Al-Quds Al-Arabi

المغرب: فقدان الثقة في الأحزاب يؤدي إلى عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات

- الرباط ـ «القدس العربي» من عبد العزيز بنعبو:

أصبحت مشاركة الشــباب المغربي في الانتخابات رهاناً تخوضه الحكومــة والأحزاب من أجل حث هــذه الفئة على الإدلاء بدلوها في الاســتحقا­قات، حيث إن نســبة مهمة جداً منهم تتراجع إلى الوراء وتعزف عن المشاركة.

ويقف الشــباب المغربي على طرفــي نقيض، بين متحزب يريد أن يجد لنفســه موطئ قــدم في الخارطة السياســية وتحمل المســؤولي­ة، وبــن شــباب لا مُنتمٍ يُطالــب بدوره بحضــوره في مختلف مناحــي الحياة السياســية وإيجاد الحلول لتوفير العيش الذي يحلم به.

وبين هــذا وذاك، لم تقــف الدولة في موقــع المتفرج، بل عملت على تحفيز الشباب من أجل المشاركة الفاعلة والفعالة فــي الاســتحقا­قات الانتخابيـ­ـة، آخرها القوانــن المحددة للانتخابات التي غيّــرت الكثير من ملامح المشــهد، وأهمّها إلغاء لائحة الشــباب التي كان بموجبهــا يجري تخصيص نسبة من المقاعد في مجلس النواب للشباب.

الإلغاء الذي قوبل باســتياء كبير لدى شــباب الأحزاب، قابله ترحيب واسع لدى الشباب غير المتحزب الذي أفاد بأن اللائحة لم تخرجهم من الهامش الحزبي، وعليه فإن القوانين الجديدة المنظمة للعمليــة الانتخابية تدفع في اتجاه تحميل الأحزاب مسؤولية إشراك هذه الفئة العمرية المهمة في لوائح مرشحيها.

ويبدو أن الهدف الأسمى من إلغاء لائحة الشباب، هو حث الأحزاب السياســية على إدماج وإشراك شبابها في العملية ككل، بدءاً بالترشح ومروراً بتجديد الهياكل بدماء فتية.

وتكشــف معطيــات "المندوبيــ­ة الســامية للتخطيــط" )هيئة رســمية مكلفــة بالإحصاءات والمســوح الاقتصادية والاجتماعي­ة( عن علاقة الشباب المشهد السياسي والحزبي ككل في المغرب، إذ تفيد بأن 70 في المئة من الشــباب لا يثقون في جــدوى العمل السياســي، و5 في المئــة يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياســية، بينما يشــكل الشــباب 40 في المئة من الكتلة الناخبة.

هذه الأرقام تحيل مباشرة على مكمن العطب الذي يحول دون دوران آلة المشــاركة الشــبابية في الانتخابات، وتؤكد غياب الثقة في الأحزاب المشكلة للمشهد ككل، مما يؤشر على أن الهيئات الحزبية المغربية مطالبة بتطوير آليات تواصلها وتجديد دمائها، وفق ما يقول مراقبون.

تناوب على السلطة

بالنســبة لعادل المخنتر، رئيس "رابطة الإبداع والتنمية الاجتماعية"، في تصريح لـ "القدس العربي"، فإن الشــباب قوة انتخابية لكنه لا يأخذ حقه في العمل السياســي كفاعل وشريك في اتخاذ القرارات.

وأضاف أنه من هنا يمكننا أن نتكلم بشكل واضح وصريح عن فقدان الثقة ما بين السياســي والشاب المثقف، خصوصاً أن البرامج الانتخابية التي على أساســها وقع تشكيل المشهد السياســي الراهن جــرى تجاوزها وعدم تطبيقها، ســواء لتهاون الأحزاب السياســية وعدم جديتها فــي تفعيلها، أو لاعتبــارا­ت أخرى، علاوة على انتصار المصالح الشــخصية على حســاب مصلحة الوطــن، لتصير فقط مجــرد دكاكين حزبية.

المخنتر الشــاب المغربي الذي عاش تجربة أحزاب يسارية وأخرى يمينية، يرى أن كل هذه الأطياف لم تستطع أن تحرك عجلة تنمية حقيقية، مشيراً إلى أنه يرى العملية الانتخابية

مجرد تنــاوب على الســلطة فقط، لتلبية أهــداف وأجندة معينة دون تحقيــق طموحات المغاربة التي تتمثل في توفير العيش الكريم.

أرقام مخجلة

وأكد شــاب متحزب تصريحات اللامنتمي، مشيراً إلى أن شــباب اليوم لا يمكنه أن يســاير الخطاب السياســي التقليدي.

وحســب حمزة الحمــداوي، عضــو المكتــب التنفيذي لشبيبة حزب "الحركة الشــعبية" ورئيس "رابطة الشباب الديمقراطي والاقتصادي"، فإن الأرقام المخجلة التي تتحدث عن ضعف مشاركة الشــباب في العملية الانتخابية ونسبة المشاركة الضعيفة التي لم تتجاوز 5 في المئة من الشباب في التصويت، أمر لا بد من الوقوف عليه بشــكل جدي وتناول أسبابه بشكل صريح، لأن شــباب اليوم الذي يعيش عصر التكنولوجي­ا الرقمية لا يمكن تهميشــه من اللعبة السياسية ولا يمكنه أن يســاير الخطاب السياسي التقليدي، وإلا فإن القادم سيكون أسوأ.

وأبرز في تصريحــه لـ "القدس العربــي"، أن من بين ما نلاحظه كشــباب هو أن ما جاء به دســتور المملكة من مواد مشجعة ما زال حبراً على ورق، حيث إن الأحزاب السياسية لم تستوعب بعد الإشــارات القوية للدســتور ولم تواكب التوجيهــا­ت الملكية التي أولت اهتماماً بالغاً للشــباب على جميع الأصعدة، كما نلاحظ غياب الإرادة الحقيقية للقيادات السياســية في تقليص الهوة بين الشعارات والواقع، حيث نجد أن البرامج السياســية للأحزاب لا تهتم بشكل واضح بشريحة واسعة من الشباب وعلى الخصوص شباب العالم

مركز اقتراع في العاصمة المغربية )أرشيفية( القروي الذي يعاني من عدة مشاكل بنيوية وهيكلية، إذ إن الأمية والفقر المتفشية بين الشباب يلعبان دورين أساسيين في العزوف عن المشــاركة في الحياة السياسية، فلا تكوين على الثقافة الديمقراطي­ة لدى الشباب ملائم ولا فرص عمل مناســبة. وتبقى كل الخطابات والبرامج السياســية مجرد شعارات بدون تطبيق على أرض الواقع، وفق تعبيره.

واستطرد قائلاً إنه بالرغم من أهمية عدد من المكتسبات، فإن الرفع من منســوب المشــاركة السياســية في صفوف الشــباب يبقى رهينــاً بالمزيــد مــن الإجــراءا­ت الكفيلة بتشــجيعهم على ذلك، من قبيل تعزيز التربية على المبادئ الديمقراطي­ة، وتنظيم دورات تأطيرية لتأهيل وإعداد القادة الشباب، وتكوينهم على الهوية والمواطنة.

مــا يجب أن يعلمــه القادة السياســيو­ن، يضيف حمزة الحمداوي، أنــه لا مفر من فتــح مقرات أحزابهــم للتأطير والتكوين، وإمدادهم بكل الوســائل الكفيلة على تشجيعهم على الانخراط الفعال في الحقل السياسي من خلال المشاركة فــي الانتخابات أكثر من أي وقت مضــى، لأن المغرب يتوفر على طاقة شــبابية حيوية ونشــطة وتمتلك وعياً سياسياً حاداً وقادرة على طرح الحلول البديلة للعزوف السياســي والإتيــان بخطــط ناجعة واســتراتي­جيات فاعلــة، وذلك لاعتمادها على الوســائل التكنولوجي­ة الحديثة وتطوراتها المتسارعة، خاصة في مجال الاتصال والتواصل.

وقال إن الشــباب بمختلــف فئاته الاجتماعية يشــعر بالقلق والتوتر إزاء ســلوك رجال السياسة الذين يملكون زمام الأجهــزة التقريرية ويتحكمون في تحديد الاختيارات والتوجهات، زد على ذلك ما تعيشــه الأحزاب السياســية من ســيادة الزبونية والمحســوب­ية وغيــاب الديمقراطي­ة الداخلية، وهــو ما يشــكل عائقاً في وجــه تجديد النخب

بواسطة استقطاب الشــباب ذوي الكفاءات والقادرة على وضع المشاريع المبتكرة للحلول، علماً أن الفصل السابع من الدســتور المغربي ينص على أنه تعمل الأحزاب السياسية علــى تأطير المواطنــا­ت والمواطنين وتكوينهم السياســي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشــأن العام، وتســاهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارســة الســلطة، على أســاس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطي­ة، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.

ضعف المشاركة

عبد الرحمن ســيكري، فاعــل جمعوي، أكــد أن تغييب اهتمامات الشــباب في البرامج الانتخابية للأحزاب يجعل العزوف عن المشاركة نتيجة طبيعية.

وأضــاف في تصريحــه لـ"القدس العربــي"، أن ضعف مشاركة الشــباب في الانتخابات يعود إلى اجترار الخطاب الحزبي نفســه والبرنامج نفسها، وعدم وجود وجوه شابة معروفة في أوســاط المجتمع في هــرم التنظيمات الحزبية، مؤكداً أن هذا العزوف يهم المشــاركة في الانتخابات وليس في السياسة.

وتطرق الفاعــل الجمعوي، إلى الإعــام المغربي الذي ـ حســب رأيه ـ لا يقوم بدوره في بث برامج تشــجع الشباب في المشاركة وتعريف بنماذج ناجحة سياسياً ورفع مستوى الوعي بأهمية المشاركة، باستثناء فترة الحملة الانتخابية.

عبد المجيد الحمداوي، إعلامي ومحلل سياسي في قضايا الشــباب، قال لـ"القدس العربي" إن إثــارة موضوع موقع الشباب في المنظومة الحزبية ليس وليد اليوم، فهي إشكالية قديمة جديدة، أملَــى اقتراب موعد الانتخابات الحديث عنه اليوم، للتأكيد مرة أخرى أن العلاقة بين الشــباب والأحزاب السياســية تتميز في المغرب، كما كان في السابق، بالتوتر، ومازالت الفجوة بين الأحزاب والشباب واسعة.

ووفق تصريح المحلل السياسي، فإن هذا يعود بالأساس إلى كون الأغلبية من الشباب الذين مرت أمامهم عدة تجارب فاشــلة، لا يثقون بالأحزاب السياسية. ويضيف أنه بالرغم من كون معظم الأحزاب السياســية تتوفــر على تنظيمات شبابية وتعمل على إنتاجها في الهياكل التنظيمية الحزبية، فإن الشباب لا يحظى باهتمام واسع من حيث الحصول على التزكيات للترشــيح في الانتخابات، لأن القيادات الحزبية هي الجهة التي تســيطر على تحديد المرشحين للانتخابات وتعتمد في ذلك على الأعيان الذين لهم حظوظ وافرة للفوز بالمقعد الانتخابي، وبالتالي تتحول النخبة السياســية في غياب تمثيلية شبابية إلى قوة اقتراحية ومؤثرة على الحقل السياســي وعلى صناعــة القرارات؛ مما يفيد أن الشــباب الذين لديهم طموح سياســي للوصول إلــى مناصب قيادية في الأحزاب السياســية أو مقاعد انتخابيــة في البرلمان أو المجالس المنتخبة لا تمنح لهم الفرصة لتحقيق ذلك.

ومــن نافلة القول، يضيف المحلل السياســي والإعلامي، أنه بالرغم من اهتمام الدســتور المغربي بالشباب، وبالرغم من القوانين الداخلية والأساســي­ة للأحزاب التي تنص على مشاركة وتشجيع الشــباب في الهياكل التنظيمية الحزبية، فإن هذا المراد مازال بعيد المنال، مما دعا إلى عزوف الشباب عن السياســة والانخراط في الأحزاب، أي أننا نعيش حالة غياب الديمقراطي­ة داخل الأحزاب بســبب غيــاب التمثيل السياسي للشباب.

وهذا أمر، يوضح المتحدث نفســه، أصبح يرهق الأحزاب والدولة، لأن إبعاد الشــباب عن الممارسة السياسية يؤدي إلى شــعور الشباب بالإحباط السياســي وعدم قدرته على التأثير في القــرارات والقوانين التي تنظم كيفية مباشــرة حقوقه في المعيشة والحياة والسياسة.

وشدد المحلل السياسي في تصريحه لـ "القدس العربي"، على أنــه بالفعل، هناك عــدد من المكتســبا­ت التي تحققت لفائدة الشــباب ومبــادرات اتخذت توفر الحــد الأدنى من شروط المشــاركة السياسية للشباب، تتجلى في خفض سن التصويت إلى 18 ســنة، وترسيم تمييز إيجابي في التنظيم الانتخابي السابق يتمثل في اعتماد "كوتا" للشباب )حصة( في الغرفة الأولى للبرلمان، ولقد شهدت هذه التجربة الرائدة انتقادات لاذعــة من طرف بعــض الجهــات الحزبية التي اعتبرت أن "الكوتا" تحولت إلى ريع سياسي تتوزع مقاعدها بين أصحاب الحظوة في الأحزاب، مما أدى إلى إجماع حول إلغاء لائحة الشــباب التي كانت تخصص لها ثلاثين مقعداً برلمانياً، كما أن دستور 2011، أقر بدوره عدداً من المكتسبات، مــن بينها الســعي نحو إدماج الشــباب في شــتى مناحي الحياة، وإشــراكه في صنع القرار العمومــي، وتمكينه من مؤسســة تعنى بقضاياه وهي المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.

وختم المتحدث تصريحه بالتأكيــد على أن كل الجهود التــي بذلــت من أجل تشــجيع الشــباب على الممارســة السياسية والمشاركة في الانتخابات كناخبين ومنتخبين، لم تعط أكلهــا بالقدر الكافي، نظراً لغياب الإرادة الحقيقية للأحــزاب في منح الشــباب ما يســتحقه مــن إمكانيات ووســائل للقيام بدوره كفاعل سياسي حقيقي. وللأسف، في كل موســم مع اقتراب الاســتحقا­قات الانتخابية يظهر لنا سياســيون يتبجحون بالدفاع عن مصالح الشــباب، وهم في الأســاس ليس لهم دراية أو علــم بدقة حاجيات وتطلعات الشــباب، بــل إنهم يجهلون بأن الشــباب واعٍ بموقعه ولم يعد يقبل أن يظل وقوداً للانتخابات أو عنصراً لتأثيث المشهد السياسي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom