Al-Quds Al-Arabi

لاستمرار بقاء إسرائيل: كيف يمكن «تحديث» الصهيونية لتحافظ على مسار مؤسسيها؟

- ايتان ادراس وروبين غال

■ لا يتاح لكل أمة أن تســتيقظ يومياً على فرصة لإجراء تغيير، فضئيلة هي الفرص التي تُمنح للأمم كي تعيد تعريف نفسها من جديد. وربما هذا ما تحتاج إليه إسرائيل في الوقت الحالي. في السنتين الأخيرتين، مُنح مواطنو الدولة أربع فرص كهذه في الجــولات الانتخابية الأربع التي فرضت عليهم بشكل قسري. وكأن شيئاً ما رسم علم الدولة بصورة عكسية وحول ألوانه من «أزرق أبيض» إلى أســود غامق. وهو في جولة الانتخابات الأخيرة كان قــد ابتلع كل الأوراق مــرة أخرى. ربما يجب الاســتيقا­ظ وتغيير الطريقة، وتغيير الفكرة المنظمة التي أدت إلى قيام الدولة قبل 73 سنة.

شــيء ما لا يســتقيم في الطريقة التي ترتكز منذ سنوات على الأجندة نفســها، التي بدلاً من أن تقود الشــعب إلى مســتقبل مزدهر على أســس اجتماعية من الاحترام المتبادل والتضامن، باتت تعمق الشرخ والاستقطاب داخل المجتمع الإســرائي­لي. أضيفــوا إلى ذلك وباء كورونا وســتحصلون علــى أزمة اقتصاديــة، واجتماعية – ثقافية، بدأت تهدد اســتقرار الوجود الصهيوني، والتي من المشــكوك فيه أن يكون الآباء المؤسســون للدولة قد فكروا فيها.

الحاجة إلــى إعادة فحص مســائل أساســية قيمية ومســائل تتعلق بالأنظمة، والتي تتعلق بمســتقبل الدولة، باتــت الحاجة ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وحاسمة بالنسبة لإسرائيل، ربما في هذا الوقت تحديداً مع انخفاض حدة المرض.

الفكرة المنظمــة التي أدت إلى إقامــة الدولة هــي الصهيونية. كحركة قوميــة أيديولوجية تؤيد إقامة دولة يهودية في أرض إســرائيل، قامت في نهاية القرن التاســع عشــر، حيث كانت قيمها مغروسة في نظريات قديمة، ومغروســة في تقاليد دينية وفي الأفكار القومية التــي ازدهرت في أوروبا حينذاك. كانت أهدافها العودة إلى صهيون، ولم الشــتات وترسيخ سيادة يهودية مستقلة. اعتبر بنيامين زئيف هرتسل، الذي وضع فكرة الصهيونية الحديثة، مجموعة كبيرة من الأفكار، من بينها الســعي إلى الكمال الروحي والأخلاقي.

منــذ إقامة الدولة فــي 1948 واصلــت الحركة الصهيونيــ­ة تأييد هذه الخطــوط من خلال الحفاظ علــى أمن الدولة، لكن فــي الهجمات الأخيرة، ســواء كان هذا في ظل أزمة كورونا أو بســبب صراعات سياســية وتقديم لوائــح اتهام ضد رئيس الحكومة، اتســعت الفجوات فــي خارطة الحركة الصهيونية، ولم يعد بالإمكان تجاهل حقيقة أن ثلث مواطني الدولة تقريباً، خصوصاً العرب والمتدينين، غير متماهين في هذه الأثناء مع قيمها.

التحديــات التي تواجهها الدولة تدعو إلى فحــص عميق للنماذج التي تشــكل وجه المجتمع في إسرائيل. هذه مهمة صعبة، تحوي في طياتها أيضاً فرصاً غير مســبوقة، تشمل تشخيص «أفكار منظمة» جديدة لصورة الدولة في العقود القادمة. تصدت لهذه المهمة 32 شــخصية معروفة، نساء ورجالاً، ورواداً في مجالات مختلفة من كل أطراف الطيف السياسي، وذوي خلفيات وعقائد ومواقف وأعمار مختلفة. بمحادثات شخصية معمقة مع كتاب المقال، شــاركت هذه الشــخصيات أفكارها ومخاوفها وأملها حول مستقبل دولة إســرائيل. وأشــاروا في هذه المحادثات إلى «الفكرة المنظمة» والقيم المهمة )بالنســبة لهم( التي يجب عليها أن يرتكز المجتمع في إســرائيل في العقود القادمة.

على الرغم مــن تنوع من أجريت معهم المقابــات والآراء المطروحة، إلا أن من بادروا للمشــروع )طاقم من الباحثين في مؤسســة شموئيل نئمان لابحاث السياســات الوطنية، الذي ضم -إضافة إلى كتاب المقال- رئيس المؤسســة البروفيســ­ور زئيف تدمر، الذي كان رئيس التخنيون ســابقاً، والبروفيسـ­ـور عيراد يفني مدير عام مؤسســة شــموئيل نئمان(، لاحظوا وجود قاســم مشــترك. وأدت المحادثات، كما تبين، إلى التكتل حول مبادئ وثيقة الاســتقلا­ل، مــع التركيز على الظــروف الضروريــة التي تمكن من تحقيق قيمها: الأمن والمناعة والصلابة وبلورة أنظمة واســتقرار­ها وقواعد لعب )طريقــة انتخاب تقود إلى اســتقرار الحكم وتقليــص القوة الزائدة للمجموعات الهامشــية(؛ وتحديد العلاقات بين الســلطات )فصل، توازن

وكوابح(، وتعزيز مكانة المســتوى المهني. ورغم المعضلات الكثيرة وتنوع الآراء، إلا أنــه كان واضحاً للجميع وجود مواضيــع نموذجية بحاجة إلى الفحص والتحديث للحفاظ على مستقبل مستقر لدولة إسرائيل:

· جهــاز التعليم. نحتاج إلى نظام تعليم من أجل تفكير انتقادي، وقيم، والعيــش مع خلافات وتنمية قدرة اســتيعاب لمجموعات وثقافات مختلفة. هناك حاجة إلى ضمان تعليم المواضيع الأساسية لكل أولاد إسرائيل، خاصة اللغة العبرية واللغة الإنجليزية والرياضيات. وما يتفق عليه الكثيرون هو الحاجة إلى تعزيز التعليم والتربية على التراث الثقافي اليهودي في اندماج مع ثماره الإسرائيلي­ة، وبالطبع، الحاجة إلى تعزيز مكانة المعلمين.

· اليهودية والديمقراط­ية. هناك اتفاق واســع )يضم عرباً أجريت معهم مقابــات( بخصوص أهمية هــذا الدمج، رغم أنه يظهــر تناقضات أحياناً. الكثيرون أشــاروا إلى أهمية قانون العودة، وإلى غياب ذكر قيمة المساواة في قانــون القومية، الذي يحتل أهمية عميقة في أوســاط المجتمع الدرزي. والمساواة والحفاظ على حقوق الإنســان، مثلما تم التعبير عنها في وثيقة الاستقلال، هي من خصائص اليهودية التي تخلق الربط بقيم الديمقراطي­ة الليبرالية وتعزيز القيم الاجتماعية.

وقــد تم التأكيــد على الفصــل بــن الديمقراطي­ــة القوميــة المتطرفة والديمقراط­ية الليبراليـ­ـة. «الديمقراطي­ة القومية المتطرفة بضم «اليهودية» ستفرغ الديمقراطي­ة من مضمونها الحقيقي »، قال أحد المشاركين في المشروع.

· اقتصاد ســوق تقليدي. الأزمــة تخلق تغييراً نموذجيــاً بالنظر إلى وظائف الدولة في منح شــبكة أمان محدثة لمواطنيهــ­ا. والقصد هو ملاءمة دولة الرفاه مع الواقع الجديد الذي يشــمل معدل حيــاة طويلاً إلى جانب زيادة عدد الســكان الذي يؤدي إلى عملية تمدن كبيــرة. إضافة إلى ذلك، يشــير مؤيدو حماية البيئة والتغييرات الجارية فــي العالم والطاقة، إلى توقع حدوث صراع كبير على الموارد، وهو صراع ليس أيديولوجياً، بل على طبيعة السلوك.

· الحوكمة. معنى هذا هو البحث عن الجيد المشترك، ورفض الأصولية وتعزيز التكتل. أي الحفاظ على حلم مشترك، مع وضع مصلحة المجموع فوق المطامح السياسية المختلف عليها. هذه المقاربة تسمح بدمج ثقافات وتعامل معقول ومتســامح مع العوامــل المغايرة في المجتمع مثل جــزء من المجتمع الأصولي والمجتمع العربي.

· إســرائيل في الشــرق الأوســط. هناك ازدواجية قيمية في التعامل مع الثقافــة الغربية والديمقراط­يــة ومع التقدم التكنولوجـ­ـي، إلى جانب الاعتراف بجيرتنا مع دول الشــرق الأوسط، التي لا يمكن تجاهلها وتجاهل المعنى الجيوسياسـ­ـي للقرب منها. لذلك، علينا الحفاظ على توجه غربي – هناك أيضاً تفوقنا نســبياً – إلى جانب الاندماج الفعلي في المنطقة. واعتقد من أجريت معهم المقابلات في المشــروع، أنه يجب البحث عن طرق لتطوير العلاقات مع الدول الكبيرة الثقافية فــي المنطقة، مثل إيران وتركيا ومصر. معظمهم )ليس جميعهم( وأشــاروا إلى أن إيجاد حــل )ربما كونفيدرالي( للنزاع مع الفلسطينيي­ن هو مهم في شــبكة العلاقات في المنطقة والاستقرار الداخلــي لدولة إســرائيل، لكن كان هنــاك اتفاق بأنه «يصعــب أن نكون متفائلين في هذه الأثناء بخصوص بلورة حل قابل للحياة».

· إسرائيل بين الشــعوب. العولمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعي­ة، تلزم إســرائيل بفحــص النماذج القائمة فــي علاقاتنا مع القــوى الدولية المختلفة.

تحليل المقابلات هذا قاد الباحثين إلى الاستنتاج بأن هناك قاسماً مشتركاً كبيراً جداً حتى في أوســاط أصحاب مواقــف متنوعة ومختلفة، وأنه يمكن إيجاد أساس مشترك لفكرة منظمة، على أســاس مبادئ وثيقة الاستقلال، التي يمكن أن تجسر الفوارق والانقساما­ت التي تميز في هذه الأثناء المجتمع الإسرائيلي. كل الشــخصيات التي أجريت معها المقابلات تتفق تقريباً على أن الوضع القائم يقوض الأســس التي قامت عليها الفكرة الصهيونية مثلما عرفها الآباء المؤسســون، وأن الحاجة إلى بلورة أفــكار منظمة هي حاجة واضحة وفورية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom