Al-Quds Al-Arabi

بعد سوريا... هل تمسك موسكو بزمام الحل في اليمن؟

- PMC

■ مــا كانت روســيا «البوتينية» لتحلم بمشــهد إقليمي ودولي يمهد لعودتها إلى الســاحة الدولية، بعد عشــر ســنوات من الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، تيتّمت فيها تيارات اليسار بعد غيــاب «الأب الروحي» الراعــي لنضالاتها، كالحال التــي آل إليها العالم منذ عام 2000. لكن روســيا في عهد بوتــن لم تكن وفية لشــيء من إرث أســافها السوفييت إلا لطموح اســتعادة مناطق النفوذ التي تشــرذمت خلال ســنوات الضياع التأسيسية إبان حقبة سلفه «يلتسين».

من جورجيا إلى أوكرانيا مرورا بســوريا، وطئت موسكو المياه الدافئة عبر البوابة الشامية، فوضعت يدها على كل ملفات الحل السياســي والعسكري في ســوريا، بعد أن انكفــأت الدول الأخرى، ولا ســيما الولايــات المتحــدة والاتحاد الأوروبــي، فضلا عن الدول العربية، لتعود موســكو إلى مســرح صناعة الأحــداث الدولية مــن بوابة الفيتو الــذي ادخرته طويــا لتســتعمله أكثر من مــرة لتعطيــل أي حل سياسي أو جهد إنساني في سوريا لا يمر عبر البوابة الروسية.

بعد المياه الدافئة في سوريا وشرق المتوسط، تروم موسكو الوصول إلى المياه «الدافئة جدا» عبر البوابة اليمنية، فالعلاقات اليمنية الروسية قديمة تعود إلى عام 1928 إبــان الحقبة الملكيــة المتوكلية، وارتكزت تاليا على معاهدتي التعاون والصداقة مع جمهورية اليمن الديمقراطي­ة الشــعبية عام 1979 في الجنوب، والجمهورية العربية اليمنية عام1984 في الشــمال، لكن دعم الاتحاد الســوفييت­ي كان «ضئيلاً» فلم تكن موســكو تبحث عن انتصار جنوبــي اليمن بل كانت مصلحتها تتمحور حول اســتخدام المرافق البحرية والجوية في عدن. ومع نهاية الحرب الباردة، تخلت موســكو عن قواعدها جنوب اليمن، وفقدت التأثير الجيوسياسي في المنطقة لصالح واشنطن.

ومع عودة روســيا إلى المنطقة وتراجــع التأثير الأمريكي، تبرز رغبة موســكو في مواجهة الغرب في جنوب غرب القارة الآسيوية لإعادة قوتها العسكرية والجيوسياس­ــية في البحر الأحمر وخليج عدن، وما حديث المســؤولي­ن الــروس عام 2009 عــن رغبتهم بإنشاء قاعدة عســكرية على مقربة من مضيف باب المندب ذي الأهمية الاستراتيج­ية سوى مؤشر واضح على ذلك.

تمتلك روسيا عدة أوراق للعبها في الملف اليمني، لا سيما بعد المبادرة السعودية في اليمن لوقف إطلاق النــار، فعلاقة موســكو المتوترة مــع الرياض إبان انفجار حرب النفط عام 2020 وهبوط أسعار توريده بضغط من الولايات المتحدة، يجعل من الملف اليمني

أولوية في ابتزاز الرياض في هذا الملف، لا ســيما أن روسيا تمتلك علاقات مع جماعة الحوثي عبر إيران، وأســرة علي عبد الله صالح )ابنه أحمــد المقيم في الإمارات( التي تربطها بهم علاقــات قديمة، وصلت إلى حد وعــد الرئيس المخلوع موســكو بقواعد في اليمن مقابل الحصول على دعم الروس قبل خلعه.

فــي الجنوب اليمنــي الذي يشــكل أهميــة أكبر لموســكو نظــرا لتاريخيــة العلاقة بينهمــا، تطمح روسيا إلى اســتعادة «قاعدة العند» قرب عدن التي كانت موجودة فيهــا، وكذلك الوصــول إلى جزيرة ســقطرى بالتعاون مع أبو ظبي التي لم تتوقف عن إغراء الــروس بالتدخل إلى صالح المجلس الانتقالي الجنوبــي ودعم موقفه الانفصالــ­ي مقابل الحصول على امتيازات عسكرية في جنوب اليمن.

ولأن كلفة أي تدخل عســكري مباشــر تظل كبيرة بالنســبة لروســيا، فهي تحــاول استنســاخ الحل السوري، عبر الهيمنة على علاقات إيران بالحوثيين من جهــة، وإمداداهم بالمستشــا­رين العســكريي­ن، وسط تســريبات عن إرسال شــركات أمنية روسية تدعى شــبيهةلمج­موعةفاغنرس­يئةالصيت في ســوريا وليبيا، لكنها تمتلك معدات عسكرية أكثر تطورا، وصولا إلى بســط هيمنتها على الحل اليمني عبر شبكة علاقتها المتشعبة شمال اليمن وجنوبه.

لا تهتم موســكو في اليمن بمــن ســيحكم البــاد، ولا بالأزمــة الإنســاني­ة التــي تضــرب أطناب شــعبه، هي تعنى بتوطيد وجودها العســكري في جنوب اليمن قرب مضيق باب المندب وإنشــاء قواعد لها في عدن وســقطرى، بعد أن وقعــت اتفاقا اســتراتيج­يا مع السودان لإنشاء قواعد عسكرية، مقابل دعم المجلس الانتقالي الممــول إماراتيا وطموحاتــه الانفصالية، في الســياق ذاتــه، مســاومة الرياض على شــكل الحكم شــمالي اليمن وانتظار العروض المقدمة إليها والمفاضلــ­ة بينها وبين العرض الحوثــي - الإيراني لضمان الاستقرار في اليمن، في مقابل دعم الحكومة الشــرعية المدعومة من الرياض، والأهم من ذلك كله لــي ذراع كل من الولايــات المتحــدة وبريطانيا في منطقة تعتبرانها مناطق نفوذ اســتراتيج­ي لهما على طريق إمدادات الطاقة والتجارة العالمية.

فهل تستنسخ موسكو المقاربة السورية في اليمن؟ وهل تتكشــف الأيام عن نفوذ متزايــد ووجود أمني وعســكري متزايد لروســيا في أقصى جنوب القارة الآسيوية وشبه الجزيرة العربية؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom