Al-Quds Al-Arabi

التشكيلي المصري خالد المنير يرصد حالة الشغف في عيون امرأة

-

■ فرشاة خالد المنير تنطق بألوان تبعث على الحياة في خضرتها وخصبها فهي تجســد حالــة الأمل والحب والاســتكا­نة في )البورتريه( لوجه امرأة حسناء، تمثل مــن خلال تصويرها بدءاً من لون بشــرتها وإشــراقته واســتدارت­ه وعينيهــا كأنها ينابيع ماء عذبة، وشــفاه زهرية عنابيــة اللون، هكذا يصور خالــد المنير لوحته التشــكيلي­ة التي ســماها )شــغف(، فلو تأملنا اللوحة فإنــه يخوض المغامرة بالتصوير والمغامرة هنا ليســت هي تجســيد شــكل امرأة كأي عمل بورتريه، لكن نحن نتحدث هنا عن اقتناص لحظــة تعبير حركة الوجه في لحظة الصفر من قبل التشــكيلي المنير، وبطريقة عفوية غير متصنعة، حيث اســتطاع اقتناصهــا بدقة متناهية وبحرفية فنان صائــد محترف للحركة، بدون أن تخذله خطوط فرشــاته وطواعيــة ألوانه لتصــور لنا لحظة زمنية لتعابير حركة الوجه والشــعر بتلقائية لنظرات المــرأة وتعابير وجهها وحركة زم شــفتيها باســترخاء كامل، لتتماشــى مــع مصادقية تلقائيــة الحركة وكأنها نظرات عابرة لمشــهد عابر أثار انتباه المرأة، فهنا يصور الفنان المشــهد البصري بكل براعة ليحافظ على اللحظة الزمنية ودلالاتها ومناســبته­ا والحواريــ­ة القائمة بين المرأة ونظراتها، وما تعبر عنه هذه النظرات والسيمائية لحركة وجههــا وتعابيــره، وحركة الضوء الســاطعة والشديدة المسلطة على الوجه، وهنا يعد المنير قد جازف لأن الضوء الشديد سيكشف الفكرة المضمرة، سواء كان في البورتريه أو في انفعالات الفنان.

عند النظر إلى تفاصيل الوجه، بدءاً من الجبهة، ونزولا إلى الحاجبين سنرى اللون الرومانسي الزهري الخفيف الســاطع والمتجلي بصراحة، بدون تــردد والذي طغى هذا اللون علــى كامل الوجه، بل كان التظليل متماشــيا مع اللــون الزهري بتدرجاته، بفعــل تقنية الضوء، وأما الظل فجاء غامقا، بــدون أن يفقد زهريتــه، ويظهر هنا في هذا المشــهد الدرامي التشــكيلي، حركــة الحاجبين، اللذين رســما وجســدا بدقة متناهية ومنسقة ليعطيهما الفنان جمالا، حيث نفذهمــا بطريقة التجزئة والتصوير الدقيــق لشــعيرات الحاجبــن بفرشــاته واتجاههما، كي يتمكن المشــاهد أن يرى كل شــعرة فيهما، وحركتها وميولها واتســاقها مــع حركة اتجاه الحاجــب، إن كان باتجاه اليمين أو الشمال أو بروزهما للأعلى، فكان المنير محترفا بالتنســيق بين حركة رموش العينين والحاجبين وحركة الجفون والأحداق، فترك العين اليمنى والحاجب والرمش على اتساعها، وكأنها تجابه ضوءاً شديداً، وهي حركة مقصــود إظهارها، على عكــس ذلك نلاحظ حركة العين الشمال مع الرموش والحاجب، لا تنم عن دهشة أو تأثرها بالضوء، رغم شدته وكثافته على العين، وكما هو واضح في التصوير وهي حالة تعبر عن السكون والثبات في اســترخائه­ا، وهنا تكمن حرفيــة الفنان في اقتناص لحظة التعبير لأجزاء الجســد في هنيهات الزمن، وكيف يمكن أن يدل عن حالتها الفنان في لحظة الصفر من الزمن،

أي هنــا الزمن يكاد يكون منعدما وســاكنا ومتوقفا لأنه خضع للرصد والقنص والتصوير، وكأن الكاميرا متوقفة لتصور مشــهدا ما، وللنظــر إلى حركة الفــم، من خلال الشــفتين فظهر عمق اللون الوردي العنابي رغم حركته الطبيعية، فظهر بمظهر الغواية من خلال اللون المستخدم فــي تصويره، علما أن حركة الشــفتين لــم تظهر عليهما أي ســيميائية انفعال لكنهما تماهيــا مع خلجات داخلية تشير إلى رومانســية انتظار وترقب، وهنا لو تم تجميع دلالات حركات الوجه مجتمعة مــن الحاجبين إلى حركة العينين والرمشين، واتساع الحدقتين وبريق القزحيتين وصورة الشفتين وسطوع الألوان الباردة، وشدة الضوء وانعدام زوايا الرؤية وتلاشــي الأبعاد يضاف لهم بريق القزحيتين، بلونهما الأخضر المائل للنرجســي فسيكتمل المعنى لسيميائية الوجه واللوحة بشكل عام، إذ أن العين المتسعة ورمشــها ونصاعة وتناســق الحاجب وزلالية ألوان العينــن، وصفائهما اللوني، اللتين تشــيران إلى النرجسية المفعمتين بالرومانسـ­ـية والحب، وفي الوقت نفسه يشير السكون والاسترخاء في جهة الشمال للوجه من حركة العين إلى الرمش، ومن ثم الحاجب تدللان على الثبات وعدم التحول إلى حالــة جديدة على العكس من تعابير العين اليمنى، التي تعكس دلالاتها المضي والتقدم والإقدام إلى حالة جديــدة، والبريق هنا يدلل على حالة الشــغف، فدقة الفنان ومهارته في تصوير دقائق الحركة في البورتريه لها دلالات ذاتية وجدانية عبر عنها الفنان من خلال الســطوع بالأضواء وصراحة الألوان، وشحة الظلال في تقاسيم الوجه كشفت كل هذه الدلائل عن هذه الذاتية الشغوفة، والإقدام بدون تردد إلى حالة التحول الزمنــي من لحظة إلى أخرى يقابلهــا حالة التردد وعدم الوثوق والخوف من قبل المرآة المجســدة في البورتريه، التي دلت عليــه حركة العين الشــمال، إذن هنا نجد ثمة شــارات وشــيفرات معقــدة يصورها الفنــان، لذاتيته وذاتية المجسم التصويري الذي جسده في مشهد بصري تشكيلي بطريقة مدهشــة، وهذا ينم عن حالتين «الحالة الأولى براعــة وإمكانية خالد المنير في التشــكيل، وفي الوقت ذاته لم يستطع أن يتخلى عن ذاتيته التي طفحت على السطح التصويري بعفوية وفي الوقت ذاته كشفت حالة ذاتية للمجسم التصويري )المرأة .»)

 ??  ?? من أعمال الفنان خالد المنير ٭ كاتب عراقي
من أعمال الفنان خالد المنير ٭ كاتب عراقي
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom