Al-Quds Al-Arabi

إعادة إعمار مرفأ بيروت تثير اهتمام شركات دولية أبرزهما ألمانية وفرنسية

-

■ بيــروت - أف ب:بعد ثمانية أشــهر على انفجار بيــروت المروع، تتطلع شــركات عالمية، وســط تنافس بــن حكومات خارجيــة وتوقع اســتثمارا­ت بمليارات الدولارات، إلى مشــروع إعادة اعمار المرفأ الذي دمّر بشــكل شــبه كامل. لكن المهمة تبقى صعبة لا ســيما في ظل استمرار تخلّف المســؤولي­ن اللبنانيين عــن توفير البيئة المناسبة من شــفافية وإصلاحات ملحة لإطلاق العملية.

ويقــول باســم قيســي، مدير مرفــأ بيروت بالوكالــة «الجميــع مهتــم بالمرفــأ، الــروس والصينيون والأتراك والفرنسيون والآن الألمان. لكن الأمــر لا يتخطــى حتى الآن مجــرد إعلان نوايا .»

ولم يُتخذ أي قرار بشــأن المرفــأ حتى الآن. وتعمل إدارتــه حالياً، وفق قيســي، على وضع «خطــة متكاملــة جديــدة تتضمــن مشــاريع عدة تتعلــق بالســوق الحرة، والمســتود­عات والحاويــا­ت وغيرهــا» على أن تتقــدم بها فور جهوزها إلى مجلس الوزراء.

لكن شــركات ألمانية اســتبقت الأمور، وأعلن ممثلون عنها مــن بيروت يــوم الجمعة الماضي مشروعاً ضخماً تبلغ قيمته 30 مليار دولار لإعادة إعمار المرفأ والمناطق المتضررة في محيطه.

وتطمح الخطة، التي تمتد على نحو 20 عاماً، إلى إبعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة، وتحويل الأجزاء الأكثر تضــرراً فيه إلى منطقة ســكنية تضم شققا بأســعار مقبولة ومساحات خضراء وشواطئ.

أبعاد دولية للمنافسة

وشــكّل حجم المشــروع المدعوم من الحكومة الألمانية عامل مفاجأة لكثيرين، وجدوا أنه يطمح لإعادة إعمار بيروت ولا مرفأها فقط.

كما وضعت شــركة «ســي جي أم» الفرنسية العملاقــة رؤيتها الخاصة أيضاً لمســتقبل المرفأ. وفــي ســبتمبر/أيلول الماضي، رافــق رودولف ســعادة، رئيــس مجلــس إدارتهــا، الرئيس الفرنســي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية إلى بيروت بعد الانفجار.

ويقول المدير الإقليمي للشــركة جو دقاق أن الزيارة شــكلت فرصة لتقديم «مشروع متكامل» من ثلاث مراحل هدفــه أولاً إعادة إعمار ما تدمر في المرفأ ثم توســيعه وتطويره إلى أن يتحول إلى «مرفأ ذكي».

وقــدّرت الشــركة كلفــة المرحلتــن الأولى والثانية بين 400 و600 مليون دولار، وفق دقاق الذي يقول أن شــركته «ستموّل نصف الكلفة من أموالها الخاصة» مشــيراً إلى أن المشروع يلقى اهتمام «50 شركة ومؤسسة عالمية».

وليست الشــركة الفرنسية بغريبة عن المرفأ، فهي الشــركة الوحيدة التي لا تــزال تعمل فيه حالياً على تفريغ الحاويات وإعادة شــحنها في بواخر أخرى.

وقد تقدمت الشــركة للمشــاركة في مناقصة

إدارة منطقــة الحاويــات، بعدمــا حصلت على امتياز تشغيل محطة الحاويات في مرفأ طرابلس شمالاً حتى العام 2041.

ويســتغرب البعض اهتمام شــركات عالمية بالاســتثم­ار في بلد يشــهد انهيــاراً اقتصادياً وتدهوراً لعملته المحلية على وقع شــلل سياسي تغيب عنه أفق الحل.

لكن عماد سلامة، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانيــ­ة الأمريكية، يعيد هذا الاهتمام إلى أسباب عدة بينها التنافس على «التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط» و»التعاون الاقتصادي المستقبلي بين إسرائيل ودول عربية» على خلفية اتفاقات التطبيع الأخيرة، ثم «التوسع الروسي» في الشرق الأدنى.

ويرى سلامة أن الجهة التي ستضع يدها على مرفأ بيروت ســتحظى «بنفوذ مهم» في عمليات التنقيب عن الغاز.

ووقّــع لبنان في 2018 أول عقــد للتنقيب عن الغاز والنفــط في مياهه الإقليميــ­ة، مع ائتلاف شــركات يضم «توتال» و»إينــي» و»نوفاتِك». ويلفت ســامة إلى أن روسيا تنقّب عن الغاز في المياه السورية.

أما بالنســبة للصــن، فهو يــرى أن تثبيت وجودها في لبنــان «يعزز تحالفها مع الإيرانيين )...( ويكبح النفوذ الغربي.»

وفي تقرير نشــره «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» حذّر ديفيد شينكر، الدبلوماسي الأمريكي الــذي كان يقوم بدور الوســاطة بين

لبنــان وإســرائيل في ملــف ترســيم الحدود البحرية، مــن الطموح الصيني فــي لبنان عبر بوابة المرفأ. واعتبر أن أي دور للصين سيشــكل «النتيجة الأسوأ لأوروبا والولايات المتحدة».

والتنافس ليس دولياً فقط بل أوروبياً كذلك، إذ اعتبــر شــينكر أن العرض الألمانــي «قد يثير غضب فرنسا».

وكتب «هناك مجال واسع للتعاون الأوروبي بشأن تمويل المرفأ وإعادة بنائه، وعلى واشنطن العمل عن كثب مع كل دولة لضمان أن يتم تنسيق المشروع )...( بشكل متعدد الأطراف».

«سوليدير» جديدة؟

ومنذ ما قبــل انفجار مرفأ بيروت، يشــترط المجتمع الدولي على لبنان تنفيذ إصلاحات مُلِحّة كشرط ليحصل على دعم مالي ضروري يخرجه من دوامــة الانهيار الاقتصادي الذي يضربه منذ عام ونصف.

لكن، وبعد مرور ثمانية أشــهر على استقالة حكومــة حســان دياب إثــر الانفجــار، لا تزال الأطــراف السياســية تتبــادل الاتهامات حول أســباب تأخر تشــكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

وحذت الشــركات الألمانية والفرنســي­ة حذو الموقــف الدولــي، فوضعت الشــروط نفســها لتحقيق مشروعيها: تنفيذ الإصلاحات وتحقيق الشفافية في بلد ينهش الفساد مؤسساته.

ويثير تهافت الشركات قلق البعض في لبنان، إذ يخشــون تكرار تجربة شــركة «ســوليدير» الخاصة التي أنشــأها رئيس الحكومة الأســبق رفيق الحريري لإعادة إعمار وســط بيروت بعد الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

وأثار مشروع «ســوليدير» انتقادات واسعة تناولت عملية شراء العقارات الجماعية بأسعار متدنية بالمقارنة مع ما صارت تساويه العقارات بعد الإعمــار، واعتبار كثيريــن أن عملية إعادة الإعمــار لــم تأخذ بالاعتبــا­ر روحيــة الأحياء القديمة، إنما تم تصميمها لجذب الاســتثما­رات والسياح والأغنياء.

ويــوم الجمعة الماضي قالــت جمعية «نحن» المعنية بحماية المساحات العامة والتراثية «على الرغم مــن الحملات المعارضة لهــا )..( انطلقت ســوليدير بإعادة إعمار وسط لا يشبه بيروت. ويتكرّر المشــهد أمس أمام إغــراءات ضخّ دولار إعمــار المرفــأ». وأضافت «لن نقبل بســوليدير جديدة بحلّة أجنبيّة ولن نقبل بســلب ذاكرتنا ولن نقبل بتشويه تراثنا».

ويرى الخبيــر الاقتصادي جاد شــعبان أن مشاريع ضخمة بحجم الخطة الألمانية «لا تتطلب حكومة جديدة فقط، بل استشــارة على الصعيد الوطنــي للخيارات الإســترات­يجية على الصعد الاقتصادية والمدنية والاجتماعي­ة».

لكنه يتساءل في الوقت ذاته «من هو مستعد هذه الأيام لأن يستثمر قرشاً واحداً في بلد يشهد انهياراً كاملاً؟».

 ??  ?? بقايا صوامع الحبوب المدمرة في مرفأ بيروت
بقايا صوامع الحبوب المدمرة في مرفأ بيروت

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom