Al-Quds Al-Arabi

فوازير رمضان: النوع الفني المُستبعد من برامج الترفيه

-

■ اقترنت الفوازير في مصر بشــهر رمضان لسنوات طويلة، ربما تربو فوق الأربعين عاماً، فمن الإذاعة كانت العادة السنوية الُمسلية على مائدة الإفطار، حيــث حكايات وقصص وألغاز شــاعر العامية بخيت بيومي مع الإذاعية آمال فهمي، فعلى مــدار ثلاثين يوماً ينشــط العقل الجمعي للمُســتمع، ويجتهد كل مُتعلق بالفوز والجوائز من الجمهور فــي حل الفوازير، ولأن نســبة الُمســتمعين كانت هي الأعلى في محطة البرنامج العام في الشهر الكريم، ويمثل توقيت إذاعة الفزورة اليومية ذروة التغطية الإعلامية والانتشــا­ر، فالعائد الإعلاني كان يحقق أعلى الُمعدلات، ومــن ثم فإن الفوازيــر كانت تُعتبر آن ذاك ســلعة رائجــة مضمونة المكســب ولا غنى عنها، بــل لها الأولوية بجدارة في خريطة البرامج الإذاعية قاطبة.

وبالطبــع كانــت قيمة الجوائــز المرصودة لا تُمثل ســوى نســبة قليلة من فائض الربح، وبالتجربة وإثبات صحة النظرية الاقتصادية تم تعميــم الفوازيــر وانتقلت مــن ميكروفون الإذاعة إلى شاشة التلفزيون، ففي البداية كان الأبطال الرئيســيو­ن هم ســمير غانم وجورج ســيدهم والضيف أحمد، وبعد رحيل الضيف مبكراً اقتصر النشاط على سمير وجورج، وظل النجاح مستمراً لبضع سنين، ورغم أن الصورة التلفزيوني­ــة في هــذا التوقيــت كانت أبيض وأســود، إلا أن المضمون لم يتأثر على الإطلاق

بهذه المســألة، وبقيت الفوازيــر أحد المكونات الترفيهية الرئيسية في شهر رمضان.

وبظهور التكنولوجي­ــا الحديثة والصورة الملونــة بــدأت نيللــي كفنانة اســتعراضي­ة وموهوبــة، تطــرق بــاب الفوازيــر مُنفردة، وتقدم أنماطــاً مختلفة مــن التعبير بالصورة والحكاية الخفيفة والاســتعر­اض الحركي مع المخرج فهمي عبد الحميــد، ومصمم الرقصات حســن عفيفي، وابتكــرت مــع نخبة من الشعراء وكُتاب الفوازير المحترفين عناوين وموضوعــات جذابة مُســتقاة مــن الواقع المصري الشــعبي بالأحيــاء القديمة، فكان أشــهر ما قدمت فوازير الخاطبــة، تلك التي أحدثت الصدى الأقوى في الشارع والبيوت وعلى المقاهــي، فارتفعت أســهم نيللي فوق المتوقع بكثير، وأخذت فــي الابتكار والتكرار الإضافي للتجربــة، واســتفادت بالقطع من هذا النجاح في الســينما فتضاعفت أدوارها، وتهافت عليهــا المخرجون والمنتجــو­ن، لكنها آثــرت الابتعاد النســبي عن الســينما، حتى تحتفــظ بنجاحهــا التلفزيونـ­ـي لأطول وقت ممكــن، لأن فتــرات التألق في الاســتعرا­ض قصيرة، وإن امتد أجلها، حيث لكل شــيء عمر افتراضي وتلك الحقيقة وعتها نيللي جيداً، فلم تُسرف في اســتهلاك طاقتها، ولم تبتعد تماماً وتضيع على نفسها الفرصة.

وبالفعل انقضت أيام نيللــي بمجرد ظهور

شريهان، التي اعتلت عرش النجومية، وأفنت وقتاً طويلاً في تدريبات اللياقة والاستعراض الفنــي والرقــص الإيقاعي مع حســن عفيفي وعاطف عوض، لتصل إلى مستوى نيللي وتملأ الفراغ الذي تركته على الســاحة، وقد حاولت شــريهان الابتعاد عن تقليــد نظيرتها الأولى، فقدمت فوازير حول العالم كنموذج مغاير، لكن المقارنة بينهما حدثــت بالفعل، وبمرور الوقت تقبل الجمهور النجمــة الجديدة وأعتاد عليها، وأصبحت نيللي وفنها وفوازيرها تراثاً قديماً، يُعــرض بعضه، بــن الحين والآخــر من باب الحنين للذكريات العزيزة، ولم تفعل شــريهان

مثــل مــا

فعلت نيللي مع الســينما، لكنها حاولت الجمع بين النشاطين بشكل متساو في مرحلة النشاط ذاتها، فأسرفت ولم يُسعفها الوقت ولا الظروف فخســرت علــى الصعيديــن، وكان بإمكانها الاستمرار لسنوات أطول، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السُفن، وخرجت النجمة الشابة من حلبة السباق قبل الأوان.

وبناءً على هذا الانسحاب صارت الفرصة ســانحة أمام عناصر جديدة أخرى فتم الدفع بشيرين رضا لتحل محل شريهان فخاب توقع الُمتحمســون لها وخســروا الرهان، فشيرين نفســها لم تكن مُتحمســة ولا موهوبة في هذا المجال رغم قُربها من أجواء الفن الاستعراضي بُحكم النشــأة والتكوين والعامــل الوراثي، كونها ابنة الفنان محمود رضا، غير أن المواهب لا تورث، ولا يمكن لأي إنســان مهما امتلك من مقومــات أن يُصبح فنانــاً بالقوة في تخصص نوعي ما، طالما أنــه فاقد للميزة، وهو ما أثبتته تجارب شــيرين التالية بعــد اتجاهها للتمثيل ونجاحهــا الكبيــر كممثلــة بعيداً عــن مهارة الاستعراض المفقودة.

وما بين نيللي وشريهان وشيرين رضا جاء الدور على صابرين لتجرب حظها هي الأخرى كاســتعراض­ية ومُغنية وممثلــة خفيفة الظل، تتمتع بموهبــة كبيرة ولها العديد من التجارب في السينما والمسرح والتلفزيون، ورغم توافر عناصر الحضور والقبــول لديها، إلا أن الحظ

لم يُحالفها لترتقي إلى درجات النجاح المأمولة كاستعراضية من شأنها تقديم الفوازير بنجاح وكفــاءة، وخرجــت مــن تجربتهــا الوحيدة بخفــي حنين هــي ووائــل نور، الــذي حاول مــن جانبه أيضــاً أن يكون ضيفــاً خفيفاً على جمهور رمضان، فإذا به يُخفق إخفاقاً بيناً ولم يعاود تكرار التجربة مــره أخرى، وتوفي بعد محاولات مُستميتة لتحســن صورته الفنية، وقد حدث بالفعل واستطاع تعويض ما فاته من خلال أدوار تمثيلية ذات معنى.

وبعد مرور ســنوات طويلــة على التجارب المذكورة ونجاح البعض وفشل البعض الآخر، كان متوقعاً أن تقدم إيمي ســمير غانم شيئاً من هذا القبيل، لتصل ما انقطع في مجال النشــاط الفنــي الاســتعرا­ضي الســنوي المهــم، لكن التكهنات خرجت عن السياق، وباتت الفوازير في حسابات المنتجين فنا تقليديا مُكلفا، ومازلنا في انتظار ما ستُسفر عنه التجارب المقبلة بعد عام أو عدة أعوام.

 ??  ?? شيريهان ونيللي
شيريهان ونيللي
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom