Al-Quds Al-Arabi

الأردن: هل انتهى «التحقيق الأمني» وبدأ «القضائي»... وما الذي يعنيه ذلك؟

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

أحيــل ملــف الفتنة فــي الأردن إلــى المدعي العــام لمحكمة أمن الدولة. فمــا الذي يعنيه ذلك بصورة محددة قانونياً وسياسياً؟

احتــاج الأمر إلــى 9 أيــام على الأقــل كانت عاصفة جداً في المشــهد السياســي والداخلي الأردنــي، لاســتكمال التحقيقــا­ت الأمنيــة وإنضاجهــا. والانتقــا­ل إلى مســتوى الادعاء العسكري في المحكمة يعني عملياً بأن الأجهزة الأمنيــة والمختصة أنهــت تحقيقاتها في الملف، وبدأت دائرة الادعاء مرحلة التحقيق القضائية الأولى.

والمتهمــو­ن عددهم حتى اللحظة - حســب بيــان وزيــر الخارجيــة- 18 شــخصاً أبرزهم رئيــس الديوان الملكي الأســبق الدكتور باســم عوض الله، وشخصية غامضة باسم الشريف حسن بن زيد.

فــي مرحلــة التحقيــق عنــد الادعــاء يمكن للمحامين وهيئات الدفــاع الحضور، وبطبيعة الحال طاقم هيئة الادعاء ســيكمل التحقيقات التــي تخصــه بنــاء علــى المعطيــات والوثائق التي تقدمت بها الأجهــزة الأمنية، وفي مرحلة الادعاء يمكــن اعتماد أو اســتبعاد أي دليل أو

معلومــة أو قرينة، لا بل -وهــذا الأهم- يمكن التوسع في التحقيق وتدشين مرحلة الاستماع إلــى شــهود أو اعتقــال المزيد من الأشــخاص وتوقيفهــم، أو أي من الترتيبات باســم الجهاز الأول في سلطة القضاء.

سياســياً، يعني ذلــك وبعيداً عــن اعتبارات الشــارع والإعــام، أن عمليــة «وزن» قانونيــة للوقائــع والبينات ســتجري إلى أن يســتكمل الادعــاء تحقيقاتــه، فيتــم الانتقال إلــى إعداد لائحــة الظن والاتهــام. والمعنى هنــا أن مرحلة علنية المحاكمــة تقترب، وأن تحقيقــات النيابة ســيطلع عليهــا عــدد أكبر من الأشــخاص قبل الانتقــال إلى محاكمــة علنية، وهــي خطوة ما كانــت الأمــور تصــل إليهــا إلا بعــد أن قدمــت الأجهــزة المختصــة للادعــاء المعطيــات التــي بــن يديهــا تحــت عنــوان أطــراف داخليــة وأخــرى خارجيــة عملت بنشــاط على مخطط لفتنة تزعــزع أمن واســتقرار المملكــة الأردنية الهاشمية.

طبيعــي توقــع بــروز معطيــات ومعلومات مثيرة جديدة وسلسلة إفصاحات أو تسريبات تنتج عن الاشتباك مع المحامين وهيئات الدفاع. وطبيعــي أيضاً القول بأن مزاج الشــارع يتابع كل صغيــرة وكبيرة في ســياق ملــف القضية التي حبســت أنفاس الأردنيين نحو أســبوعين وعبّر الملك عبد الله الثاني بســببها عن شعوره

بالصدمــة والألــم. الحكومــة قدمــت بدورهــا للرأي العام والأعيان بيانــات وإفصاحات من زاويتها لم تلبّ شغف الشارع بمعرفة حقيقة ما جرى، لكــن جهاز الحكومة هنا التزم بالأصول القانونيــ­ة، حيث ترك الإفراج عــن المعطيات أو تكييفها القانوني وطبيعة الاتهامات لســلطات محكمــة أمن الدولــة وللقضــاء المســتقل، في الوقــت الذي امتنع فيه رئيس الــوزراء الدكتور بشــر الخصاونة، عــن تحديد ماهيــة وطبيعة الجهــات الخارجيــة التــي قيــل إنهــا تورطت بالمخطط.

فــي الأثنــاء لوحــظ للجميــع بــأن الإعــام الدولــي، والأمريكــ­ي خصوصــاً، يصــر علــى متابعــة التفاصيــل، حيث تســلط قنــاة الحرة الأضــواء بكثافة على القضية، وحيث نشــرت صحيفــة «الإيكونومس­ــت» تقريريــن في إطار المتابعــة، فيمــا فاجــأت «فوريــن بوليســي» الســلطات الأردنية، مســاء الثلاثاء، بسيناريو يخصها يحاول التركيــز على وجود تجاذبات برفقــة مــا نشــرته «التايمــز» البريطانيـ­ـة مع تســليط الضوء - وفقاً لبيان الحكومة - على الــدور الــذي لعبه أو يخــص الأميــر حمزة بن الحسين في مسار وسيناريو الأحداث.

في الأثناء تردد أن الدكتور عوض الله، وهو المتهــم الأبرز الموقــوف الآن، حظــي بوكالة من 4 محامين، كما يتوقع السياســيو­ن أن تشــهد

مرحلــة تحقيق الادعاء اســتدعاء شــخصيات سياســية أو كبيرة أخرى بهدف تقديم شهادة أو معلومــات، ويمكن تحويــل بعض هؤلاء إلى متهمين أيضاً؛ لأن الملــف التحقيقي لم يغلق إلا في مرحلته الأمنية، ولا يــزال مفتوحاً على كل الاحتمالات.

تعمــل ســلطات القضاء بطبيعــة الحال هنا بمعزل عن الاعتبارات السياســية، ســواء تلك الداخلية أو الإقليمية أو حتى التي في الجوار.

لكــن الاعتقاد كبيــر بأن انتقال ملــف الفتنة

إلى محكمــة أمن الدولة قد تنتــج عنه مفاجآت مــن الــوزن الثقيل قد تخــص طبيعــة الجهات الخارجيــة المتورطــة، ممــا يعنــي بــأن الإدارة السياســية المتزنــة بالملــف -بعيداً عن مســار العدالــة وتطبيــق القانــون ونتائــج مــا يقرره الادعاء ثم المحكمة- عمليــة ليس فقط مطلوبة لكنها أساســية في التعاطي وبدون انفعال أو افتعــال سياســي وإعلامي مع مرحلــة ما بعد التحقيق.

وسط الدوائر المراقبة سياسياً استنتاجات قد تكون حساسة لاختبارات أساسية تتعرض لهــا علاقــات الأردن اليــوم مــع دول وأطراف صديقــة وحليفــة فــي الجــوار بســبب طبيعة الفتنــة وتركيبــة رموزهــا وما ستكشــف عنه تحقيقات الادعــاء من معطيات تؤدي بالنتيجة إلى الكشــف عن طبيعــة الصدمــة التي لحقت بالأردنيين، وأسبابها، وقبل ذلك نتائجها.

بعد تحويل ملــف الفتنة إلى الادعاء في أمن الدولــة يمكــن القــول إن مرحلة جديــة بدأت، وعلى حد تعبير سياســي رفيع المســتوى، بدأ «الجد والعد».

بمعنــى، توضيــح الملابســا­ت قانونيــاً وقضائياً وتوجيــه اتهامات ظنية بدلالة قرائن وأدلــة ووقائــع قبــل تقــديم الملــف للمحكمة، الأمــر الذي يعني أو ســيعني لاحقاً الانشــغال بإحصاء المكاسب والمخاسر.

 ??  ?? الشارع الأردني يتابع كل صغيرة وكبيرة في سياق ملف القضية التي حبست الأنفاس على مدى نحو أسبوعين
الشارع الأردني يتابع كل صغيرة وكبيرة في سياق ملف القضية التي حبست الأنفاس على مدى نحو أسبوعين

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom