Al-Quds Al-Arabi

الغش في امتحانات «الثانوية العامة» في المغرب... طوق نجاة للتلاميذ وأرق للتربويين

- الرباط ـ «القدس العربي» من ماجدة أيت لكتاوي:

لم يُخفِ حمزة )اســم مستعار( لجوءه إلى أساليب ممنوعة خلال امتحانات "الباكالوري­ا"، الثانوية العامة، قبل أيام قليلة، منتظراً بخوف كبيــر النتائج المزمــع الإعلان عنهــا اليوم 20 يونيو/ حزيران، خاصة وأنها ليســت الســنة الأولى التي يجتاز فيها امتحانات "الباكالوري­ا" ذلك أنه لم يتوفق السنة المنصرمة.

"حمــزة" البالغ مــن العمر 19 ســنة، واحد من مئــات آلاف من الُمرشّــحات والمرشــحي­ن لامتحانــا­ت "الباكالوري­ا" هذه الســنة، يحكي لـ"القــدس العربــي" قائلاً: "أتمنــى أن أنجح وأنال "الباك"... شعرت بالكثير من الحزن عند رسوبي الســنة المنصرمة، وأصبح الأمر بمثابة عقــدة لا أريدُهــا أن تلازمني" وتابــع أنه بذل جهوداً لمذاكرة دروســه، كما لم يفكر مرتين في اللجوء لأســاليب الغش التي استخدمها فعلاً داخل قاعة الامتحان.

ســعيد أمزازي، وزير التربيــة الوطنية في المغرب، صرَّح أن حــالات الغش في امتحانات البكالوريا )الثانويــة العامة( التي أجريت بين 8 إلــى 12 يونيو/حزيران الجاري، بلغت 4235 حالــة غش بزيــادة وصلت إلــى 116 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

أمــزازي الــذي كان يتحــدث فــي مجلس المستشارين، الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي، اعتبر أن "النسبة تبقى ضئيلة جداً، ولا تتجاوز 1 فــي المئة من عدد المشــاركي­ن في الاختبارات، والــذي ناهز عددهــم نصف مليــون طالب"، وأضــاف أن محاضر غــش تم تحريرها تمهيداً لتقديمهــا إلى لجان المراقبة التي ســتبت فيها، وتتخذ العقوبــات التي ينص عليهــا القانون المغربي.

وأحيلــت بالفعل 133 حالة على الســلطات الأمنيــة بســبب حيــازة مرتكبــي المخالفات لأجهزة إلكترونية لا يسمح باستخدامها داخل مراكز الامتحان، أو بســبب توجيه عنف لفظي للأساتذة المكلفين بالمراقبة.

بالعودة إلــى حمزة الراغــب في الحصول على شــهادة "الباكالوري­ا" بــأي طريقة كانت، فقد اعتمــد على تقنية تقليديــة جداً في الغش مســتعيناً بــأوراق صغيرة تضم كتابة شــبه مجهرية، معوّلاً على عدم انتباه المراقبين داخل قاعات الامتحان، "لم يكن بوســعي استخدام هواتف وربــط الاتصــال بأشــخاص خارج الثانوية، ففي حال تم تفتيشي واكتشف أمري ستكون نهايتني، لن أعود أبداً لمقاعد الدراسة".

"كان خيــاري الوحيــد أني كنــت مدجّجاً بمختلف أنــواع "الحروز"، نســخ مصغرة من دروس عصيــة علــى الحفــظ، اســتعنت بها وقد نجــح الأمر، ثم لم أضيــع الوقت في حفظ

معلومات متاحة علــى الإنترنت"، يختم حمزة كلامه.

وأمــام اســتفحال وتطور أســاليب الغش واللجوء لاستخدام التكنولوجي­ا، أصدر المغرب قانوناً عــام 2016، فَرَض عقوبــات تصل إلى السجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات، ودفع غرامة بين 5000 درهم )559 دولاراً أمريكياً( إلى 10 آلاف درهــم )1118 دولاراً(، وعرَّف القانون حــالات الغش بـ"تبــادل معلومــات كتابياً أو شــفوياً بين المرشحين داخل غرف الامتحانات، أو حيازتهــم مخطوطات، أو وثائــق مرتبطة بموضــوع الامتحــان واســتعمال آلات غيــر مسموح باستخدامها، ووسائل إلكترونية مهما كان شكلها أو نوعها، ســواء جرى تشغيلها أم لا".

وحدد القانون العقوبات التأديبية بتوجيه إنــذار للمخالفين، ثم بســحب ورقة الامتحان منهم، وتحريــر محاضر بذلك، قبــل أن تتخذ اللجنــة التأديبية العقوبات المقررة اســتناداً إلى درجة خطــورة حالات الغــش، والتي قد تصل إلى حد الرســوب، أو العزل لمدة ســنتين عن التقــدم للامتحانات. كما نص القانون على حمايــة المراقبين داخل قاعــات الامتحانات أو خارجها من أعمال العنف أو التهديد. وفي حال ضبط شــبكة لتســريب أوراق الامتحانات أو المســاعدة في توفير الإجابات، فيُعرض الملف على السلطة القضائية لاتخاذ العقوبات.

المستشــار التربوي منير الجوري، يرى أن الغش ظاهرة ذات طابع قيمي أخلاقي مرتبطة ببناء مواقف تجاه سلوكات المجتمع والتعاطي مع التنافس الذي يطلبه التموقع داخل الأدوار المجتمعيــ­ة، لافتاً إلى أن المســؤولي­ة ســتكون مشــتركة بين أكثر من طرف ممن يعملون على بناء هذه المواقف والاتجاهات.

وأبــرز المتحــدث لـ"القــدس العربــي" أن المســؤولي­ة تنطلق من التربية داخل الأسرة ثم المجتمع ثم الوزارة الوصية والقيِّمين والمراقبين داخل القاعات الامتحانات، ثم المسؤول الأخير هو التلميذ نفســه، معتبــراً أن ظاهرة الغش أصبحت قيمــة مقبولة وتم التطبيع معها، حتى إن كثيرين يعتبرونها بطولة وذكاء لاعتمادها كوسيلة من وسائل النجاح.

"إلا أن الدور الأكبر من المســؤولي­ة تتحمَّله الوزارة، فبالإضافة لكونها مؤسسة اجتماعية فهــي تمارس التربيــة تجاه هــؤلاء التلاميذ، ويفتــرض أن تصحح ما فســد مــن أخلاقهم وقيمهــم الآتــن بهــا، إلا أن الإشــكال يأخذ مســتويات عدة بدايــة بالمســتوى التربوي البيداغوجـ­ـي المرتبــط بصياغــة الامتحانات وأســلوبها والتي تمكِّن المتعلم أن يكون الغش وســيلته للتجاوب معها، فلو اجتهدت الوزارة أكثر فيمكن لهــذه الظاهرة أن تتقلص، وهذا ما دعا إليــه الكثير من التربويــن ممن ينتقدون طريقة صياغة أســئلة امتحانات الباكالوري­ا"،

وفق تعبير الخبير التربوي المغربي.

وانتقــد الجوري المســتوى التنظيمي الذي يجعل من الامتحانات وســيلة وحيدة من أجل انتقــاء أو إقصــاء التلاميذ وتحديــد قرارات النجاح مــن عدمه، حيــث يتم اختزال ســنة كاملة من التحصيل الدراســي في ســويعات يقضيها التلميذ بينه وبــن الورقة، بعيداً عن كل المقومــات التــي يمكن أن تعكــس الصورة الحقيقية لهذا المتعلم، داعيــًا إلى إعادة النظر في هذه الوسيلة.

ولفت المتحــدث إلى أن عدم تحمــل وزارة التربية الوطنية مسؤولية الأحداث التي تنتج عقب العنف الصادر عــن التلاميذ الراغبين في الغش ممن يُمنعون من طرف المراقبين، يجعلهم متردِّديــن وخائفين من تعاطيهم وحراســتهم للتلاميــذ أثناء الامتحانــ­ات، فعندما يتعرض أســتاذ للعنف ولا يجــد ما يكفي مــن التفاف الوزارة قانونياً وتربويــاً واجتماعياً آخرون يتراجعون في جدية تعاطيهم مع الغشاشين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن "المسؤولية يتحملها التلاميــذ أنفســهم، حــن نتكلم عــن تلاميذ الباكالوري­ا والجامعة فهؤلاء راشدون، ويجب أن نشعرهم بمسؤوليتهم في بناء مستقبل على الخديعة والغش، ما يهدد المجتمع كله وقطاعات أخرى يمكن أن يلجها تلاميذ غيــر أكفاء قيمياً وضعاف علــى مســتوى قدراتهم الدراســية والتكوينية".

سبب آخر يســهم في انتشار ظاهرة الغش، وفــق منيــر الجــوري، متمثلــة فــي التطور التكنولوجي الذي يسير بســرعة كبيرة جداً، مشــيراً إلى أن الوزارة متخلفة جداً عن مواكبة ما يحيط بالتطــور من طفرات يوظفها التلاميذ في كل نهاية سنة دراسية، متسائلاً عمن يسمح بإدخال الأجهــزة إلى المغرب؟ وكيف يتم بيعها داخل الأســواق؟ ومــا يمكن أن تفيــد من غير دورها في عملية الغش؟

ولمحاربة الظاهرة لا بــد من مقاربة تربوية، تقوم أساساً على إعادة النظر في نمط التقويم الذي تعتمده الــوزارة في الثانوي والجامعي، يقول المستشــار التربوي المغربي، موضحاً أن الكثير من الــدول اجتهدت ونوعت طرق تقييم التلاميذ ولم تترك كل شيء من أجل امتحانات نهاية السنة الدراســية، مع عدم الاعتماد فقط على الحفظ بل الانتباه إلى أشكال أخرى تضع التلاميــذ في اختبــارات مختلفــة، من خلالها يتم توظيف ما تعلمه بدل اســتظهار المعطيات والمعلومــ­ات بطريقــة مجردة وغيــر مرتبطة بالواقع.

وطالب المتحدث من الــوزارة الوصية على القطــاع التجديــد فــي قوانينهــا ونصوصها التنظيميــ­ة ولغتها المســتعمل­ة، وأن تجعل من الامتحانات محطة اعتياديــة بعيداً عن كونها حاسمة ومصيرية والتي يطغى بسببها الضغط والتوتر النفسي على كل التلاميذ.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom