Al-Quds Al-Arabi

كيف يوقف بينيت كرات اللهب المتدحرجة نحو حكومته؟

-

■ اجتــازت حكومة بينيت هذا الأســبوع تحديها الأمني الأول. فقد مرت مسيرة الأعلام بسلام دون أن تبعث موجات صدى زائدة. كما الأحداث في غزة كانت تحت السيطرة بينما حرصت إســرائيل على الإيفاء بالتزامها بأن «حكم البالون كحكم الصاروخ .»

ليس هذا هو مســتوى التحديات التي بانتظار الحكومة الجديدة في الســنوات القادمة. ســتكون أمامها سلسلة من المواضيع، كل واحد منها يستدعي بلورة سياسة ورسم طرق عمل. معقــول أن ينعقد الكابينت السياســي الأمني بتواتر أعلى في سلســلة من المداولات العميقة. على جدول الأعمال: إيــران، والولايات المتحدة، والجبهة الشــمالية والســاحة الفلسطينية، ومبنى الجيش وميزانيته وغيرها.

التحــدي الأول والفوري هو النــووي الإيراني. فالقوى العظمى وإيران تقف على شــفا التوقيع علــى اتفاق نووي جديد. عمليــاً، تطلعت الولايات المتحــدة لتنهي الأمر حتى قبل الانتخابات للرئاســة في إيران والتي ستجرى الأسبوع القادم، ولكن الإيرانيين هم الذين تصلبوا في المواقف.

التقدير الســائد هــو أن الزعيم الأعلى علــي خامينئي، يســعى لإعطاء إنجاز عن رفع العقوبات ضمن إطار الاتفاق للمتوقع أن يفوز في الانتخابات، إبراهيم رئيســي، المحافظ المتصلب، الذي تجرى الآن محاولة لرســم صورته في شكل يبنيه كالزعم الأعلى المستقبل. انتخابه يشهد على أن إيران ســتواصل خطها الكدي تجاه الغرب بما فــي ذلك في المجال النووي والإرهاب والتموضع الإقليمي.

الاتفاق المرتقب لــن يحرر حكومة بينيت من الانشــغال بالموضوع. العكس هو الصحيح، إذ إنها ستكون مطالبة بأن تقرر، فوراً، ما العمل. إيران أقرب بكثير اليوم من النووي مما كانت عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018. كما أن مساعي التخريب على برنامجها النوي، والتي نسبت في معظمها لإسرائيل، لم تحرفها عن مسارها.

إلى جانب إعداد خيار عســكري حديث، مطلوب تنسيق عميق مع الأمريكيين، والأوروبيي­ن أيضاً، في محاولة للتأثير علــى الإدارة لتحقيــق التزامها بــأن يكون الاتفــاق أطول وأقوى، وبالتوازي أيضاً تحديد خطوط حمراء، والقول ماذا سيفعل إذا تبين بأن إيران خرقت هذه الخطوط.

سيســتدعي هذا جهداً دبلوماسياً منســقاً لشق مسارات – لقلب الإدارة الجديدة. فالتنســيق السياســي الأمني مع الأمريكيين هو فــي لباب قوة إســرائيل، ومطلوب تعزيزه. صحيح أن إســرائيل رفضت حتى الآن مــن الأمريكيين طلب المقابل علــى عودتهم المتوقعة إلى الاتفــاق كي لا يظهر الأمر

وكأنها مســتعدة للبحث أو المســاومة في مســألة النووي الإيراني، ولكن من اللحظة التي يوقع فيها الاتفاق ســيكون ممكناً وضع كل شــيء من جديد على الطاولــة، بما في ذلك قدرات منعت عن إسرائيل.

ستكون إيران في بؤرة ثلاث مســائل أخرى ترتبط فيما بينهــا: الأولى، الإنتاج المواظب لوســائل قتالية ولا ســيما صواريخ بعيــدة المدى ودقيقة وطائرات غير مأهولة، وتنقل إلــى مرعييها فــي المنطقة. الثانيــة، جهودهــا لفتح جبهة أخرى مع إسرائيل، ولا ســيما في سوريا ولبنان، وبقدر أقل في اليمن أيضــاً، والعراق وغزة. والثالثــة، أعمال الإرهاب المتواصلة لها، في المنطقة وفي أرجاء العالم.

في الســنوات الأخيرة، تدير إســرائيل معركة دائمة ضد هذا النشاط الإيراني. تحت عنوان «المعركة ما بين الحروب» تتم أعمال جارية لقطع جهود التموضع الإيراني في ســوريا لتشويش نقل وســائل قتالية متطورة لجملة من الجهاد في المنطقة ولا ســيما لحزب الله في لبنــان. هذه المعركة حققت حتــى الآن إنجازات عديــدة ولكنها لم تدفع إيــران لتغيير برامجها. والآن ســيكون من الصواب فحص مدى نجاعتها، وكذا أيضاً التعديلات الواجب إدخالها فيها.

كجزء من ذلــك، يجب اتخاذ قــرارات تتعلق بحزب الله والســاحة الشــمالية. من بين طواقم التحقيــق التي عينت في أعقاب الحملة الأخيرة علــى غزة، فإن ذاك الذي يفحص التداعيات على معركة مســتقبلية في لبنان )والذي يترأسه قائد المنطقة الشــمالية امير برعم( هو الأهم. وقبل أن ينهي عمله، واضح أن الحرب القادمة في الشــمال لن تشبه شيئاً رأيناه في الماضي. وستكون إسرائيل مطالبة بأن تستعد لها عســكرياً بل وعملياتياً وأساســاً في جمع الشرعية الدولية وإعداد منظومات وعي ناجعة.

مســألة الصواريخ والمقذوفات الصاروخية هي الأخرى تســتدعي بحثاً معمقاً، والقرارات جســيمة. أطلق من غزة في «حارس الأســوار» 4.400 صــاروخ أدت إلى حجم يمكن – احتماله من الإصابات والضرر. أما الحرب في الشمال التي ســتحدث على أي حال هي «حرب الصواريخ الأولى» والتي ســتطلق فيها على إســرائيل صواريخ وذخائــر أخرى من لبنان بل وســوريا وغزة ويحتمل أيضــاً من العراق واليمن وربما من إيران نفسها أيضاً - ســتقف إسرائيل أمام تهديد غير مسبوق يستدعي استثمارات زائدة في منظومات الدفاع الجوي، ولكن أيضاً فــي حلول هجومية وتكنولوجية تؤدي إلى تقليص التهديد والضرر المحتمل.

صحيــح أن الردع في الشــمال قوي، ولكن حســن نصر الله عــاد في خطابه الأخير ليتحدث عــن «ملف مفتوح» أي عن نيته للانتقام على مقتل ناشــطه في الصيف الماضي في دمشــق. مشــكوك أن يكون حزب الله معنياً بالحرب، ولكن على خلفية النجاح الجزئي للاستخبارا­ت في قراءة خطوات حماس في غزة، ســيكون من المجدي إعادة فحص فرضيات العمل في ســياق حزب الله ولبنان أيضاً الذي يجتاز اليوم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فيما قدرته على أن يؤدي دوره كدولة موضع شك.

الموضوع الفلســطين­ي هو الآخر سيشــغل بــال حكومة بينيت، بقســميه. فأبو مازن الآن في أواخــر عهده ويخيل أحياناً أنــه يفقد الاهتمام والاتصــال بالواقع. المحيطون به يوثقــون العلاقات مع حماس، التي يشــخصونها وعن حق كجهة عظيمة القوة ستستوجب على الأقل شراكة مستقبلية. إن الهدوء الأمني النسبي في الضفة مبني أساساً على جهود الجيش والمخابرات الإســرائي­لية، وبقدر كبير على التعاون الأمني مع الفلســطين­يين. في الفترة الأخيرة ضعفت سيطرة الســلطة في بعض المناطــق، وتعاظم العنف. إســرائيل لن تصل إلى اتفاق مع الفلســطين­يين في عهــد بينيت )وعلى ما يبدو بعده أيضــاً( ولكن لها مصلحة في الإبقاء على الهدوء. الطريق إلى هناك ستمر كما تبدو أيضاً باستئناف الاتصالات السياسية مع السلطة، بوساطة وبضغط أمريكي.

إن توثيق العلاقات مع الســلطة واجــب أيضاً كجزء من تحديد اســتراتيج­ية واضحة تجاه قطاع غــزة، الأمر الذي امتنعت عنه إسرائيل حتى الآن. لقد سعت «حارس الأسوار» لتعزيــز الردع تجاه غــزة، ولكن إنجازاتها لــم تصمم بعد، والجبهة هشــة جداً. من غير المســتبعد أن تكون إســرائيل مطالبــة بعملية عنيفــة أخرى في القطاع قريبــاً كي توضح حدودها. هدوء مطلق من غزة وقطع صلتها بالقدس، ولاحقاً الدخول في محادثات بوساطة مصرية تسمح بإعمار القطاع في ظل تقليص التعاظم العسكري لحماس.

إن المســائل الفلســطين­ية ســتعطي للحكومة الجديدة مصــدراً مريحاً أيضــاً لتوثيق العلاقات مــع العالم العربي المعتدل. مصر حليف قريب لإســرائيل والعلاقة السياســية – مع الأردن التي اهتزت في الســنوات الأخيرة على خلفية – التماس بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء بنتنياهو واجبة التعزيز.

كما أن اتفاقات إبراهيم تعد أرضاً مريحة لتعزيز التنسيق في جملة من المواضيــع وفي وجه عمــوم التهديدات. ليس واضحاً كم ســيكون ممكناً توسيعها في الفترة القادمة وضم دول أخرى إليها، ولكن إسرائيل ستواصل من تحت السطح نيل باب مفتــوح تقريباً فــي كل عاصمة وقصــر على مدى آلاف الكيلومترا­ت. ومن المجدي لإســرائيل أن تبلور سياسة واضحة حول ما تستعد هي لعمله مقابل السلام، مثلاً حيال طلب مســتقبلي مرتقب من الســعودية لقدرات عســكرية متطورة من الأمريكيين مثل تلك التي حصلت عليه الإمارات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom