Al-Quds Al-Arabi

نظام الأسد وعلاقته مع إسرائيل... مؤشرات ومغازلة

- نداف ايال

■ على طريقته المعتادة، يســعى نظام بشــار الأســد إلى علاقة مع إسرائيل. المؤشــرات كثيرة، وتتواصل منذ سنة ونصف. وهاكم بعض الأمثلة: مقــال ورد إلى معهد بحوث أمريكي لخبير ســوري يشــرح فيه مسيرة الســام والموقف الســوري الثابت -على حد قوله- الذي يبحث عن حل سياســي؛ وأنباء فضائحية ظهرت في وســائل إعلام عربية عن لقاء سري في قاعدة لسلاح الجو الروسي في حميميم داخل ســوريا وشــاركت فيها ظاهراً محافل إسرائيلية وسورية وروسية، وذكر في النبأ رئيس الأركان السابق آيزنكوت. وأفادني رداً على ذلك بأن هذا لا أساس له من الصحة، وقالت مصادر إســرائيلي­ة أخرى إن النبأ خيالــي تماماً. ومع ذلــك، هناك حديث دائم في أوســاط محافل غربية عن اتصال يجري بين محافل أمنية إسرائيلية وسورية.

هذه ليســت النهاية: ففي الأســبوع الماضي ظهــر نبأ طويل في «الجزيــرة» عُني بتســخين العلاقات بين الســعودية وســوريا، وبالطريقة التي تمنح فيها الرياض شــرعية متجددة لنظام الأســد الكريــه. في النبأ، عميقاً، أخفي عنوان آخر تماماً، فقد بلغ المراســل بأنه تحدث مع محفل رسمي في وزارة الخارجية السورية أكد إجراء اتصالات مع إسرائيل. وقد ربط ذلك بالعلاقات مع السعوديين «ترى الرياض محادثاتنا مع الإســرائي­ليين كموضوع أولي لمحادثات غير رســمية مع الأمريكيين، بخاصة فــي الوقت الذي تريــد فيه إدارة بايدن ترك الشرق الأوســط، وعليه، ربما، ستكون مستعدة لتقبل الوضع الراهن في ســوريا». وعلى افتراض أن المراســل لم يخترع هذه الإحاطة، يدور الحديث عن قول ذي مغزى. وبمناسبة المغزى، هذا الأسبوع نشر مستشار إدارة أوباما للشؤون السورية، السفير الســابق فريدرك هوف، مقالاً روى فيه أنه قبل عشــر سنوات، في 28 شباط 2011، قال له بشار الأســد بقصره في دمشق إنه مستعد لقطع علاقاته العســكرية مع إيران وحزب الله مقابل ســام كامل مع إســرائيل، إذا أدى هذا الســام إلى إعادة كل «الأرض السورية المحتلة».

في الأيــام العاديــة، وبلا صلــة بالأمــر، كان يمكن لسلســلة المنشورات هذه أن تصبح دراما عظيمة. فجملة الأنباء العالمية، مثلما هي التقديرات الراهنة التي تســمع في واشــنطن وموسكو تشهد على رغبة ســورية لإعطاء انطباع حراك في الموقف من إســرائيل. والسؤال المركزي هو: ما السبب؟ وكم هي خطوة حقيقية، وبخاصة عندما يهاجم سلاح الجو بثبات في الأراضي السورية؟

في مقال في منتدى بالتفكير الإقليمي نشرته اليزابيت سوكاروف مؤخراً، باحثة في الشــؤون السورية، تحلل أزمات النظام العميقة. فقد فشــل في إعمــار الدولة: لا يملــك معظم المواطنــن، في معظم

ســاعات اليوم، أي كهرباء. أما المياه فمن الصنابير وليوم أو يومين في الأســبوع، المنتجات الأساســية بجودة متردية، وليس هناك ما يكفي من الوقود، والليرة السورية تآكلت بنحو 60 في المئة، والأجر المتوسط الشــهري لموظف الدولة الســوري يبلغ 15 دولاراً، وسلة المنتجات ارتفعت هذه الســنة بنحو 200 في المئة. اجتهدت الشرطة السرية السورية في أثناء حملة الانتخابات الأخيرة لتهديد الأعمال التجارية كي تتبرع بالمال لطباعة يافطات الأسد الكبرى التي أغرقت الدولة وكلفت المحلات مالاً طائلاً . «ضريبة الإعمار » التي تفرض على الســكان يســرقها النظام بثبات. إضافة إلى ذلك، الأمريكيون غير مســتعدين للحديث بأي شكل مع الحكم الأســدي الذي يعد نظاماً دنساً ارتكب أفعال قتل شــعب، وبالتوازي يرى الإيرانيون الدولة الســورية كمدينة لهم بأموال طائلة على الأعمــال التي نفذوها كي ينقذوا النظام من أيدي الثوار.

مثلما هــو فــي الشــرق الأوســط دومــاً، تتداخــل المصالح. فالســعودي­ون يبحثون عن قنوات لتوســيع نفوذهم مقابل إيران، ولهذا فهم مستعدون للعفو عن الأسد. أما هو من جهته فيريد إخراج القوات الإيرانية من الدولة؛ وهو موضوع مشــكوك أن تكون إيران تفكر فيه، وثمة شــك أكبر ما إذا كانت موســكو ستنفذه. في سوريا نزل عشــرات آلاف المبعوثــن الإيرانيين أو أولئــك الموالين لإيران؛ ويبدو طردهم كحلم ليلة صيف. الوضع في سوريا يائس جداً، قال لي مصدر مطلع على الأمور هذا الأســبوع، فالنظام نفسه يسره أن ينثــر تلميحات خفية عن التقدم مع إســرائيل والولايات المتحدة – على أن يتمكن من توفير أمل ما للجمهور الغاضب والمســتاء. يؤمن الســوريون بأن بوســع الإســرائي­ليين أن يمنحوهم الشرعية في واشنطن، وأن يســاهموا في لغة مشــتركة مع السوريين ومع دول الخليج ويثبتوا إحساســاً بالتقدم للدولة نفســها. هم لا يتحدثون عن السلام، بل عن اتفاق عدم قتال بعيد المدى؛ ربما تسويات تتعلق بتقليص الوجــود الإيراني في الدولة وغيرهــا. بتعبير آخر: يبدو أن الســوريين يريدون الاتصال مع إسرائيل ولكنهم يريدون إعطاء انطباع بوجود مثل هذا الاتصال.

في كل الأحوال، الحكومة الجديدة حازمة مثل ســابقتها بالنسبة للجولان؛ في 2018 بــادر يئير لبيد إلى ندوة كبيرة في الكنيســت كجزء من حملة توجهت إلى الأســرة الدولية للاعتراف بالســيادة الإســرائي­لية في الهضبة. لا تعتقد أي جهة ذات مغزى في إسرائيل بأنه من المرغوب فيه تقديم تنازلات إقليمية لنظام الأســد، أو حتى التفكير في ذلك. فماذا نعم؟ ســتفكر إســرائيل بمساعدة السوريين مقابل تقليص الوجود الإيراني فــي الدولة والمس بحزب الله. بكل الأحوال، لا يوجد أي مؤشــر بأن الأســد قد يوفر البضاعة حتى في صفقة محدودة كهذه. هذا هو الشــرق الأوســط الجديــد: إذا كان الإسرائيلي­ون في الماضي يلاحقون السوريين، فإن السوريين اليوم هم الذين يبحثون عن القدس.

يديعوت 2021/6/18

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom