Al-Quds Al-Arabi

«سيدنا رمضان» يحل وسط الوباء وحميمية المغاربة توضع على رف الانتظار إلى حين زواله

- الرباط ـ «القدس العربي» من عبد العزيز بنعبو:

تــوارث المغاربة أباً عن جد، لقبــاً يظهر مكانة الشهر الفضيل في قلوبهم، فصار "سيدنا رمضان" دليلاً على الروحانيات التي تميز شــهر الصيام، كما صار عنوانــاً بارزاً لتقديس شــهر يخصص للعبادة وصلة الرحم وإكرام الذات والأحبة بما لذ وطاب من مشتهيات تكون متوفرة بكثرة وبتنوع في كل أسواق المملكة.

رمضــان 2021 يكرر ســيناريو أقــل عزلة من رمضان 2020، حيث كان الإغلاق شــاملاً والحجر كلياً. لا خروج من البيــت إلا للمرخص له بقضاء أغراض أســرته عبــر وثيقة رســمية. وإن كانت السنة الحالية حملت معها متغيراً أساسياً، يتمثل في تمكّن المغاربة من قضــاء أغراضهم إلى حدود توقيت حددته الحكومة يوميا من الثامنة ليلا إلى السادسة صباحا، باســتثناء الحالات الخاصة، وذلك بداية من فاتح شــهر رمضــان المبارك، مع الإبقاء على مختلف التدابير الاحترازية المتخذة.

عادات في خبر كان

هذا القرار الذي صدم المغاربة، جاء في ســياق تعزيز الإجــراءا­ت الوقائية المتخذة للحفاظ على صحة المواطنات والمواطنين، وأخذا بعين الاعتبار الحركية الواســعة التي يعرفها النسيج المجتمعي المغربــي خلال شــهر رمضان المعظــم، وفي إطار الحرص على أن يمر هذا الشهر الفضيل في ظروف صحية مناسبة تعكس رمزيته الدينية الكبرى.

لذلــك، حلّ "ســيدنا رمضان" وســط انزعاج كبيــر للمغاربة مــن جائحة فيــروس "كورونا" المستجد، التي حرمتهم من حميمية الشهر الفضيل وروحانياته. كما أصبحــت مجموعة من العادات

في خبــر كان، مثل اللقــاءات العائليــة وارتياد المقاهي حتى ما بعد منتصف الليل وزيارة الأقارب، وليلــة 27 التــي يحتفل فيهــا المغاربــة ببناتهنّ اللواتي صُمن لأول مرة بتزامن مع ليلة القدر.لكن الأبرز من بين كل هذه الملامح التي اختفت من وجه رمضان 2021، هــي صلاة التراويــح التي جرى حظــر إقامتها بمعية صلاة الصبــح، وذلك حفظاً للعباد من انتشار فيروس لا يرحم ويغتنم فرصة التجمعات ليهاجم بكل شراسة.

ومــع ذلك، تبقــى للشــهر الفضيــل ملامحه الأساســية التــي لا تمحوهــا هذه الإجــراءا­ت الضروريــة، ملامــح الحميمية الأســرية داخل المنزل الواحــد، فمائدة الإفطار ســيدة اللحظة، متنوعــة وكثيرة المشــتهيا­ت تذهــب بالغصّات الأخرى أدراج الريــاح، كما هو حال تلك الركعات بعد صلاة العشــاء التي يواظب عليهــا المغاربة تعويضاً عن صــاة التراويح. المغاربة عادوا إلى أصل صلاة التراويح، فهي تقام في المنازل وليس كما اعتاده عموم المســلمين من إقامتها بالمساجد، فهي نوافل كمــا قال الفقهاء وإقامتهــا في المنازل أقرب من غيرها. بعــد الرافضين لقرار حظر إقامة صلاة التراويح في المســاجد، احتجــوا في مدن المضيق وأســفي وطنجة، رغم أن مقاطع الفيديو المبثوثة من تلك الاحتجاجات أظهرت ـ في المضيق خصوصاًـ أن أغلب المحتجين هم من المراهقين.

هذه الاحتجاجات المحدودة، يقابلها شبه يقين لدى غالبيــة المغاربة بأن حفــظ الصحة العامة، أســبق من إقامة التراويح في المساجد، وإن كانت الغصة كبيــرة إلى أن النجاة من العدوى أســلم وأفضل وهو ما يجســده المواطنون في تنقلاتهم التــي تطبعها الحيطة والحذر والالتزام الشــديد بالتدابيــ­ر المقــررة. تحــدى المغاربــة فيروس "كورونا" بالحفاظ على المقومات الأساسية لشهر الصيام "سيدنا رمضان"، تحدّوه بالإقامة خمسة نجوم في رحابه المتسعة لكل نية صافية. تحدّوه

أيضاً بالمشــتري­ات بعد أن صارت الأسواق عامرة بالتمويــن من التمر إلى الخضــار، مروراً باللحم والدجــاج والفواكه وحتى المشــروبا­ت الغازية وأنواع الأعاصير.

وهو ما أكدته اللجنة المشتركة بين عدة وزارات، المكلّفة بتتبع التموين والأسعار وعمليات مراقبة الجودة والأســعار، حيــث إن الأســواق مزودة بشــكل جيد من كل المواد الأساســية سواء كانت غذائيــة أو طاقية أو مــواد التعقيــم والنظافة. وأبــرزت، في بيان لهــا، عقب أولــى اجتماعاتها خلال شهر رمضان، أن العرض يغطي الحاجيات من كل المــواد والمنتجات، وذلك لعدة أســابيع أو عدة أشهر حسب نوعية السلع.

اللجنــة التي يرأســها قطاع الشــؤون العامة والحَوْكَمــة التابــع لــوزارة الاقتصــاد والمالية وإصلاح الإدارة، مكونة مــن القطاعات الوزارية المكلفــة بالداخليــ­ة والفلاحة والصيــد البحري والصناعــة والتجــارة والطاقــة والمعــادن والمؤسسات العمومية المعنية.

على مستوى أسعار المواد الاستهلاكي­ة، كشفت "المندوبيــ­ة الســامية للتخطيط" )هيئة رســمية للإحصاءات والمسوح الاجتماعية والاقتصادي­ة( عن المســتجدا­ت الطارئة على الأســواق المحلية، حيــث بلغــت الزيــادة في أســعار الاســتهلا­ك للمنتجــات الغذائية نحو 0,6 في المئة بالنســبة لشهر رمضان المبارك بأكمله.

وتوقعــت فــي بيــان نشــرته علــى موقعها الإلكتروني، أن يشــهد النصف الثاني من شــهر رمضــان زيادة أكبر في أســعار اســتهلاك المواد الغذائيــة مقارنة مع النصــف الأول )0,8 في المئة بدلاً من 0,4 في المئة على التوالي(.

وأضافت أن الأســماك والبيــض والحوامض ستسجل أعلى الارتفاعات على مستوى الأسعار، مشيرة إلى أن أسعار الأسماك والمنتجات البحرية من المتوقع أن ترتفع بنســب تقدر على التوالي بـ 5,6 في المئة و5,8 في المئــة، خلال النصفين الأول والثانــي من هذا الشــهر. كما أن أســعار الفاكهة الطازجة ارتفعت بنســبة 1,9 في المئة. في المقابل، تظل تأثيرات شــهر رمضان على أســعار اللحوم الحمــراء والدواجــن والخضروات، باســتثناء الطماطم، متواضعــة على العمــوم. وأبرز بيان المؤسســة المذكورة أن تغيّر عادات الأسر، خاصة من حيث اســتهلاك بعض المواد الغذائية، شــكّل العامل الأساسي في تأثير شهر رمضان على تطور أسعار الاستهلاك.

حلول رمزية للمقاهي

هناك في جانب غير قصي، توجد مجموعة من المهن التي أسدلت الســتار على نشاطها وخاصة قطاع المقاهــي والمطاعم، فالإغــاق الليلي يعني لا عمل، والأجــراء يترقبون موعــد صرف الدعم الذي أعلنت عنه الحكومة من أجل مســاعدة هذه الشريحة المهمة على مصاريف شهر رمضان.

في انتظار ذلك، بادر المغاربة إلى ابتكار حلول للمساعدة، من قبيل اقتراح فتح المقاهي نهاراً من أجل اســتفادة الطلبة من صبيب الإنترنيت بثمن رمزي يعود دخلــه إلى العمال الذين توقفت رحى كسب العيش بالنسبة إليهم خلال شهر الصيام.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات إلى دعم العاملين في المقاهي، فكانت الفكرة وهي 7 دراهم مقابل الاســتفاد­ة من صبيب الإنترنيت في المقاهي التي ستفتح أبوابها خلال نهار رمضان.

المســاهمة رمزية لكنها دالة وبليغة جداً، فهي تترجــم روح التضامــن التي تميــز المغاربة في اللحظات الصعبة والتي يظهر فيها معدن الإنسان قبل أي شيء.

هي قليــل من كثير، يفكر فيــه المغاربة بصوت مســموع من أجل دعــم المتضررين مــن الإغلاق الليلي خلال شــهر رمضان، والذي كان اضطراراً

أكثر منه اختيــاراً وذلك خوفاً مــن موجة عدوى لفيروس كورونا المســتجد. الســلطات الصحية المغربيــة أوصــت بالاســتمر­ار في الإجــراءا­ت والتدابير الوقائية خلال شــهر رمضان، خوفاً من انتشــار العدوى بشكل كبير خاصة في ظل وجود الســالة البريطانيـ­ـة المتحورة التــي وإن كانت نسبة الإصابة بها قليلة إلا أنها سريعة الانتشار.

الأكيد أنه لــم يكن أحد من المغاربــة يتوقع أن يستمر فيروس "كورونا" في حضوره غير المرغوب فيه إلى هذا الموعد، لكن "إذا حمّ القضاء على امرئ فليــس له بر يقيــه ولا بحر"، ســوى الالتزام بما أقرته السلطات التي عبّرت عن تخوفها من موجة ثالثة للوباء قــد تعصف بكل مــا تم إنجازه لحد الساعة على صعيد مكافحة الفيروس اللعين.

أمام كل هــذا التوجس والخوف من الفيروس، وأمام نزول الجائحة ضيفــاً ثقيلاً على كل العالم، يبقــى لرمضان المغربي نكهتــه الخاصة، فالمنازل تفوح منها روائح "الحريرة"، وسمر الليالي يجمع الأســرة الواحدة وفرجة الإفطــار تزينها برامج القنوات التلفزيوني­ة بما جادت به من مسلسلات وســيتكوما­ت وغيرها من إنتاجات خصصت لهذا الشهر الفضيل.

الهواتف الذكية تنوب عن التواصل المباشــر، باتصالات مصورة عبر تقنيــة مكالمة الفيديو، لم يعــد البعيد بعيداً، بل صار قريبــاً؛ لكن التواصل المباشــر له ميزته على أســاس ألّا يكون فيروس "كورونا" جالســاً في وسط اللقاء ينتظر "عطسة" أو "كحة" لينقض على الآخر.

 ??  ?? سوق لبيع الفاكهة في العاصمة المغربية
سوق لبيع الفاكهة في العاصمة المغربية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom