمضي فــي انتقاداته المتطابقة مــع انتقادات حــادة وجهها رئيــس حكومة الاحتلال الســابق ايهود أولمــرت قبل يومين: «هذه الحكمة الســائدة تستند إلى فكرة بســيطة: حجم الثرثرة، التباهي بالنفس، الغطرســة مــع الإيحــاءا­ت، وخصوصاً تحمّــل المســؤولي­ة عن عمليــات- ضد الســفينة الإيرانية «ســافيز» في البحر الأحمر، مقابل ساحل أريتريــا، وتفجير منظومــة الكهرباء في منشــأة تخصيــب اليورانيوم في نطنز، وحتى الحديث عن تسريب مسبق لعملية ثالثة - الهدف هو جر إيران إلى الرد .»

ويستذكر أن إسرائيل طالما كانت تتحرك بصمت وبصــورة خفية، ومن دون أي إقــرار أو تطرُّق إلى الموضوع، كان فــي إمكان إيران امتصاص الضربة، وفي إمــكان الولايــات المتحدة التجاهــل. منوها أنه من اللحظــة التي بدأت فيها إســرائيل تتفاخر وتتباهــى بإنجازاتهـ­ـا العملياتيـ­ـة الناجحة، لكن المحدودة في حجمهــا وزمنهــا، وتضخيمها حجم الضرر «سيســتغرق إصلاح الضرر في نطنز تسعة أشــهر » قال «الكهربائيو­ن الإسرائيلي­ون » ستضطر إيران إلى الرد، والتصعيد الإضافي سيخلق واقعاً سياســياً مريحاً أكثر لنتنياهو وأقل راحة للولايات المتحــدة فــي المفاوضات بشــأن تجديــد الاتفاق النووي.

مَن له مصلحة في التصعيد؟

وردا على هذا السؤال يقول بينكاس صراحة إنه إذا جمعنا بين النطاق الواســع وبين أحداث الأيام الأخيرة يبــدو واضحاً أن لإســرائيل مصلحة في التصعيد. معتبرا أن اســتخدام تعبيرات تحليلية جميلة «تصعيد متدرج» أو «سيطرة على التصعيد» مكانها في الدروس النظريــة للعلاقات الدولية أو التاريخ العســكري، ولكن لا وجود تقريباً لمثل هذه السيطرة على أرض الواقع.

وفي معرض نقده للسلوك الإسرائيلي يتساءل بينــكاس هل أجــرت إســرائيل حســاباً للتكلفة والفائدة، وهما في أســاس استراتيجية التصعيد؟ وعلى ذلك يجيــب جازما: «من الصعب معرفة ذلك، لأنه لم يجــرِ نقاش في المجلس الــوزاري المصغر، وليســت هناك جلســات للحكومة، ولا توجد لجنة خارجيــة وأمــن، ولا توجد معارضــة، هناك فقط نتنياهو، ومــن مصلحتــه أن تفشــل المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية.

الخلافات في محادثات فيينا لا تقتصر فقط على مســألتيْ التزامن والتبادلية في عمليات الولايات المتحــدة وإيران، وهــذا أمر يمكن حله بواســطة

صيغ متفق عليها، بــل هي أيضاً تتعلق بموضوعين جوهريين: الأول، مطالبة إيــران بالرفع الفوري ـ مع تطبيق تدريجي ـ لـ «العقوبات غير النووية.»

ويستذكر أن «هناك أكثر من 1200 عقوبة لا علاقة مباشرة لها بالموضوع النووي. والمقصود عقوبات ضد شــركات وخطوط تجارة وحسابات مصارف وعمليات مالية وأفــراد. هذه العقوبــات فرضتها الولايات المتحدة بموجــب قوانين محاربة الإرهاب وضد مَن يحمي الإرهاب، وليس كجزء من منظومة عقوبــات موجهة تحديــداً ضد البرنامــج النووي الإيراني.

أما الموضوع الثاني المختلَــف عليه بين الطرفين في محادثات فيينا فهو المطالبة الأمريكية بتحسين الاتفاق الأصلــي وإضافة أبعاد غيــر نووية إليه، مثل: تطوير إيران صواريخ باليســتية، وتأييدها لتنظيمات إرهابية في ســورية. ويخلص بينكاس للقول «منذ انســحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيــار/ مايو 2018 وحتى كانون الثاني / يناير 2021 تحركت إســرائيل ضمن فراغ سياسي. ترامــب ونتنياهو لم يقدما قــط «اتفاقاً أفضل» كما أقســما ووعدا. اســتراتيج­ية واشــنطن «الضغط الأقصى»على إيران فشــلت، والعقوبات القاســية أثّرت، لكنها لم تؤد إلــى انهيار الاقتصاد الإيراني، وبالتأكيــ­د لم تــؤد إلى انهيار النظــام في طهران. بدأت إيران بخرق الاتفــاق وتخصيب اليورانيوم أكثر بنحو12 مرة من الكميات التي كانت لديها قبل الاتفاق .»

مصلحة نتنياهو

ويوضح أنــه مع ذلك يحــدث التصعيد الحالي بينما تجري الولايات المتحــدة مفاوضات للعودة إلى الاتفــاق النووي، وبرأيه ســواء نجحت بذلك أم لــم تنجــح وبأية شــروط، تدور إســرائيل في حلقة تلامس عن قرب المصالح الأمريكية. ويضيف محــذرا «إذا بقــي نتنياهو رئيســاً للحكومة، فإن الأحداث الأخيرة ســتكون جزءاً من مسار تصادم ومواجهة حتمية ومقصــودة مع إدارة بايدن، وفق كل المؤشرات .»

ويذكــر أنه فــي البيت الأبيــض يجلس رئيس ديمقراطي بعيد كل البعد عــن الإعجاب بنتنياهو. وينهــي بالقــول «حتى تشــرين الثانــي/ نوفمبر 2022 على الأقــل الديمقراطي­ون يســيطرون على مجلســيْ الكونغرس، لذا ليس واضحاً ما هو هدف استراتيجية إسرائيل من هذا التصعيد، إلّا إذا قبلنا الحكمة البســيطة السائدة وهي أن هذا الأمر يخدم نتنياهو وليس بالضرورة إسرائيل .»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom