Al-Quds Al-Arabi

العدوان الإسرائيلي ورد إيران الذكي

- *رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

يبدو أن توقيت التفجير في مفاعل نطنز الإيرانــي جاء بتدبير إســرائيلي مدروس تزامنا مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوســتين، وبعد وصول أنباء عن تقدم في مفاوضات فيينا حول عودة الولايات المتحدة، إلى اتفــاق 2015 مع إيران، وفي خضم الانتخابات الإيرانية، وفي تزامن مع المسعى المحموم الذي يقوم به رئيس الوزراء الإســرائي­لي بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة.

جاء هذا التفجير في إطار استراتيجية «المعركة بين الحروب»، التي تتبعها إســرائيل منذ عام 2016، والتي شــملت استهداف المنشــآت النوويــة الإيرانيــ­ة، والتواجد والتأثيــر الإيرانيين فــي ســوريا والعراق ولبنــان، والســفن البحريــة التجارية والعســكري­ة الإيرانية في عرض البحر، وشملت ايضا اغتيالات لعلماء وعســكريين إيرانيين، واستهدافا لســوريين ولبنانيين وفلســطيني­ين، تتهمهم إســرائيل بالارتباط بالجهد العسكري، وبمشاريع التسلح، وتدقيق الصواريخ الإيرانية. وما حدث هذا الأســبوع من تصعيد بقي في إطار «المعركة بين الحروب» وليس فيه خروج عن حدوده، فلا إسرائيل تريد حرباً شاملة ولا إيران.

لقد انتشــرت في الماضي تحليلات وتقديرات، بأن إســرائيل ســتضطر إلى وقف اعتداءاتها المتكررة ضــد إيران ومصالحها في المنطقة، خوفاً من اندلاع حرب شــاملة مدمرة. هذا لم يحدث،

وما يجري هذه الأيام هو العكس وإســرائيل أكثــر اندفاعاً في عدوانهــا، حيث تقــدر أن التأثير الأمريكي فــي إيران قد تقلص بعد انتخــاب بايدن، الذي يعبر عن اســتعداده لرفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي بشــروط، لا تكتفي بها إسرائيل. أكثر من ذلك، القراءة الإسرائيلي­ة هي أن الانسحاب الأمريكي المرتقب من العراق وســوريا وأفغانســت­ان، يخلق حالة فراغ، ستضطر إســرائيل إلى ملئه حفاظاً على «أمنها» وعلــى أمن حلفائها في المنطقــة، مع الفرق الشاســع في التعاطي مــع الأمنَين. قبل عقد من الزمن، جرى تدمير قســم كبير مــن أجهزة الطرد المركزي في منشــأة نووية إيرانية. كانــت تلك عملية إســرائيلي­ة أمريكية مشــتركة، هدفت إلى إبطاء تقدم إيران نحو إنتاج سلاح نووي، وإلى جرها إلى مفاوضات دبلوماسية، للتوصل إلى اتفاق. يبدو هذه المرة أن إســرائيل قامت بالعملية لوحدها، مع احتمال كبير أنها استعانت بمعلومات مخابراتية أمريكية، فالولايات المتحدة أعدت في الماضي، كما ذكــرت صحيفة «نيويورك تايمز»، خططاً تستهدف الشبكات الكهربائية في إيران )عموما وفي بعض المدن والمواقع(، لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ أمريكياً، وإســرائيل هي التي استفادت منها في إطار التعاون الأمني الوثيق والحميم بين الأجهزة العسكرية والمخابرات­ية في البلدين. من غير المعقول أن إســرائيل فاجأت الأمريكيــ­ن بمثل هذه العمليــة، وفي يوم زيارة وزير الدفاع الأمريكي. لقــد رفض المتحدثون الأمريكيون الرد على ســؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أُبلغت بعملية نطنــز، ولم يذكر الوزيــر الأمريكي كلمة «إيــران» في مؤتمرَين صحافيَــن عقدهما خلال مكوثه في إســرائيل، في أول زيارة له خارج الولايات المتحدة بعد توليــه المنصب. الأرجح أن الإدارة الأمريكيــ­ة كانت على علم مســبق بالعملية الإســرائي­لية، فمن الصعب تصور أن إسرائيل كانت ستفاجئ وزير الدفاع الأمريكي وهو يهبــط بطائرته في تل أبيب، من دون أن تعرف مســبقا رد فعله، الذي كان في الواقع صمتــا متفقا عليه. ويقودنا التحليل لطبيعة العلاقات الإسرائيلي­ة الأمريكية إلى أن هناك تنسيقاً بين البلدين تقوم إســرائيل، تبعا له، بتنفيذ «أعمال قذرة» لإضعاف موقــف إيران فــي المفاوضات، وتلــوح فيه الولايــات المتحدة بأنها «لا تســتطيع» كبح جماح الجنون الإسرائيلي، إذا لم تقبل إيران بالشروط الأمريكية. ومن المهم الإشارة إلى تسريبات من جهات أمنية إسرائيلية مفادها أن الولايات المتحدة لم تطلب من إسرائيل وقف ما يســمى «حرب الظل» ضد إيران وضد المصالح الإيرانية.

يبدو أن إيران قرأت جيدا أن الهدف من تخريب شــبكة تزويد الطاقة في المنشــأة النووية في نطنز هــو إضعاف موقف إيران التفاوضي في فيينا، وإضعاف برنامج التخصيب، فردت بذكاء وأبلغت وكالة الطاقة النووية الدولية عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم من %3.67 كمــا ينص الاتفاق النووي إلى %60 ما يجعلها تقترب من نســبة %90 اللازمة لإنتاج السلاح النووي. هذا ليس ردا على الهجوم الإسرائيلي فحسب، بل محاولة إيرانية لتقوية الموقف في المفاوضات، عبر اســتعمال نســبة التخصيب المرتفعة كورقة ضغط تفاوضية. كذلك أعلنت إيران عن استبدال أجهزة الطرد المركزي التي أتلفها التفجير في عمق أرض منشــأة نطنز، بأجهزة جديدة أكثر نجاعة في إنتاج اليورانيوم المخصب. هاتــان الخطوتان هما رســالة واضحة للجميع بــأن الهجمات الإسرائيلي­ة تؤدي إلى تسريع المشروع النووي الإيراني وليس إلى وقفه أو ابطائه. أما إطلاق الصواريخ الإيرانية على السفينة التجارية «هيبريون ري»، التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر، والتي ابحرت قبالة ســاحل الفجيرة في الإمارات، فهو في مجال «الحرب البحرية»، ورد على الهجمة الإســرائي­لية على ســفينة «ســافيز» الإيرانية في البحر الأحمر. وإذ تباهت إسرائيل بأن الأضرار كانت بســيطة وبأنه لم يكن إسرائيليون على متن الســفينة، فإنه من الجلي أن إيران لم ترد سوى توجيه رســالة إلى إســرائيل بأنها قــادرة على إصابة الهــدف بدقة، وتستطيع تدمير هذه السفينة أو غيرها عند الحاجة. والأضرار البسيطة كانت تعبيرا عن الدقة في الاستهداف، وليست نتيجة خطأ في التصويب. أما الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن تفجير مكتب للموســاد في كردســتان العراق، فهي غير مسندة بالأدلة حتى الآن، وتعاملت معها وســائل الإعلام الإســرائي­لية على أنها «أخبار غير موثوقة.»

من شــبه المؤكد أن هناك وجوداً للموســاد في مناطق شمال العــراق، إذ ترتبط أطراف كرديــة، وجهات أمنية إســرائيلي­ة بعلاقات وثيقة ومتواصلة منذ عشــرات الســنين. هذا الوجود الإسرائيلي على أراض عراقية سيادية يناقض القانون العراقي، وسياســة بغــداد الرســمية، وآن الأوان للتعامل معــه عراقيا وعربيا، إذا صح التعبير الثاني.

تتجاوز الخطة الإســرائي­لية مســألة توجيــه ضربات إلى المشروع النووي الإيراني، وتعطيل مؤقت لأجهزة طرد مركزي، وتهدف أيضا إلى التأثير في الحالة السياســية في إيران، عشية الانتخابات الرئاســية هناك. أكثر ما يزعج إســرائيل أن يكون الموقــف الإيراني متوازنــا ومنفتحا على التفاهــم والاتفاق مع المجتمع الدولي. هي تريد وتفضل نظاماً يقبل بشــروطها، لكنها تعلم أن هذا أمر مســتحيل، لذا تســعى، عبر هجماتها المتكررة وعبر التصعيد المتواصل، إلى خلق حالة من الغليان في المجتمع الإيراني يدفع باتجاه هيمنة التيار المحافظ والمتشدد، أملًا منها بأن يقوم هذا التيار برفض كل شروط الولايات المتحدة، ويدخل في صدام مجدد معها ومع غيرها. وعندها سيكون من الأسهل إقامة تحالف دولي لمحاصرة إيران ووقف برنامجها النووي بالشروط الإسرائيلي­ة. على الرغم من الأهمية التي توليها المؤسسة الأمنية والسياســي­ة في إســرائيل لمواجهــة «التهديد الاســترات­يجي الإيراني»، إلا أن رئيس الوزراء الإســرائي­لي، بنيامين نتنياهو، مشــغول بخطر داهم آخر وهو عدم قدرته على تشكيل حكومة، وإمكانية خســارته لمقعد رئاســة الحكومة، وتعرضه للمحاكمة كمواطن عادي، ما يزيد من احتمال دخوله السجن، كما حدث مع سلفه إيهود أولمرت، الذي قال هذه الأسبوع إن «نتنياهو يتبجح مختالًا وهو مستعد لبيع أمن إسرائيل مقابل أمنه الشخصي». لم يكن هذا موقف أولمرت وحده، فقد تحدث وزير الأمن الإسرائيلي بكلمــات مشــابهة وطلب من الشــاباك التحقيق في «تســريب خطير لمعلومات امنية حساســة». المهم أن لا نقاش في إسرائيل حول العملية نفســها، بل فقــط حول تســريب معلومات عنها. هناك شــبه إجماع لدى المحللين والصحافيين في إســرائيل أن التسريب جاء من مكتب نتنياهو ومكتب حليفه ووريثه المفضل، رئيس الموساد يوسي كوهين. ومن الواضح أن خلق حالة طوارئ أمنية قد تشــكل غطاءً لمن رفضوا حتى الآن الدخول في حكومة مع متهم بالفســاد، كما يقولون. التسريب هو مصلحة سياسية لنتنياهــو، وحتى لو عارضته المؤسســة الأمنية، فهو لن يتورع عن القيام بالمزيد من التصعيد والتسريب، إذا اعتقد أن هذا يزيد من فرص تشــكيله لحكومة جديدة. لهذا نتنياهو هذه الأيام هو كالذئب الجريح، وخطير بالذات لأنه يشعر بأنه بدأ يضعف. أما العرب، الذين تحالفوا معه عله يســاعدهم في حماية عروشهم، فعليهم أن يعلموا أنه لم يعد قادرا على حماية عرشــه هو. على هؤلاء العــرب أن يفكروا قليلًا بما يحدث فــي المنطقة: الولايات المتحدة تنسحب وتســعى للتفاهم مع إيران، وإسرائيل تتخبط ولن تعينهم بشــيء. لقد آن الأوان لمبادرة سلام عربية جديدة، سلام مباشــر مع إيران، العرب مع جيرانهم الفرس بلا وساطة أمريكية، وبلا احتماء بالمظلة الإسرائيلي­ة المخرومة. آن الأوان أن يكون العرب مع أنفسهم وليس عرب أمريكا أو «عرب إسرائيل.»

تتجاوز الخطة الإسرائيلي­ة توجيه ضربات للمشروع النووي الإيراني، وتهدف للتأثير في الحالة السياسية في إيران

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom