Al-Quds Al-Arabi

«به وطنم خيانت خواهم كرد»

- *كاتب فلسطيني

العنــوان أعــاه، هو ترجمــة غوغل لعبارة «سأخون وطني» من العربية إلى الفارسية.

السّهولة التي ينفذ فيها الموساد أهدافه من تخريب واغتيالات في العمق الإيراني، تدعو إلى التساؤل، هذه كلها قدرات وشــطارة موســاد؟ أم أنه ضعف داخلي،..أم ماذا؟

لقد سبق أن سرق عملاء الموساد في يناير عام 2018، وثائق ســرية تتعلق في البرنامج النووي الإيراني، تقدَّر بعشــرات آلاف الوثائق، من مخزن ما في طهران، كانت قد نقلت إليه من مفاعل نطنز، وبحسب المصادر الإسرائيلي­ة اشترك في العملية حوالي عشــرين عنصراً، كان بينهم إيرانيــون حملوا عتاداً وأجهزة عمل واختراق.

عمل الفريق المقتحم في وقتها أكثر من ست ساعات لاختراق الخزنة، ونقل الوثائق منها إلى شــاحنات، وفي الصباح، حين اكتشــف الإيرانيون الأمر، وبدأوا بالبحث عن المعتدين، كانت الوثائق قد وصلــت أراضي أذربيجان، ومن ثم شُــحِنَت إلى إسرائيل.

بعدها فــي يوليو 2020، تعرّض المفاعــل إلى حريق داخلي نتيجــة اعتداء، قيل إنــه هجوم إلكتروني، وقيــل إنه تفجير شــحنة ناســفة، وقيل إنه صاروخ موجّه. وفي نوفمبر 2020 اغتيل العالم فخري زادة في طهــران، الرجل الذي وقف على رأس المشروع النووي الإيراني.

إضافة إلى هذا، جرت عمليات تخريب كثيرة في مؤسسات حيوية، منها ما نُفِّذ بواسطة الهجمات الإلكتروني­ة، مثل تعطيل مولِّدات كهربــاء ومصادر طاقــة من بعيد، ومنهــا ما يحتاج إلى عمل بشــري مباشــر، مثــل عمليات الاغتيــال والتفجير وســرقة الوثائق. هذا يعني أن الحلقات الأمنية والعســكري­ة والاقتصادي­ة الأشــد حساســية في إيران، مخترقــة من قبل الموســاد. تتّهم إيران بعض خبــراء ومفتشــي وكالة الطاقة الدولية بالتعــاون مع الموســاد، وهذا أمرٌ مفــروغ منه، فمن الطبيعي أن يحاول الموساد تجنيد خبراء كهؤلاء، وخصوصاً أولئك الذين شاركوا ويشاركون في بعثات التفتيش في إيران أو غيرها، وبلا شك أن بينهم من يمكن تجنيده، سواء لقناعات فكرية وأيديولوجي­ة تعاطفاً مع إســرائيل، أو لأســباب أخرى مثل كســب المال، أو الحصول على دعم فــي مجالات أخرى. لا تعتمد إنجازات الموســاد علــى قدراته لوحده، بــل هي ثمرة تعاون لعدد من أجهزة المخابرات الأجنبية مع الموســاد، ومنها أجهزة مخابرات متقدمة عالمياً، وعلى رأســها وكالة المخابرات الأمريكية، ومنذ زمن بعيد، وأجهزة مخابرات أوروبية متقدّمة على مســتوى العالم، تتعاطف حكوماتها مع إسرائيل، إضافة إلى بعض أجهزة المخابرات العربية المتعاونة مع الموساد، ومع من يتعاونون معه، لأهداف ومصالح متبادلة، تصل إلى العمل المشترك لحماية أنظمة بعينها.

سهولة اختراق الموســاد والوصول إلى نقاط حسّاسة في إيــران، لا يدل فقط علــى قدرات هذا الجهاز وشــبكة علاقاته الواســعة، بل يدل على ضعف النظام الإيراني نفســه، الذي يبــدو أنه دفع كثيرين من أبناء شــعبه إلى خانــة العداء له، ومنهم قريبون من مصادر المعلومات والمواقع الحسَّاســة جداً. إن أي عداء للنظام أو كراهية له لا يبرّر خيانة بعضهم لوطنه، وطبعا هذا لم يقصــده محمد الماغوط ولم يبــرّره في مقولته الساخرة بمرارة «سأخون وطني»، ولكن هذه الكراهية تفسّر سهولة اختراق أجهزة مخابرات أجنبية لأسرار أي دولة كانت، فالشــعوب التي تتمتع بالحرّية، وحيث يحصل المواطن على حقوقه، ويشــعر بأنه جزءٌ من الدولة والوطن، ومن إنجازاته وخيراته، وبأنه يســتطيع التعبيرعن كلِّ مــا يدور في خلده، بدون ملاحقة، وعن معتقداته سواء اتفق مع عقيدة النظام أو اختلف عنه بدون عقاب، وبأن كرامته الإنســاني­ة في العيش الكــريم مضمونة، حينئذ ســيكون من الصعــب على أي عدو خارجي اســتمالته، لعدم وجود دافع فكــري أو أيديولوجي أوّلا، ولأن كرامته الوطنية ســتردعه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في أمن بلاده وشعبه، إلا في ما ندر ممن يبيعون أنفسهم بالمال. لكن حيث يكون الإنســان مقموعاً ومحروماً من أبسط الحقــوق، فإنــه يصبح هدفاً ســهلا للتجنيد مــن قبل أجهزة المخابــرا­ت المعادية التــي بإمكانها أن تغريــه بالتعاون على أساس أيديولوجي يرافقه دعم مالي.

لقد أعلنت إيران بأنها سترد بحزم على التفجير في مفاعلها النووي، ولكن مهما كان الرَّد حازمــا وقويا، فالحقيقة الجليَّة هي أن النِّظام أثبت فشله في حماية منشآته النووية والحيوية والعاملــن فيها، والمهــم أن العدوان عليها لــم يأت من خلال غارات أو صواريخ وصلت من أماكن بعيدة، بل إن هناك بشراً، ومنهم إيرانيون إن لــم يكن أكثرهم وحتى جميعهم، قد دخلوا بأرجلهــم وأيديهم وأبصارهم، وســرقوا وثائق وزرعوا مواد وأجهزة تفجير، وأفســدوا في أمكنة يفتــرض أن تكون الأكثر حماية في دولة تتصدى لمثل هذه المشاريع المصيرية، والأرجح أن الموســاد أو غيره ما كان ليســجّل مثل هذه النجاحات، لو كان النظام الإيراني متصالحاً مع جميع أبناء شــعبه ويحظى باحترامهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom