Al-Quds Al-Arabi

إطلاق مهرجان القمح الفلسطيني الأول2021

رحلة استعادة القمح وسلالاته الأصيلة

- جنين ـ «القدس العربي» من سعيد أبو معلا:

قبل خمس سنوات بدأت الجهود لاستعادة القمح الفلســطين­ي بسلالاته الأصيلة، واليوم تتوج هذه المرحلة الشاقة بإطلاق أول مهرجان مخصــص للقمح يقــام على «بيــادر» (أمكنة الحصاد( بلدة «الجلمة» شــمال شــرق مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة التي تعتبر سهولها امتدادا لسهول مرج بن عامر.

وتحمل المؤسسة الفلسطينية الرائدة التي قامت على هذا المشروع الطويل اسم «مؤسسة كنعان فلســطين» التي اشــتهرت بعملها على زيت الزيتون وبالتعــاو­ن مع مئات المزارعين، حيث عملت طويلا على تحسين ظروف زراعته وجنيــه وتخزينه وهو ما ترتبــت عليه أيضا زيادة فــي المقابل المالي للمزارعين، فقد نجحت هذه المؤسســة على مدى 17 عاما بجعل الزيت ومجموعة مــن المنتجات الفلســطين­ية قابلة للتصدير الخارجي وبميزات تنافسية عالية.

بنــاء على هــذا النجاح دخلت المؤسســة التي يديرها رجل الأعمال الفلســطين­ي ناصر أبو فرحة في مشــروع رحلة اســتعادة القمح الفلسطيني.

عــن تلــك الرحلة يقــول أبو فرحــة: «في عام 2016 أطلقت «كنعان فلســطين» مشــروع اســترجاع الســالات الأصيلة من القمح كي نتمكن من إنتاجها على نظم الإنتاج العضوي. حيث تم تجميع عدد من السلالات الأصيلة من المزارعين في المناطق الفلسطينية البعيدة عن الزراعــة الكثيفة وحصلنا على عدة ســالات منهــا: النورســي، ونــاب الجمــل، والبركة، والهيتــي الســمرة، والهيتي البيضــة، وأبو فاشي، والغزاوي، والحوراني».

زائر ساحة الاحتفال، التي هي جزء من مرج بن عامر، الــذي يعتبر من أوائــل المروج على وجه الأرض التي زرعت بالقمح منذ عشــرات آلاف الســنين، ســيجده مختلفــا للغاية، فقد خرج المنظمون للطبيعة في سهل الجلمة حيث السهول الواسعة.

ومثلما اســتعاض منظمو المهرجان بالسهل الفســيح بدل القاعات المغلقــة، قاموا بنصب منصة كبيرة تتقدمها ثلاثــة أكوام ضخمة من القمح وعلى كل كومة كتب اســم السلالة التي تنحدر منها، وعن ذلــك يقول أبو فرحة: «على مدار ثلاثة مواســم قامت المؤسســة بالدراسة والتقييم مع المزارعين، وقمنا باعتماد بذور كل

من: الهيتي السمرة، والبركة، وناب الجمل من أجل التكثير، والسبب في ذلك الاختيار كونها أنواع تحقق جدوى زراعية واقتصادية».

واســتبدل المنظمون أيضــا مكعبات القش المضغــوط «البــالات» بالكراســي للجلوس، في مشــهد كل ما فيه يشــجع علــى الطبيعة والعلاقة معها. فيمــا كان الزوار يتجولون في المساحة الممتدة ويتناولون المأكولات الشعبية التي تصنعها «فلاحات» فلســطينيا­ت، وكان الأطفال يتقافزون على مربعات من القش فرحا وابتهاجا.

ويتابــع أبو فرحــة : لاحقــا للمعرفة التي حققناها ولعملية الإكثار أسسنا برنامج زراعة القمح الأصيل وتزويد البذور للمزارعين مجاناً علــى أن يعيدوا مقدار تلك البذور بعد الحصاد لتدويرهــا إلى مســتفيدين جدد في الموســم المقبل.

ويؤكــد أن الهدف مــن هــذا البرنامج هو وضع الســالات الأصيلــة بأيــدي المزارعين ومن خلالهم تزويدها للأفــران ومنها للبيوت الفلسطينية.

ويرى المؤســس أبو فرحة أن هذا البرنامج يخــدم التمكــن الاقتصادي للمــزارع والأمن الغذائــي الأهلــي والاســتقل­الية الغذائيــة الوطنية.

ويدلل على أهمية المشــروع مؤكدا أن «هذه الســالات الأصيلة ذات خصائص أكثر صحة للإنســان، لأن الأصنــاف الجديــدة )المعدلة جينيا( لها علاقة مباشرة بالعديد من الأمراض المزمنــة، بالإضافــة إلــى أن هذه الســالات الأصيلــة أنجع فــي الزراعة المســتدام­ة دون اللجوء إلى المدخلات السامة في الزراعة».

ويرى أن «التحدي الأكبر هو أن يتم تسويق هذا القمح لينتج خبزا فلسطينيا صحيا، وهو ما ســيجعله بقيم مادية أكبر قليلا من الموجود بالسوق )وغير الصحي) «والهدف أن يستفيد المزارع الفلســطين­ي، وهو ما سنعمل عليه في الفترة المقبلة».

يأتــي مهرجان القمــح الأول ليكون محطة استنهاض ثقافي على مستوى الوطن لحماية الأصالــة الغذائيــة والبيئيــة والمجتمعيـ­ـة المتكاملــ­ة، كما يقــول أبو فرحة، فيما شــعار المهرجــان «القمح يجمعنا» يؤكــد على أهمية هذه المادة الأساســية في حياتنــا التي علينا واجب الحفاظ على أصالة زراعتها وإنتاجها.

ويضيف «والقمح يجمعنا ببعضنا البعض، ويجمعنــا بأرضنــا وبيئتنــا ويجمعنــا مع تاريخنا العميق وموروثنــا الثقافي وأصوله الزراعيــة ويلهــم مخيلتنا الثقافية لنرســم مســتقبلنا». ويتابــع: «نحــن نكــرم القمح ونحتفــل بالنجاح لينقلنا إلــى نجاحات أكثر تقدماً ويوســع الصــدى الفكــري لبرنامجنا الزراعي والاقتصــا­دي ولتعميم التجربة على مســتوى الوطن، ونؤكد على المثل الفلسطيني الــذي يقول» قمح وزيــت عمار البيــت». لقد حمينا محصــول الزيتون واليوم نبدأ الطريق مع المزارع للنهوض بمحصول القمح وحمايته، ومن خلال هذين المحصولين الأساسيين نسهم بإعمار البيت الفلسطيني .»

حضــر المهرجــان محافــظ مدينــة جنين اللــواء أكرم الرجوب، ومــدراء وممثلون عن المؤسســات الرســمية والأهليــة، وجمعيات زراعية وثقافية من الضفة الغربية وفلســطين المحتلة عام 1948، إلى جانب شعراء وزجالون وأدباء.

وإلى جانــب معــرض القمح ومــا يرتبط به من مأكــولات ومنتجات أنشــدت الأغاني التراثيــة وعزفت الموســيقى وقام الشــباب بالدبكــة وألقيت القصائــد التي تمجد الأرض ومنتجاتها، تلك الأرض التــي تمكن المزارعين الفلســطين­يين، وتعمق علاقتهم بوطنهم ليس من باب الشعار السياسي الذي امتهن الأرض، لكن من بــاب العقل الفلســطين­ي المبدع الذي يعيد بناء علاقة الفلسطيني بأرضه وتحسين ظروف دخله، وهذا يصب في مصلحة صموده ومقاومته.

 ??  ?? صورتان من مهرجان القمح في جنين
صورتان من مهرجان القمح في جنين
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom