Al-Quds Al-Arabi

الكاتب السوري حسين عمر: الترجمة رسالة إنسانية وحضارية

- حاوره: محمود أبوحامد*

ما بين المهني والمؤسســي والشــخصي، تتراوح نوعية الكتب التي يختارها المترجمــو­ن، وحرية هذا الاختيار، فمنهــم من يختار ترجمة ما أحــب من الكتب، ومنهم من يختار الكتب التي أثّرتْ فيه شــخصياً، ومنهم من يختار الكتب التي أقنعه أسلوب مؤلفها وطريقة استخدامه للغــة، أكانت شــعرية أم نثرية، ومنهم من ســحره الجديد من الأفكار والمشــاعر والصور.. وعمّق بناء الشــخصيات وحواراتها وتجاربها المليئة بالمعرفة.

الكاتب والإعلامي الســوري حســن عمــر، الذي يعمــل مترجما محترفا، يؤكد أنه لا يلعب دوراً رئيسياً في اختيار عناوين الكتب التي ســيترجمها، بل دور النشــر هي التي تختار الأعمال، وفق اعتباراتها المتعدّدة، وهي التي تقوم بإنجاز الجوانب القانونية من شــراء حقوق الترجمة ورخص النشر وسوى ذلك.

رسالة قيم

يقول حســن عمــر: إن الترجمة بالنســبة إليّ، عــاوة على كونها مهنة، هي أيضاً رســالة، مضمونها قيم إنسانية وحضارية، وإذا كان مضمــون العمل المعروض عليّ يتناقــض مع هذه القيم، يمكنني الاعتذار عــن ترجمته. كما يمكنني اقتــراح عناوين على دار النشــر لترجمتها، وقد حصل ذلك بالفعل حينما اقترحتُ على المركز الثقافي العربي في بيــروت، والدار البيضاء ترجمة «ما بعد الأقليات - بديلٌ عن تكاثر الدول» لجوزيف ياكوب، و«تاريخ تركيا المعاصر» لحميد بوزرسلان، وقد تمّ ذلك بالفعل.

التطور الإلكتروني

ويوضح حســن عمر أنه يبــدأ بترجمة العمل كقــارئ له، ولا يفسد على نفســه متعة ذلك. وقبل أن يبدأ بالترجمة، يقرأ ما كُتِب عن العمل باللغتين الفرنســية والعربية، وكذلــك يقرأ عن الكاتب وأســلوبه، ثمّ يشرع بالترجمة سائراً مع ســياق النصّ، بدون أن يقرأه كامــاً قبل ترجمته. ويــرى أن التطــوّر الإلكتروني الهائل يســاهم في توفير القواميــس والمواقع التي تقــدّم خدمات كبيرة للمترجم، وتساعده في إزالة الكثير من العقبات وتذليل المصاعب. وتبقى الصعوبة التي يواجهها المترجم في تباين خصائص ومنطق لغتي المصدر والهدف. ففي اللغة الفرنسية، على سبيل المثال، هناك كلمــات تتطابق في اللفــظ وتختلف في الشــكل والمعنى، ويمكن للكاتب استثمار ذلك في ألعاب ومناورات لغوية، يصعب تحويلها إلى اللغة العربية.

ومــع ذلك يؤكد أن ثمة صعوبات قــد تواجه المترجمين، وحدث

معه ذلــك أثناء ترجمتــه لأمبرتو إيكو «كيفية الســفر مع ســلمون؛ معارضات ومستعارات». وهذا العمل هو أصعب ما ترجمه حتى الآن.

أهم الأعمال

وحول أهم الأعمال التي قام بترجمتها، وإمكانية المفاضلة بين مؤلف وآخر، أو بين عمل وآخر.. يقول حســن عمر: في رصيدي الآن، خمسة وثلاثون عملاً مترجماً من الفرنسية إلى العربية، بالإضافة إلى ترجمة مجموعة شعرية للشاعر الكردي شيركو بيكس من الكردية إلى العربية. وفي الحقيقة، مــن الصعوبة بمكان المفاضلة بين الأعمال التي ترجمتها وأصبحــت تربطني بها علاقة عاطفية وثقافيــة. ومع ذلك، يمكنني أن أشــير هنا إلى روايات غيوم ميســو الخمس، التــي ترجمتها للمركز الثقافــي العربي، وكذلك أمبرتو إيكو وأعمال آل أوفقير )فاطمة ومليكة ورؤوف وسُــكينة(، وكذلك رواية «فتاة في عشّ الدبابير» للسويدي ستيغ لارسن للدار نفســها، ورواية «الطبيب الألماني» للروائية لوسيا بوينزو، لدار الخان للنشر والتوزيع الكويتية، كما أنني ترجمتُ ثلاثة

أعمال مهمــة لدار المدى العراقيــة، وهي «دروس الســلطة»، مذكّرات الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، و»الفراشة» للروائي هنري شاريير، ورواية «ثاناتونوتس» للروائي برنار فيربير.

اللغة الثالثة

يؤكد المترجمــو­ن أن نقل الكتب مــن لغة إلى لغة هــو تطوير للغة نفســها، وفي الوقت نفســه هو دراســةٌ للغة الأخرى.. فكيف تتحقق هــذه المعادلة في النقل عن لغــة ثانية لثالثة؟ يرى عمــر أنه قد يكون من المجازفة القــول إنّ الترجمة من لغة ثانية أو لغة وســيطة لا تؤثّر علــى العمل المكتوب باللغــة الأولى، ولكنّ الأمــر يتوقّف على المترجم الأوّل، ومدى براعته وأمانته. فالمترجــم الأوّل يتحوّل، هنا، إلى كاتب بالنســبة إلى المترجم الثاني. وهذه ظاهرة شائعة في عالم الترجمة، وهناك ترجمات مرموقة عرفها القرّاء، ومنها ما قدمه المترجم السوري ســامي الدروبي من ترجمات لأعمال روســية عظيمة كالأعمال الكاملة لعبقري الأدب الروسي فيودور دوستويفسكي، وبعض أعمال بوشكين وليرمنتوف، من لغــة ثانية، وهي اللغة الفرنســية، وهي تجربة جديرة بالذكر في هذا الإطار. ويؤكد أن في تجربته الشخصية، قد ترجم من الفرنسية عدّة أعمال مترجمة من الإنكليزية والسويدية والإسبانية.

الكردية والعربية

ويضيف الإعلامي حســن عمر: عدا الترجمة من الفرنسية إلى العربية، خضت تجربة وحيــدة في الترجمة من اللغة الكردية إلى العربية. وهي ترجمة مجموعة الشــاعر الكردي الراحل شــيركو بيكس «ســبعون نافذة متجوّلة « لصالــح دار العين في القاهرة - عام 2018. وخلال إقامتي في إقليم كردســتان العراق، وعملي في مؤسّسة إعلاميّة كرديّة بارزة، مثل شبكة روداو الإعلامية، أتيحت لي الفرصة للاحتكاك والتفاعل مع اللهجة السورانيّة بشكل عمليّ. وبمرور الوقت، تعمّقت معرفتي بها، الأمر الذي منحني الجرأة على خوض تجربــة الترجمة هذه. وقد اســتعنتُ بزملائي من المهتّمين بشــعر شــيركو بيكس، لأتمكّن من فهم الأبعاد الدلالية والرمزية لبعض مفرداته وجمله الشعرية وصوره البليغة والثريّة بالخيال. ولا شــكّ أنّها أضافــت بعداً جديــداً لتجربتي كمترجــم وأثرتها. ورغــم صعوبة هــذه التجربة التي مثّلــت تحدّياً حقيقيــاً، إلّا أنّ عدم إحساســي بالاغتراب عن اللغة العربية يسّــر لي النجاح في مواجهة هذا التحــدّي. صحيح أن منطق وفلســفة اللغة الكردية يختلفان عن منطق وفلسفة اللغة العربية، لكن السعي إلى توطين الصورة الشعرية في اللغة المنقول إليها يساهم في تقليص مساحة الاختلاف هذه.

 ??  ?? حسين عمر
حسين عمر

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom