Al-Quds Al-Arabi

الأردن: مخاوف من «تفخيخ» لجنة الإصلاح الوطني... وسط أجواء سلبية منذ جلسة الافتتاح

كيف يمكن إنقاذ «المضمون السياسي»؟

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

تعايش المناخ السياســي النخبوي الأردني مســاء الثلاثاء وطوال يوم الأربعاء وقبل يوم الخميس، حيث الجلســة الثانية للجنة الملكية الضخمة للحــوار الوطنــي مع أجواء ســلبية وتجاذبيــة برزت مع جلســة الافتتاح وبمجرد مغادرة الملك عبد الله الثاني للاجتماع الافتتاحي.

لكن المناخ أصبح أكثر ميلاً للهدوء مع جلسة التنظيم الثانية، الخميس. ويبــدو أن عناصر التجــاذب مع وجود 92 عضواً فــي لجنة ضخمة برزت فــي وقت مبكر أقرب إلى «شــر لا بد منــه» وإن كان رئيس اللجنة ســمير الرفاعــي يصر، كما فهمت «القدس العربي» مباشــرة، على «التركيز على المهمة الأساسية المطلوبة لإنجاحها».

المراقبــو­ن لفعاليــات الجلســة الأولى تحدثــوا عن عدم وجــود تصور أو برنامــج عمل مســبق تم الإتفاق عليــه على الأقل يحــاول الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن إدارة لجنة مكلفة بتحديث المنظومة السياسية للبلاد وبدون الوقوع في أخطاء وخلافات وصراعات؟

واضح تماماً أن الجلسة الأولى توحي بأجواء سلبية في حال اعتمادها لرســم إجابة على السؤال المشار إليه وقد برزت تجاذبات يبدو أنها أثرت على قطاع واســع من المشــاركي­ن المسيســن. ونقطة الخلاف الأولى التي شــهدت كما كشــفت مصادر داخل اللجنة الخاصة جداً عندما تعلق الأمر باختيار ناطق إعلامي باســم هذه اللجنة يعبر عن فعاليتها واجتماعاته­ا، وقــد تم اختيــار الدكتور مهنــد مبيضين، وهو أســتاذ جامعــي وإعلامي تلفزيونــي، ليتولي مهمة الناطق الرســمي، في الوقت الــذي اعترض فيه بشــدة عضو اللجنة، وهو الإعلامــي المعروف أيضاً رمضان الرواشــدة. وبالتالــي، كان الخــاف على كيفية اختيــار أو تعيين، وبــدون تصويت، المبيضــن كممثل إعلامي لهذه اللجنة التي كلفت بمهمة كبيرة وأساســية في التاريخ السياسي الأردني الحديث، هو عنوان التجاذب الأول.

«ليست مرتبة»

في الوقت نفســه، لم يترك جمهور اللجنــة للكاتب الصحافي المعروف وعضوها عريب الرنتــاوي، فرصة إكمال تعليق كان يريد الإدلاء به تحت عنوان المضمون السياســي لأعمــال اللجنة، فقد تم إيقافه وبــدا أن إدارة جلسات الافتتاح ليست مرتبة، بحيث يحصل جميع الأعضاء على فرصة متوازيــة في الحديــث، وهو ما اعترض عليه أيضــاً العضو خالد رمضان. الاحتقان السياســي بدا لافتاً في جلســة الافتتاح وبصورة قد تؤدي إلى المزيد من التوتر لاحقاً، أو قد تدفع رئيس اللجنة المخضرم ســمير الرفاعي لتقســيم العمل إلــى مجموعات، خصوصــاً أن بعض أعضــاء اللجنة من الوزراء الســابقين والمحسوبين على الســلطات يبدو أنه قد حضر بأجندة مســبقة لتأطير اللجنة في اتجاهات تقنيــة وإجرائية تخص ثلاثة قوانين وتشريعات فقط، بمعنى عدم الخوض في المضمون السياسي للجنة.

وهي مســألة يعارضها العديد مــن رموز اللجنة، خصوصــاً من خارج النادي التقليدي ومن التيار المدني ومن التقدميين واليســاري­ين، فقد منع بعض الأعضاء من مناقشــة كيفية تأطير عمل اللجنة الفرعية المختصة في تعديلات الدستورية، وتقدم العضو الدستوري في اللجنة ليث نصراويين

بمداخلة منع فيها الإســاميي­ن من التحدث عن نقابة المعلمين، على اعتبار أن قضيــة النقابة في القضاء ولا يجوز دســتورياً البحث فيها. في الوقت نفسه، ترك أعضاء اللجنة للرئيس الرفاعي مهمة تعيين واختيار الأعضاء وتوزيعهــم على خمس أو ســت لجان أساســية ســتتولى العمــل الورقي والبحثــي، لكــن الرفاعي أصر الخميــس، لاحقاً، علــى أن تختار كل لجنة رئيسها دون تدخل منه.

إضافة إلى ذلك، بدت محاولات واضحة للدفع بوزير الداخلية الأسبق سمير الحباشــنة، لتولي مهمة إدارة اللجنة الفرعية المختصة بأهم قانون في المنظومة السياســية المطلوبة، وهو قانون الانتخابات. ويبدو أن عدداً لا يســتهان بــه من أعضــاء اللجنة يدفعون أيضــاً باتجاه رئاســة اللجنة المعنيــة بالحكم المحلي لوزيــر البلديات الأســبق وليد المصــري، وهو أمر تأجل بكل حال لبداية الأسبوع المقبل.

«صوت مرتفع»

ويعنــي ذلــك أن النخبــة الحزبيــة والمسيســة مــن خــارج الصنــدوق التكنوقراط­ي والبيروقرا­طي قد لا تجد مكاناً حقيقياً في رئاسة اللجان أو مواقــع الصفوف الأولى في تلك اللجان، التــي يعتقد أنها ينبغي أن تبتعد أكثر عن الأشــخاص الذين ســبق لهــم أن تقلدوا مواقع رســمية لإضفاء مضمون وطني وسياسي عميق على أعمال اللجنة.

وفــي التفاصيل، يكشــف مصــدر مطلع داخــل اللجنة النقــاب عن أن الصــوت المرتفع للوزراء الســابقين تحديداً ولأعضــاء اللجنة المقربين من السلطات، هو الذي حسم مســارات الأمور في جلسة النقاش الأولى بعد الافتتاح الملكي. ويعتبر الإســاميو­ن مثلاً، ومعهم نخبة من اليساريين، أن إدارة الأمــور بهذه الطريقة قد تؤدي إلــى تفجير اللجنة وتفخيخها لاحقاً، خصوصاً أن محاولة ملموســة ومرصودة لاختطاف أعمال اللجنة بعيداً عن المنطوق والمضمون السياسي بدت واضحة لجميع الأطراف.

ويبــدو أن الهــدف هو تحويــل واحدة مــن أضخم اللجــان الملكية التي تشــكل في الأردن إلى محاولة مكررة للتركيز على جوانب تقنية وإجرائية وبيروقراطي­ة في التشــريعا­ت، وليس على قفزات سياسية حقيقية تخدم مســتقبل تحديــث المنظومة السياســية على الأقــل، كما نقل على لســان الرؤية الملكية.

العديد من أعضاء اللجنة وجدوا أنفســهم في حالة غربة بسبب طبيعة إدارة الجلسات الافتتاحية مع بروز تيار واضح يبدو أنه لا يرضى برئاسة الرئيــس الرفاعــي لتلك اللجنة، أو يحاول إثارة الشــغب عليــه ومناكفته، ومــع وجود تيار بيروقراطي يميل إلى الوصفــات المحافظة. وفي المقابل، الصــوت المنخفض كان صوت الرموز الجديدة التي تم توزيعها في اللجنة على أمل إحداث تغيير.

يبــدو أن أجواء النقاش كانــت تحريضية واســتفزاز­ية وصدامية في بعــض التفاصيل، وأن النخبة المحافظة مســتعدة أكثر للســيطرة على كل إيقاعات اللجان الفرعية في اللجنة الأم.

وهي مسألة تثير المخاوف والهواجس من انسحابات محتملة من هذه اللجنة، ويبدو أيضاً أن رئيس اللجنة المخضرم الرئيس الرفاعي تقصد أن يعفي اللجنة من اجتماعات يوم الأربعاء، على أن تستأنف الخميس بهدف إيجاد ملاذ وحل يحافظ على تماســك تلك اللجنة الضخمة، ويقودها إلى التقدم بمحتوى حقيقي، وهو ما حصل نسبياً لاحقاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom