تجديد شرعية النظام السياسي والمشروع الوطني الفلسطيني لإنهاء الاحتلال والعودة
في ظــل التباين فــي التقدير السياســي، بل فــي المواقف السياســية والفكرية أحيانا بين مختلف الفرقاء الفلسطينيين، وفي ظــل التجــارب المريرة لتداعيــات الانقســام، التي كان آخرها الانقســام الجغرافي والمؤسســي عــام 2007، وفي ظل تباين المقاربــات الوطنية للتحرير والعودة، وبناء المســتقبل الفلســطيني وإنهاء الاحتلال، فإن الخطــوات التي بدأت بين فصائل المقاومــة والعمل الوطني الفلســطيني لقيادة وتفعيل المواجهة الوطنية لـ»صفقة القرن» ومخطط الضم الإسرائيلي عام 2020، قد شــكّلت ديناميكية نوعية في الســاحة الوطنية الفلسطينية.
وقــد تركزت هــذه الخطوات على أســاس تقويــة الموقف الوطني وتوحيده، ومنع تصفية القضية الفلسطينية، ومقاومة الاحتــال حتى اندحــاره، وكذلك في التوافقــات بين فصائل العمل الوطني على خطوتين مهمتين، هما: أولا اعتماد «المقاومة الشعبية» ســبيلاً لمواجهة الاحتلال وإنهائه في الضفة الغربية ولهــذه المرحلــة، وتوجه جماعي مشــترك، وبقيــادة وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال. ثانيا، اعتماد تجديد «شرعية النظام السياسي والمشروع الوطني الفلسطيني» بكل مستوياته، عبر إجراء انتخابات لكل المؤسسات المشكلة لهذا النظام، والاستناد إلى رؤية وبرنامج سياسي ينبثق عن «وثيقة الوفاق الوطني» التي وقّعت عليها الفصائل الفلسطينية جميعاً عام 2006.
ولذلك فإن التفكير الفلســطيني الجديد، لابد أن يستند إلى رؤية محــددة بمراحلها المختلفة، ويقترح هــذا المقال أن تكون الرؤيــة بمراحلها عبــر ثلاث مراحــل، ولكل مرحلــة أهدافها
وبرامجها التي تنبثق عن تفكير وتخطيط وطني مشــترك بين جميع الفصائل، والقوى والفعاليات والشــخصيات الوطنية الأخرى.
ويمكن اعتبار أولويــات وأهداف المرحلــة الأولى، التي تم التوافق عليها قائمــة على تحقيق المصالحــة الوطنية وإنهاء الانقســام، الذي ســاد البيئة الفلســطينية منذ عــام 2007، وتجديد شــرعية المرجعيات السياسية الفلســطينية للداخل والخارج، ويشــمل ذلك كلاً من المجلس التشــريعي، ورئاسة الســلطة الوطنية، والمجلس الوطني الفلســطيني، ورئاســة منظمة التحرير الفلســطينية، وتجديد الشــرعية السياسية لفصائل العمل الوطني والفصائل المقاومة، إضافة إلى الشرعية النضاليــة الواقعيــة، ومحاربة أي تصنيفــات بالإرهاب، لأي منها في العالم، وتجديد المشــهد الفلسطيني الموحد في الداخل والخارج، أمام التحديات التي يفرضها الاحتلال الإســرائيلي، والصهيونيــة العالميــة، بخصــوص الموقــف مــن القضيــة الفلســطينية، ولمواجهة السياسات الإسرائيلية كقوة احتلال، على مستوى العالم بوسائل الكفاح والنضال الوطني كافة.
أما المرحلة الثانية، وهي التــي تبدأ بعد انتهاء الانتخابات، فتعمل القــوى الوطنية بأولويات وأهــداف خاصة بها، تتمثل في تفعيل المقاومة الشــعبية ضد الاحتلال فــي الضفة الغربية وقطاع غــزة والقدس، بقيادة وطنية موحــدة، ودعم النضال الوطني في الأراضي المحتلة عام 1948، وفق ما تم الاتفاق عليه فــي اجتماع الأمناء العامين للفصائل فــي بيروت ورام الله في 3/9/2020، وكذلك اعتمــاد وثيقة الوفاق الوطنــي، التي وُقِّع عليهــا في قطاع غزة فــي 6/2020/26 من قبــل جميع الفصائل الفلسطينية، كمرجعية سياســية ونضالية للعمل الفلسطيني المشــترك، والتوصل إلى رؤية جديدة لبناء وتفعيل المشــروع الوطني الفلسطيني واستراتيجياته.
أما المرحلــة الثالثة فتتمثــل أولوياتهــا وأهدافها، بتوحيد الجهود الفلســطينية الدولية لدعم هــذه التوجهات الوطنية، وحشــد الرأي العــام العربــي والإســامي والدولــي وراء هــذه السياســات، ووضــع اســتراتيجية فــك الارتباط مع الاحتلال، والشــروع بتنفيذها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وخلال فترة محددة، وفق خطة مبرمجة وموحدة، وحمايــة وتحقيق الثوابت والحقوق الوطنية المشــروعة، خاصــة العودة وتقريــر المصير، وإنهاء الاحتلال، وبناء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القــدس، وتضطلــع كل القــوى الفلســطينية والمؤسســات السياسية الفلسطينية بحماية ودعم مشروع المقاومة بأشكالها كافة، بوصفه مساراً مشروعاً حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العودة.
ويطرح هذا التحليــل رؤية وطنية يمكن الاتفــاق عليها أو على مثيل لهــا مطور بين القوى السياســية والمجموع الوطني في الداخل والخارج، ومن المعلوم أن ثمة عقبات، ربما تاريخية أو أيديولوجية، وبعضها لأســباب تنظيمية وسياسية، وربما بعضها لحســابات تجاه أطراف عربية وإقليمية ودولية، لكنّ التوافق على المســار نحــو تحقيق الأهداف الكبــرى، وقيادة النضال بتناغم وتنسيق وبشكل موحّد، وبتكامل أدوار مرسوم
متفهم من الجميع، والإصرار على التمســك بالثوابت الوطنية المشــروعة حتى إنجاز التحرير والعــودة، يمكن أن يجعل هذا التفكير ومثائلــه ومقترحاته واقعاً حقيقياً. وهي محاولة لفتح الأفق أمام خيــارات جديدة وإرادة وطنية جديدة، ووقف لهدر الزمن والطاقات والإمكانات خلال المســيرة الوطنية، ولترتقي القيادات السياســية وقيادات المقاومة إلى مســتوى متطلبات القضية وتحقيق المشــروع الوطني وإنهاء الاحتلال والعودة. ولذلك فــإن كثيراً من التحديات والعقبــات يمكن تجاوزها في حال نجح الفلســطينيون في بناء الروح الوطنية الوحدوية، وفي حال أضعفوا تأثير الأطراف الخارجية السلبي، وفي حال حشــدوا قوتهم وقوة الأمة العربية والإسلامية خلفهم، كلٌّ بما يستطيع، مع تفهم ظروف كل الإخوة والأصدقاء خارج المعادلة الفلســطينية، وبلا لوم ولا عتب، فإن مثل هذا التفكير سيكون له موقعه المؤثر والمتقدم والمحقق للأهداف وفق هذه الأولويات المقترحة.
وتعــدّ هــذه المقترحــات مطروحة علــى طاولــة البحث والتفكير والتشــريح والتطوير والتحديث، بين يدي كل القوى الفلسطينية والشخصيات الوطنية والخبراء والمتخصصين من كل الأمة العربية والإسلامية وأصدقاء القضية في العالم، بهدف إثرائها والتوصل إلى رؤية متقدمة عليها تتمتع بالواقعية أكثر من جهة، والالتزام الوطني الأعمق من جهة ثانية.