Al-Quds Al-Arabi

في زمن «المعلومة بيد الجميع»: حين يصبح النصر بلا راية والهزيمة بلا معركة... «نطنز» نموذجاً

- يوآف ليمور

■ صور الانتصــار الكبرى مطبوعــة بقوة في رؤوســنا: علم الحبر الذي رفعه ابراهام أدان )بيرن( في نهاية حرب الاســتقلا­ل، والمظليون في المبكى، ويوســي بن حنان في قناة السويس في حرب الأيام الستة، وأرئيل شارون -مع ضمادة على الجبين- في حرب يوم الاستقلال.

ليس صدفة أن نتذكر هذه الصور حتى بمســافة الزمن. شــيء فيها لخــص الدراما وأوجز قصتنا كلهــا. إذا كانت «صورة واحدة تســاوي ألف كلمة» مثلما يقول الكليشــيه، فإن صورة جيدة تساوي عالماً بكامله وأحياناً أيضاً تساوي النصر.

إن البحــث عن صور النصر قد يخــدع، والتفكير بأن إطــاراً واحداً قد يكوي وعياً بما حصــل )وما لم يحصل( يكاد يكــون مثالياً. فالحياة معقدة أكثر مما يمكــن أن تلخصها نقرة واحدة علــى الكاميرا. كان هذا صحيحاً، وهو صحيح بأضعاف في المعارك الحديثة وفي العصر الحالي للتكنولوجي­ا المتطورة والشبكات الاجتماعية واسعة الانتشار والنفوذ.

في حروب الماضي قاتلت جيوش مقابل جيوش، وبشــكل عام بعيداً عن التجمعات السكانية. وكان الجيش الإســرائي­لي يتحكم بما يحصل هناك، يتحكم بمن يدخل إلى هنــاك، يتحكم بالمعلومات. وعلى أي حال، كانت كمية وســائل الإعلام قليلة، وتتغذى من مصادر معدودة ومركزة. وعندما كانت تلتقط صورة جيدة كانت تنال انتشــاراً أقصى وتنجح في التأثير وكي الوعي، سواء عندنا، أو عند أعدائنا وفي أرجاء العالم.

أما حروب اليوم فتجري في معظمها من داخل الســكان )لدى العدو( وإلى داخل الســكان )لدينا(. ليس للجيش الإسرائيلي في هذه الحروب تحكم بالمعلومات، ولا على نشرها أيضاً. كل من يمسك بهاتف خلوي بات مراسلاً أو مصوراً؛ كل مستخدم للشبكة الاجتماعية أصبح وسيلة إعلام واسعة الانتشار.

في هذا الواقع، تقلصت قدرة التأثير والحسم من خلال صورة واحدة إلى الحد الأدنــى، أو بالتأكيد عندما يصبح اصطــاح «النصر» متملصاً وموضع خلاف. يســهل على العدو أن يحقق انتصارات في الوعي بقدر كبير، لكونه محرراً من القيود والأخلاق. كما أن وســائل الإعلام تنشــر أحياناً صــوراً تخدم ظاهراً الطــرف الآخر، والتي هــي قابلة للوصول وتعرض التعقيدات وأثمان الحرب.

في الحــروب الحالية لــم يعد هناك علــم على التلــة، أو عدو يعلن الاستسلام. الصاروخ الأخير سيطير دوماً نحونا، وكذا النجاحات باتت قابلة لتفسيرات عديدة المعاني. اعتراض القبة الحديدية مثلاً يعدّ نجاحاً مبهراً بلا شك، وهو أيضاً انتصار جلي للتكنولوجي­ا، ولكنه ليس صورة نصر بالمعنى الكلاســيك­ي للكلمة. كما أن انفجاراً في مشــروع نووي في إيران هو إنجاز عظيم، ولكنه بعيد عن أن يكون انتصاراً يحسم المعركة.

الحياة الحالية معقدة تتركب من فسيفســاء صور، لا يمكن أن تتركب منها صورة واحدة ووحيدة. وعليه، فإن البحث عن «صورة نصر» أيضاً في الحرب القادمة من شأنه أن يكون محبطاً، ويبدو أن مآله الفشل أيضاً. ولا يعني هذا وجوب التخلي عن معركــة الوعي والرأي العام، ولكن في معركة كهــذه لا توجد ولن توجد انتصارات ســهلة وتلخص في صورة واحدة.

وبالتالي، يجدر بنا أن نتواضع ونكتفي بإنجازات أقل صخباً، وأكثر من مجرد صورة نصر واحدة. كما يمكن أن نواسي بعضنا بالانتصارا­ت التي تتحقق ليس في ميدان المعركة الكلاســيك­ي بل وفي ساحات أخرى. فالارتباط بين جنود الجيش الإســرائي­لي والجمهور الحريدي في «بني براك» هــو انتصار واضح للمجتمع الإســرائي­لي بمخاوفــه. في الوقت الحالي، ســنرى أن ألف صورة كهذه أفضل من الثمن الذي يرافق صورة نصر كلاسيكية واحدة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom