Al-Quds Al-Arabi

الجزائر: جدل بين «رصّ الصفوف» و«رصّ القلوب» في رمضان

تزامنا مع سماح السلطات بإقامة صلاة التراويح

-

■ الجزائر- الأناضول: أثار قرار الســلطات الجزائرية، الإبقاء على بيوت الوضوء في المساجد مغلقة وتداوُل فتوى تقضي برصّ الصفوف وعدم جــواز الصلاة بالتباعد، جدلاً في البلاد، تزامناً مع الســماح بإقامــة صلاة التراويح خلال شهر رمضان.

والخميس الماضي، صرّح وزير الشؤون الدينية، مصطفى بلمهــدي، بأنّ "فتح المســاجد لصلاة التراويح خلال شــهر رمضان ســيُرفَق باحتــرام التدابير الوقائيــة وغلق بيوت الوضــوء، كان بناء علــى توصيات اللجنــة العلمية لرصد فيروس كورونا )تابعة لوزارة الصحة(".

* بيوت الوضوء مغلقة

وفي 1 نيســان /أبريل الجاري، أعلنت وزارة الشــؤون الدينيــة الجزائرية، في بيان، إقامة صــاة التراويح خلال رمضــان المبارك مع الالتــزام بالبروتوكـ­ـول الصحي، ومنه استمرار غلق بيوت الوضوء في ظل تفشي جائحة كورونا.

وتقرر فتح المساجد لصلاتي العشاء والتراويح قبل الأذان بـ 15 دقيقة، وتغلق بعد التراويح بـ 15 دقيقة، وفق البيان.

وفــي 8 نيســان/أبريل الجــاري، قالت جمعيــة العلماء المســلمين الجزائريين، أكبر تجمع مســتقل لعلماء الدين، إن "إبقاء بيوت الوضوء مغلقة لا مبرر له، وفيه تعطيل للصلاة".

وأضافت الجمعية عبر صفحتها الرســمية على فيسبوك: "هذه مسؤولية عظيمة من يتحمّلها؟".

وتابعت مســتنكرة: "عندما نرى المصلّين أمام المســاجد يتوضؤون بقنينات الماء في مشــهد غير لائق، نكرّر النداء: افتحوا الميضآت )بيوت الوضوء( يا عباد الله".

ودعا بلال شــابو، رئيس مكتب المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي الشؤون الدينية )مستقل(، إلى ضرورة فتح بيوت الوضوء للمصلين ووضع تسهيلات أخرى.

وقال شابو، في تصريح لصحيفة "المساء" )حكومية(، إنّه "يحث على ضرورة فتح بيــوت الوضوء، وليس من المعقول أن تبقى الأمور على هذه الحال".

وأشــار إلى أن "هناك مصلّين لا يستطيعون الحفاظ على الوضوء، ما يستدعي فتح الميضآت مع احترام تدابير الوقاية من كورونا".

* التباعد ورصّ الصفوف

وبهذه المناسبة، تداول ناشطون على منصات التواصل فتوى منسوبة إلى محمد علي فركوس، أبرز شيوخ السلفية بالجزائر، تقضي بعدم جواز صلاة التباعد.

ونُشــرت الفتوى على شــبكات التواصل خــال الأيام الماضية، بعنوان: "فــي ضوابط قاعدة الضــرورات تبيح المحظورات".

وورد فيها: "أن تكــون الضرورةُ قائمةً بالفعل لا مُتوهَّمةً ولا مُنتظَــرةً ولا مُتوقّعةً؛ لأنّ التوقُّـَـع والتوهُّمَ لا يجوز أن تُبنى عليهما أحكامُ التخفيف".

وأفتى فركوس بعدم الجواز وفقاً للأدلة وحديث "لتُسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، معتبراً أن "تسوية الصف واجــب للصلاة، توعّد الله تاركــه بالوعيد والله لا يتوعد إلا بترك واجب، فإذا سقط الواجب بطلت الصلاة".

وأشــارت الفتوى إلى أنّ "الرخصة تكــون بوجود عذر شرعي، مثل المرض، وقد لا يظهر على المصلين المرض، وهنا لا تُؤخذ الرخصة بمجرد التوقع".

كما ذكّرت الفتوى بأن "الســلف انتشــر فيهم الطاعون، ولم يُعرف أنهــم أوقفوا المســاجد ولا الجماعات ولا صلاة الجمعة".

ورافــق الترخيص بإقامة صــاة التراويح في رمضان، مطالب تدعو الســلطات إلى فتح بيوت الوضوء بالمساجد وجدل حول فتوى تدعو إلى رصّ صفوف المصلين.

والأحــد، قال بلمهــدي إنّ "الأئمة مدعوون للاســتمرا­ر في الالتزام بالبروتوكو­ل الصحــي وبدعوة الناس للخير والمحبة خلال رمضان".

وأضــاف الوزير، في مؤتمر صحافــي في محافظة تيزي وزو )شــرق العاصمة(: "بعض الناس لــم يعجبهم التزام المساجد والدور الرائد الذي أدته خلال الجائحة".

واســتطرد قائلاً: "فتجدهم يدعون النــاس للتمرد على البروتوكــ­ول، وهي دعوة لإفســاد النجاح الــذي حققته الجزائر".

ويقول عدة فلاحي، مســؤول ســابق بوزارة الشؤون الدينية، إنّه "يثمن قرار إبقاء بيوت الوضوء مغلقة، ورصّ القلوب أولى مــن رصّ الصفوف"، في رده على الداعين إلى عدم جواز الصلاة بالتباعد.

ويضيــف: "أنصح بإبقــاء بيوت الوضــوء مغلقة درءاً للمخاطر، لأن دفع المفسدة مقدمة على جلب المنفعة".

ويستطرد قائلاً: "المضمضة والاستنشاق والاستنثار قد يسبب انتشار الفيروس ممن هو مصاب به".

ووفق فلاحــي، فإن "من الســنة أداء صــاة التراويح بالبيوت، نعــم هذه هــي الحكمة والبصيــرة في معالجة الأمــور، وليس التحجج بأن بيوت الماء مفتوحة في المقاهي والمطاعم".

وفــي ردّه علــى الفتــوى الداعية إلــى رصّ الصفوف، يعتبر فلاحي أنّ الشيخ فركوس "يتحدى المؤسسة الدينية الرســمية وكأنّ له دولة خاصة، حينما يطالب غيره بعدم التباعد خلال إقامة الصلاة وبرصّ الصفوف".

ويشــير إلى أنّ "صاحب الفتوى يتجاهل رأي الخبراء،

مثل عالم الفيروســا­ت الجزائــري يحيى مكّــي )مقيم في باريس(".

ويلفــت فلاحــي إلــى أن "مكّــي قــال هنيئاً لكــم أيها الجزائريون، باســتطاعت­كم أداء صلاة التراويح ولو تحت البروتوكول الصحي، فنحن محرومون من هذه النعمة".

ويوضح أنّه "طوال قرون ونحن نرص الصفوف، ونضع القدم بجنب القــدم والكتف إلى الكتف، ولــم يمنع ذلك أن يدخل الشــيطان لينزع بيننا. ولم يجعل ذلــك منا رحماء ومتعاطفــن فيما بيننا، لأننا اهتممنا بالشــكليا­ت لا برص القلوب".

*

تضييق غير مبرر

ويقول مبارك أقدوش، أستاذ الشريعة في بجاية )شرق(، إنه "لا ضرورة صحية لاستمرار غلق الميضآت في هذا الشهر الفضيل، وسيصيب الناس عنت كبير جراء هذا القرار".

ويضيــف أقدوش: "ولا ضــرورة صحية لاســتمرار منع القــراءة من المصاحف داخــل المســاجد، ولا لتوقيت فتحها وغلقها". ويتابــع: "يحدث هذا التضييق على المســاجد في الوقــت الذي يختلــط فيه النــاس في المــدارس والمكتبات ووسائل النقل والأسواق والمقاهي والمطاعم".

وحول عدم جــواز الصلاة بالتباعــد، يوضح أقدوش أنّ "الصلاة بالتباعد لا تقتصر علــى الجزائر فقط، بل حتى في الحرم المكي يصلون بالتباعد في ظل جائحة كورونا".

ويشير إلى أنّ "الأمر عادي جداً في ظل انتشار الوباء، لكن فتوى الشيخ فركوس يمكن أن تكون من باب نية سليمة ومن باب اجتهاده في هذه المسألة".

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom