Al-Quds Al-Arabi

وزارة دفاع النظام السوري تمنح أبناء محافظتي درعا والقنيطرة حصراً أذونات سفر

بين رغباته وحلفائه وتطلعات تنظيم «الدولة» في استقطابهم وخطر تهجير الشباب

- دمشق - «القدس العربي» من هبة محمد:

في ســياق إفراغ المنطقة الجنوبية من ســوريا، من عنصرها الشبابي، وما يرتبــط به من تهديدات محتملــة على النظام الذي ينــوي التخلص من عبء احتمال إعادة انطلاق شرارة الأعمال العسكرية ضده على أيديهم، قررت وزارة دفاع النظام السوري وشعبة التنجيد العامة منح المؤجلين عن الخدمة الإلزامية مــن أبناء محافظتي درعا والقنيطرة فقط، الحق في الحصول على إذن ســفر، بعد قرار منع الحصول عليه قبل شهر.

وقالت مصادر محلية لـ «القدس العربي» أن شــعب التجنيد التابعة للنظام السوري في محافظتي درعا والقنيطرة، ألغت قراراً أصدرته في 23 مايو /أيّار/ الفائت بعدم منح موافقات ســفر للمؤجلين عن الخدمة العســكرية في جيش النظام، مع الاكتفاء بمنح التأجيل مدة عام واحد فقط.

وصدر القرار الجديد مســاء الخميس بإعادة، منح إذن السفر للمؤجلين مدة عام عن الخدمة العســكرية في جيش النظام. وفي 4 نيســان من العام الجاري أصدرت وزارة الدفاع التابعة للنظام قــراراً يقضي بمنح تأجيل مدة عام واحد للمتخلفين عــن الخدمة الإلزامية في محافظتي درعــا والقنيطرة فقط، وعممت القرار عبر مكبرات المساجد في جميع مدن وبلدات درعا.

الناشــط الإعلامي عامر الحوراني مــن درعا قال لـ «القــدس العربي» إن العشرات من أبناء المحافظة، يخرجون بشكل شبه يومي من المنطقة الجنوبية، إلى خارج ســوريا، عن طرق التهريب تارة، والمعابــر الحدودية تارة أخرى، معظمهم في ســن الخدمة العســكرية في جيش النظام، بهدف عدم الانضمام لقوات النظام والميليشيا­ت الموالية لها.

رغبة إيرانية

واســتدراكًا، يضع الشــبان يدهم على قلوبهم خوفاً من اعتقالهم بســبب تخلفهم عن الخدمة العسكرية، حيث شــهدت المنطقة خروج المئات من أبنائها إلى الشــمال الســوري ولبنان، بواســطة ضباط من النظام وعناصر وقادة من حزب الله اللبناني ســهلوا عمليات الخروج مقابــل مبالغ مالية طائلة منذ منتصف العام 2018 وحتى يومنا هذا، إلا أنّ الأوضاع الماديّة السيئة التي يعاني منها الأهالي منعت الكثيرين من الخروج.

ويقول الحوراني الذي يشــرف على شــبكة أخبار «تجمــع أحرار حوران» الإخبارية المحلية «البعض من وجهاء المنطقة وقادة المصالحات اعتبروا القرار جاء ليصب في مصلحة الشــباب، وهو ما تروج له ماكينــة النظام الإعلامية، واعتبروه خطوة في الاتجاه الصحيح ورغبة في الاســتجاب­ة لمطالب الأهالي» لكنه أبدى اعتقاده أن «القضية أكبــر من قرار، وقد تكون أكبر من النظام ذاته، الذي يحاول منذ 3 سنوات بسط نفوذه الكامل على المنطقة الأمر الذي فشل فيه على الرغم من مساندة روسيا وإيران في ذلك».

ولعل الأسباب الخفية وراء القرار الأخير وفق المتحدث تكمن في رغبة إيران القوية في بســط ســيطرتها على المنطقة من دون وجود خطــر يهدد وجودها لاحقاً، إذ تدرك إيران والنظام جيداً أنّ محافظات الجنوب السوري فيها الآلاف من المتخلفــن عن الخدمة الإلزامية، وغالبيتهم يرفضــون الانضمام إلى فروع النظام الأمنية أو الميليشــي­ات التي تعمل إيران علــى تقوية نفوذها من خلالها ونشرها بشكل واسع في مختلف مناطق الجنوب.

وتطرق عامر الحوراني إلى مشــاريع إيرانية ســرّعت صدور القرار، حيث قال «تســعى إيران للتغيير المذهبي، وتعتبر الشباب الذين يرفضون هذا الفكر من أكبر العقبات التي تواجهها، إذ يصعــب عليها تحويل درعا والقنيطرة إلى مناطق مشــابهة للبوكمال وريف حلب في ظل وجود شــباب رافض للمشروع الشــيعي ويواجه مروجي تلك الأفكار. ولعل من الأســباب التي ســاهمت في صدور هذا القرار، يقين النظام وإيران في وجود رغبة حقيقية لمئات الشــباب

في مغادرة المنطقة، مع غياب الحلول للمأســاة السورية، وعدم قدرة الشباب على دفع آلاف الدولارات للخروج عبر طرق غير شرعية.»

رفض الشــبان المتخلفين عن الخدمة الانضمام في صفــوف النظام يعني أنّ هذا العدد قنبلة موقوتة قد تنفجر إذا ما توفرت الظروف ولاقت الدعم المناسب، ويضاف إلى ذلك وفق الناشط الإعلامي وجود عشرات الخلايا المعارضة للنظام السوري والتي تســتهدف قواته من حين لآخر وفي مناطق متفرقة في الجنوب، الأمر الذي يخشــاه النظام، الذي يحاول جاهداً التخلــص من معارضيه ممن يحملون الســاح أو الفكــر. وكان مكتب توثيق الانتهاكات لــدى تجمع أحرار حوران، قد سجل 700 عملية اغتيال في محافظة درعا منذ عقد اتفاقية التسوية بين النظام السوري وفصائل المعارضة في تموز/يوليو 2018 وحتى 15 حزيران/ يونيو 2021 .

استقطاب داعش

الباحث في شــؤون الجماعات الجهادية عرابي عبــد الحي عرابي تحدث لـ «القدس العربي» عن نقص أعداد الشــباب الذكور في أغلــب محافظات القطر خاصة حلب ودمشــق، إلا أن القيد الموضوع على الســفر فــي درعا برأيه جعل أعداداً كبيرة من الشــباب فيها، ورغم التســوية التي تمّــت إلا أن ذلك لم يثنِ الأجهزة الأمنية عن اتباع سياســة اعتقال الشــباب الذين هم في ســن الخدمة العسكرية بهدف رفد جيش النظام بأفراد إضافيين.

وقال «كان الشــباب عمومًا أمام أحد خيارين الهروب أو الاختفاء، وقد يكلّف الهروب نحــو لبنــان أو الأردن أو تركيا أرقامًا خياليّة، وهو ما يدعم شــبكات التهريب القريبة من النظام بصورة أو بأخرى، إلا أن أخطاراً مختلفة تظهر على الســطح، وهي خلايا تنظيم الدولة النشطة في المنطقة والتي تسعى لاستقطاب عناصر للانضمام لها، في ظل ارتفــاع عملياتها المطردة في الجنوب، الأمر الذي يجعل من هؤلاء الشباب هدفًا للتجنيد والاستقطاب من قبل تنظيم الدولة الذي يحاول تنمية شــبكاته وترميمها في المنطقة، إلى جانب خطر الشــباب أنفسهم الذين يُحسَــبون على الثورة حيث إنهم قد يشكلون خطرًا أمنيًّا وعسكريًّا يهدد قوات النظام من داخلها .»

بناءً على ذلك، رجح المتحدث أن يكون هذا القرار جاء في سياق إفراغ المنطقة من عنصرها الشــبابي والتخلص من عبء احتمال الانضمام لتنظيم الدولة أو إعادة انطلاق شــرارة الأعمال العسكرية ضد النظام، وهو ما اتفق معه الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي الذي أبدى اعتقاده أن يكون قرار النظام السوري بالســماح للمطلوبين للخدمة للعســكرية بالخروج من البلاد يشــير إلى رغبة النظام وحلفائه وتحديداً إيران، في إخلاء المنطقة الجنوبية من الشباب الذين ما زال يتبنون مواقف معادية له ومن المحتمل أن ينخرطوا بأيّة أنشــطة ضده. وقــال عاصي لـ «القدس العربي » ســابقاً كان هناك تعويــل على ضبط المنطقة أمنيــاً عبر إعادة الأجهزة والافرع إلى المدن والبلدات لكن اللجنة المركزية حالت دون ذلك مما اضطر إلى شــن عمليات عسكرية محدودة لإعادة توقيع اتفاقيات تسوية جديدة نصّ بعضها على ترحيل بعض العناصر وعوائلهم.

يبدو أن النظام الســوري يأمل في حصول موجة هجرة جديدة بموجب هذا القرار ســواء نحو الشمال أو خارج سوريا لأهالي المنطقة الجنوبية بما يساعد أو يُسهّل عملية السيطرة عليها.

قد يبدو القرار وفق رؤية عاصي، لصالح الشــباب في المنطقة الجنوبية من ناحيــة التخلّص من أعباء الملاحقــة الأمنية من قبل النظام الســوري وتقديم المساعدة للأهل بعد السفر، لكنّه أيضاً يحمل تبعات سلبية عليهم بإتاحة المجال أمام النظام الســوري لفرض الســيطرة على المنطقة التي عجز عنها حتى بعد توقيع اتفاق التســوية في تموز/ يوليو 2018. وعمومــاً، لا يمكن القول إنّ مثل هذا الإجراء يعني تغييراً جذرياً لمصير وواقع الجنوب الســوري الذي يشــهد مزيداً من العمليات الأمنية ضد مصالح النظام وإيران في ظل مســاعي حثيثة من قبل اللجنة المركزية وفصائل التســوية والوجهاء واللواء الثامن لتشكيل جهة تمثيلية عنه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom