Al-Quds Al-Arabi

الشعر المغربي ملغوم بالأسئلة ونقده في حاجة إلى طرح فلسفي

شعرنا المعاصر إلى أين؟ )18)

-

■ يســود الاعتقاد اليوم بأنّ راهن الشعر المغربي هو مقترحات جمالية فردية أكثر منه غنيمة جيل كما حدث في العهود السالفة؛ أي أرخبيلي وخرائطي أكثر منه تجميعيا وطائفيــا كيفما اتفق. تجارب شــعرية متزامنة وممتدة، فكّتْ ارتباطها بالإحــالا­ت المعروفة، وآمنت أكثر بما تضيفه إلــى حقل الشــعرية المغربية. لابــسَ شــعراء مثــل هــذه التجارب نــصُّ القلــق والعصيان، ونشــطت حدوساتهم وتأمّلاتهم النظرية، وأخذ وعيهم بِشَــرط كتاباتهم المحســوس والمرئــي يتقــوّى ويبــرز بوضوح، حتى وجدنا عندهــم ضروباً متنوعة من الكتابــة، التي لا تخضــع لقواعد، أو على الأقــل تفرض قواعــد خاصة بها، تُفجّرها مــن داخلها، وقد مالت أكثر إلى القِصر والاقتصاد فــي اللغة، والتكثيف الرمزي - الكنائي لبناء الصورة الشعرية خارج وجوه البلاغة المعهودة، وسعت إلى تشــظية وعي الأنا بنفســها وبالعالم، أو الارتقاء به ملحميّاً بشروط كتابية وإحالات معرفية جديدة، بقدر سعيها إلى تشذير البناء النصي وإيلاء الــدالّ ـ بمعنــاه الجمالي والفلســفي، لا اللساني الأجوف - الأسبقية في تشييد مُتخيّلهــا الشــخصي - الســير ذاتي وإعادة تسميته في آن.

وإذن، داخــل حالــة اللااطمئنا­ن وشــريعة القلق، يظلُّ الراهن راهناً، والنقــد الشــعري مُطالَــبٌ بتجديد أسئلته لبحث ما فيه اعتبار، هنا والآن.

صلاح بوسريف: في معنى أن يكون الشعر خارج «القصيدة»

ثمة غموض في المشــهد الشــعري المغربــي، مثله في ذلك، مثل المشهد الشــعري العربي، في عمومه. عن ماذا ســنتحدَّث في الشِّعر، عن أي جيل أو أي ســياق، أو أي نسق إذا شئنا. كانت الأمور إلى حدود الجيل الشعري الثالث، أعني جيــل الثمانينيـ­ـات، واضحة، لأن مــا كان قبلنــا مــن شــعر، كان غارقاً في الســياق السياســي، وفي الشــفاهية الخطابية، وكان الشِّــعْر محكوماً بالصوت، وما زال، ومحكوماً بالغنائيــ­ة، الصوت الواحد الذي يمتص باقي الأصــوات، أو هي من تمتصّه بالأحرى ويجري في مائها، مــا جعل تجربة هذين الجيلين، تبقى خارج السياق الفني الجمالي، الذي سنراه يتخلَّق مع جيل الثمانينيا­ت، وتشرع الذات في توسيع مراياها، وفي إحداث الاختراقات، في اعتبار مهمة الشــاعر الأولى والأخيرة، هي أن يكون هو نفســه، صوته يجيء منه، لا من خارجه، بكل ما يحتمله من مُضاعفات وأقنعة ورموز ودلالات.

هذا الجيل نفســه، اليوم، حدثت فيه انشــقاقات، من حيــث هذا المعنى، منه من شُــلَّ بالمرة، ولــم يعد يضيف شيئاً، ومنه من كان، في أساسه، كما بيَّنْتُ ذلك في كتاباتي النقدية، اســتمراراً لجيل الســبعيني­ات وما زال، رغم ما نقرأه فــي ما يكتبه من تنويعات علــى ترجمات مأخوذة من هنــا وهناك. الباقون من هذا الجيل، هم أفراد. انتهينا اليوم، من مفهوم الجيل، وغيره من المفاهيم الأخرى التي يمكن أن نقترحها، وأصبحنا أمام تجارب فردية، معزولة، تعمل في مشغلها الشّعرِيّ، في منأى عن الانتماءات التي باتت غير قادرة على خلق أفق شعري مغاير، أو قابل لأن يكون زُرْقَةً وطريقاً. الأجيال اللاحقة، بدورها، تعيش هذا الوضع، وضع العمل الفردي، أو المشــغل المعزول، لذلك، في الأطاريح الجامعية، وفــي الكتابات النقدية، أصبحنــا نجــد مفهــوم التجربــة، تجربة شــاعر، أو تجارب شــعراء محدودوين من حيث العــدد. الأطاريح والقراءات التي كانت تتوخَّى الصوت الجماعي، والبنيات والقوانين المشتركة، لم تعد تصلح في ما يُكْتَب اليوم، لأن الشِّـْـعر اســتقلّ بنفســه، تحرَّر، وشــرع، في بعض التجارب المعــدودة على رؤوس الأصابع، يتأسس على المعرفة بالشِّعْر، من خلال النظر فيه، ومــن خلال تأمله، في علاقته بغيره من الأنواع الكتابية، أو الأســاليب وطرق الكتابة، واللغة لم تعد تعبأ بالمســافة بين النثري والشعري، ولم تعــد وحدها ما يُحــدِّد مفهوم النص، بعكــس الخطاب، الذي هو مــاض، اللغة هي مــا يحكمه، كمــا أن المفاهيم والتسميات، باتت غير مســتقرة على ما أتانا من الماضي، وسلَّمْنا به، بنوع من النسيان؛ أعني، حين النظرية يســتغرقها العامّ، والمشــترك، والقانــون والقاعدة، أو المبتذل، ما ينطق به الجميع. فهي، في مثل هذا الوضع، كما سمَّيْتُها في نقدي للشــعرية العربية المعاصرة، تصبح فكراً نائماً. ما لم نــوازِ الشــعري بالنظري، وما لم تصبــح المعرفــة الشــعرية، أو المعرفة بالشــعر، يقظة، تفرك عينيها باســتمرار حتَّى لا تســرقها غفلة النوم، لا يمكن أن نخرج بالشِّعر من وضع «القصيدة» الذي هو الوضع المهيمن على الكتابة الشعرية في المغــرب، وفــي العالم العربــي، وأنا هنــا، أميّز بين التجربة الشــعرية، والكتابة الشعرية، لأنّ الكتابة الشــعرية هي الســائدة، أما التجارب فهي معدودة ومعروفة، بما راكمته من أعمال، ومن تصــورات حــول الشــعر ذاته. والفرق بينهما هــو أن التجربة تراكم نوعي، والكتابة تراكــم كمِّي فقط، ما يزال في حاجة إلى أن نفرزه، لنعرف مــا يجري فيــه، مثل البســتان الذي تغلب فيه الطحالب على الزهر والورد. ما لم نخرج من الشــفاهة والإنشاد، ومن الغنائية المفرطة، وما لم نُعِد تســمية الشِّعْر بما يليق به، وما لم نذهب إلى مفهوم العمل الشعرِيّ بمعناه الملحمي المركب، أو الشــبكي الخرائطيّ، الذي فيه تتداخل الأصوات والضمائر، ونعود بالســرد إلى أصله الشــعرِيّ، كما نراه في الملاحم الأولــى والكبرى، وكذلك الحوار. لا نستطيع أن ندخل ما أســميه بحداثة الكتابة، والماضي ســيبقى هو ما نســتمدّ منه الحداثة، وهذا، في ذاته، عطب في الخيال والعقل الشــعرِيَيْن معاً. التجارب التي أحدثت الخرق، هي تجارب تأتي من خارج الكتابات الســائدة، تحفر مجراهــا نحو المســتقبل، لأنها أدركت، عربياً، وليــس في المغرب فقط، أن قارئهــا هو غير قارئ «القصيدة» وهو قارئ محكوم بشرطي الدهشة والرعشة والجمال، قارئ مفهومه للشــعر يتشــكَّل، عنــده، إبَّان القــراءة والاكتشــا­ف، وفي النص ذاتــه، وليس بما هو سابق على القراءة والاكتشاف، أو يأتي من خارج النص. من هنا يأتي التشــوُّش الحادث في الكتابات، لأنها لم تعِ التجربة والمشروع الشــعرِيّ، كشرط للخروج، ليس من الفكر النائم، بل ومن الشعر النائم أيضاً، وهما سيان.

محمد بودويك: هل في المغرب شعراء؟ وهل عندنا شعر؟

هو ســؤالٌ مُلْغِز وملغوم، بيِّنٌ وواضح في الآن نفسه. سؤال مفتوح على المناوشة والمشاكسة، والتشكيك بغاية الدفاع عن ذاك الوجــود الفعلي الواقعي أو المفترض؛ لأنّ المســألة، في الأول والأخير، تقوم على الرأي المحســوب، والموقف المتــزن، والمقتــرب العلمي الموصــول بالبحث والتنخيل، والمقارنة والموازنة، ووضع المعيار على المعيار: معيار الشعر كما بُنِيَ، سابقا، وَفْقاً لرؤية وتوجُّه وتصوُّر، واســتلهام من المتون المدروســة في فتــرات متفاوتات خاضعة لسؤال الثقافة والفكر واللغة، والدين، وغيرها. وعيار آخر يتمدد ويتجدد حســبان النظر الإبســتيم­ي، والحفر المعرفي، والتحول العرفاني والبرهاني والبياني. ما يعني أنّ الشــعر لا يثبت على حال، ولا يظل على سمت بعينه، ولا يســتكين إلى بناء وتركيب وتخييل كما قعده آباؤنــا الروحيّــون، وإلا فقــد روحه وجوهــره اللذين يقومان، بالأساس، على أرضية عطشى لا تني تبحث عن أمواه وأنساغ، مروراً بالســراب، وأقواس المطر، وعمائم السحب المنذرة بالبروق والرعود.

ومن ثمة، يعسر ـ تماما- إطلاق الشعرية في مفهومها الياكوبســ­وني على نوع مخصوص من الإبداع الشعري، وليكن، مثلا، الشــعر العمــودي. كما يعســر الكلام عن الشعرية الكامنة والحافة بالشعر التفعيلي دون قصيدة النثر، والعكس بالعكس؛ إذ أنّ الشعرية: الجمرة الملتهبة التي ترمي بشــرر، وتتوهج كعين نمر الشاعر )بْلاَيْكْ( في الليــل الأليل، توجد حيث يوجد الشــعر، أي حيث توجد اللغة مكســوة بريش طائــر الســيمورغ، وعارية إلا من بياضها الناصع، وســوادها اللاذع. وفــي ذلك فليجتهد المجتهــدو­ن، وليتَقَصَّ أغوارها - بحثــا عما يفتن فيها - النقاد والدارســو­ن. فلا معنى ـ فــي تقديري ـ للكلام عن شعر يحمل رسالة، عن شــعرٍ دَعَويٍّ، فالدَّعَويُّ كالمنظوم ســواء بسواء، زادُ الشــعر فيه ضئيل إنْ لم يكن معدوماً جملــة وتفصيلا. ولا جــدوى من وراء الكلام عن شــعر مــوزون ومقفى، يدلُّ على معنى، فهذا النوع من «الشــع» أصلح للشــعر التعليمي الدّيدَكْتيكــي، بل أصبح في خبر كان، ولم يعد دالّا على العصــر، وكيف يدلُّ عليه، وهو لا يدلُّ حتى على نفسه بوصفه شعرا؟

الشــعر فينا يُطــوّر لغتــه، ويموقع نظامــه التلفُّظي المخصوص، ويمتشــق جمرته، ويمتطي خياله المتوثب، ويصفــق مُترحّلاً من دالّ إلى دالّ، ثــم يهدل، أو يعدل، أو يصهل باثّاً لوعته، حزنه وفرحه، دهشــته وذهوله، قلقه وطمأنينته، موقعا رقصتــه الذبيحة، هازّاً أعطافه مُدَوَّراً أو مُشَذَّراً، أو مُسَوَّراً بشوك الورد، ودم السياج.

القوالب قوالب، والشــعر شــعر، لأنّه اللغــة العليا، الشــاهقة الســامقة، الجارحة والناعمة فــي آن، الماتعة والســاعية إلى رَجِّ أركان النفس والــذات والجموع. أما القوالب فهي أردية توضع بعد أن تســتوي اللغة شــعراً، وتنصهر فــي أتــون الجمال والجــال، وفــرن الإبداع والابتداع، وقدســية الملكوت، وطين الناســوت. وعليه، فإن صراع الأشكال الشــعرية الثلاثة، واصطفاف الناس بين منتصر لهذا الشكل دون ذاك، ما هو إلا مضيعة للجهد والعقل والقلب والوقت؛ إذ الصراع ينبغي أن ينصب على حضور الشعرية ضمن ذلك الشكل الإيقاعي من عدمه.

لقد حســم الغربُ وغير الغرب، الأمــرَ، ولم يعد النقد المتابع يثير أهمية الشكل الشعري، الذي صبّ فيه الشاعر شــعره، بقدر ما أضحى مهجوســاً بما تحقق من شعرية

في الشــعر، بمنأى عن وزنه العروضــي، أو خلوّه منه. ولا غرو، فإن الشــعر موجود في القصائد الشعرية التي نقرأ والتي تغزونا في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي المنابر الصحافية والإلكترون­ية، وعبر المجاميع الشــعرية المطبوعة، لكن بأي نســبة وجرعة ومنســوب؟ ذلكم هو مربط الفرس. وإنّه لسؤالٌ يعيدنا إلى العنوان بداهةً: هل في المغرب شــعراء؟ وبالتداعي والتراسل: هل في العالم العربي شعراء؟ وإذا كان الجواب بنعم، فكم عددهم؟ وفي أي حقبة زمنية هم مركونون؟ أفي الســتينيا­ت من القرن الفائت؟ أم في الســبعيني­ات، أم فــي الثمانينيا­ت؟ أم في القرن الحالي، القرن الحادي والعشرين؟

ولنا أن نســارع إلى القول بأن الشعر قليلٌ، والشعراء كثيــرٌ. لكننــا لا نذهب مذهــب الذين يقولــون بأن عدد الشــعراء فــي المغرب لا يتعدى العشــرة، وفي أحســن الحالات، العشــرين، وأنه لا يوجد مئة شــاعر في العالم العربي برمته، علماً بأنّ ســاكنته تربــو على، أو تقترب من 300 مليــون عربي؟ وإذن، ســيكون صادماً القول إن بلد المليون شاعر الذي هو موريتانيا، ليس سوى سَحْتٍ وَنَحْــتٍ وَإفْكٍ، ولربّمــا نكون أكثر صدقيــة، وأقرب إلى الواقع، عند توصيف هذا المليون بالناظمين لا الشــعراء، مــا خلا قلةً معدودةً. ثم ما هو عيار الشــعر الذي نميز به الشــعر من اللاشــعر، ونقيس في ضوئه عدد الشعراء المفترض فــي بلادنا؟ يصعــب الجواب تمامــاً، غير أنه بمُكْنتنا المجازفة بالقول: نعم، يوجد شــعراء في المغرب لا يعلم بعدتهم إلا الله. لكن، هل يوجد شــعر بديع، فاتن، جميل، هائــل البناء، عميــق الفكر الثــاوي، رفيع اللغة والصورة والتخييل، في ما نقرأ من شــعر ضمن الأشكال الإيقاعية الثلاثة: الخليلية، والتفعيلية، والنثرية؟ وهل دَرَى الشــعراء أن الشــعر في حدّه الجامــعِ، هو مغامرةٌ باللغة في اللغة، ووَعْيٌ بها، ورؤيا تتكئ على ثقافة كثيفة ومُشعّة؟

مرة أخرى، بصيغــة أخرى: هل في المغرب شــعر؟ ما نوعيتــه؟ ما إضافاته؟ مــا مداه؟ ما أثــره وتأثيره؟ هل يُتَلَقَّى التلقي المطلوب والمرغوب والمنشود؟ وكيف السبيل إلى معرفة ذلك؟ عن طريق أيّ استقراء؟ أيّ استبيان؟ أيّ استمزاج للرأي؟

تلك هي الأســئلة الشــائكة الكبرى، وذلك هو السؤال الكبير على حــد تعبير ويليام شكســبير:

!

يحيى عمارة: في الحاجة إلى نقد فلسفي للشعر

إنّ اهتمــام النقد المغربي بالنص الشــعري ظلّ ضيق الأفــق، نتيجة ضيــق بدايته ووســطه، حيــث ظل في البدايــة حبيــس التصوُّريــن البلاغــي والدلالي، بين انزياحات جان كوهن، مُمثّلاً للمدرسة الشعرية البنيوية والبنيات الاجتماعية للوسيان غولدمان مُمثّلاً للمدرسة الأيديولوج­ية - السياســية، وفي الوســط تهافت على الحداثــة في المكونــات النصية الجمالية. وهــذا إن كان مفيداً في القراءات الجديدة التي تبين اســتقلالي­ة تبعية النقد المغربي للنقد المشرقي في موضوع الحداثة، فإنّه لم يتمكن من إدماج عنصر المعرفة في مفهوم الحداثة الأدبية، ولم ينظر إلــى النص الشــعري بوصفه فلســفة وفكراً يحمل مرجعية فلســفية وفكرية تشــير إلى قوة حضور البعد المعرفي في النص الشــعري، وهو البعد الذي يقدم للإبداع المغربي فلسفته الحضارية والجمالية والتأويلية؛ لأنّ مفهوم الشــعر في الحياة المعاصرة لم يعد مُحدّداً في المكونات الجمالية فقــط، بل حتى في الأبعــاد المعرفية، وفــي التفاعل الجديد للكتابة الشــعرية مع باقي أصناف الكتابات الإنســاني­ة الأخرى. هناك أمثلــة على ما نقول: من عالج هذه الإشــكالي­ة في كتاب خاص عند الشــعراء المغاربة المفكريــن الذين أبدعوا قصائــد كونية باللغتين العربية والفرنســي­ة؛ من أمثال: محمــد عزيز الحبابي، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد خير الدين، وعبد اللطيف اللعبي وآخرين؟

في هذا الســياق، لم يقــدم لنا النقــد المغربي المعاصر معا ناقــداً متخصّصاً في مشــروع نقدي للشــعر يجمع بين الشــعر والفلســفة، وبين الشــعر والفكر مثلما نجد في النقد الشــعري الغربي والمشــرقي، حيث هناك أمثلة كثيــرة يصعب حصرها، نذكر منها غاســتون باشــار، وبيير ماشــيري، وموريس بلانشــو... وفي المشرق عبد الغفار مكاوي. ولعلّ الأمر يعود إلى عدم استطاعة الناقد المغربي للشــعر هو الآخر التحرر من مجموعة من الأفكار والتصورات، التي ظلت تتحكم في مكونات المثقف المغربي منذ عهود وعهود، أو ربما كان النقد كذلك ضحية الحصار المؤسساتي والمجتمعي للمشروع الفلسفي الفكري المغربي ســنوات الثمانين والتســعين من القرن العشرين. وهنا نطرح الســؤال: ألم يتأثر الناقد المغربي بظاهرة حصار الفكر والفلســفة في المعرفة المغربية بكل مراتبها؟ وهنا، يمكن القول إنّ الخطاب النقدي الســردي المغربي أحيانا استدرك هذه الثغرة.

ثُــمّ إن النقد المغربي في أجوبته عن أســئلة الشــعر المغربي ســنوات الســبعيني­ات والثمانيني­ات من القرن الماضي قدّم «حكما مجحفا» في حق خصوصيات القصيدة المغربية المعاصرة، حينما ربط التجربة المغربية بالتجربة المشــرقية ربطا آليّاً مستنســخاً، ناســياً أو متناسياً أنّ التجربة المغربية في تلك الســنوات كانت مُتّسمة بانفتاح الشــاعر المغربي على الآداب العالمية، وهذه الخاصية من أهم عناصر التحول الكبير في المسيرة الشعرية المغربية، إن لــم يكن أهمّهــا، وهو عنصر لا يقلل من ميســم الجدة والأصالة.

ومن هذا الباب المفتوح على كنوز التجربة الإنســاني­ة، اكتشف الشاعر المغربي نفسه وموقفه من الحياة والكون والوجــود، في محاولــة للنهوض من كبواته الســابقة، واللحاق بركب الحضــارة المتطور بســرعة مذهلة. هذا يلغي مقولة الصوت والصدى التي أغفلت الفهم الصحيح للتأثيــر والتأثر، وهي المقولــة التي عانى منها الشــعر المغربي كثيراً وما زال يعاني منها. أما في ما يخص الشعر المغربي الحالي، فإنه يعيش إشكالية البحث عن المختلف في زمن التحولات الكبرى المدهشــة التي يشهدها العالم، ونعتقد بأنّ بحثه شرعي، شريطة أن يكون اختلافا أصيلا يراعي السياقات والأنســاق التي تترعرع فيها القصيدة المغربية المعاصرة، لأنها مثل باقي قصائد العالم، تتعرض للتحــولات والمؤثــرا­ت وللهــزات نتيجة تغيُّــرٍ في بنى المجتمع المغربي، ولاسيما على صعيد الاحتكاك الحضاري - الثقافي في نهج الحياة والنظم السياسية والصراعات الاجتماعية والتحولات المجتمعيــ­ة الكبرى، بيد أنها على الرغم من هذا وذاك، تظل رفيقة ســؤال لا يمكنه أن يكون جديــدا أو صحيحا، إلا بالرجوع إلى الأســئلة الســابقة عليه؛ بمعنى نريد القول إنّ الشعر المغربي في حاجة إلى طرح فلســفي جديد، لكي يؤكد شــرعية البحث عن أفق شعري بديل.

 ??  ?? صلاح بوسريف
صلاح بوسريف
 ??  ?? محمد بودويك
محمد بودويك
 ??  ?? يحيى عمارة
يحيى عمارة
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom