Al-Quds Al-Arabi

مروءة عربية لحكومة بينيت لابيد وأمنيات بالنجاح

- نزار السهلي ٭

علــى ضــوء مشــهد تشــكيل الحكومــة الإســرائي­لية الجديدة، الــذي لا "بهجة" فيه، كان من المفترض، منطقياً، أن تدرك السياسة العربيــة ومنها الفلســطين­ية، عــدم الاحتفاء بالمتغيرات الشــكلية للحكومات الإسرائيلي­ة المتعاقبــ­ة، ولا تلتفت إليها كمــا لو كانت في بــرج عاجــي منخلع عــن الواقــع، خصوصاً بعــد تجربــة مريــرة مــن أوهــام الســام والمفاوضــ­ات، لكــن مــا حصل، وللأســف، ذهب في اتجاه مختلف.

الدبلوماسي­ة العربية

ما تبقى من الدبلوماسـ­ـية العربية أصبح عاجزاً بعد تعثرٍ طويل، فمن يرى في التوليفة الحكوميــة لنفتالــي بينيــت ويائيــر ليبيــد، كفرصة لتهنئة المؤسسة الصهيونية الفاتحة عهدها بمســيرة الأعلام الصهيونية باقتحام القــدس والمســجد الأقصــى، وبالعــدوا­ن المتواصل على الشــعب الفلســطين­ي وأرضه ومقدســاته، يــدرك أن البديهيــا­ت التــي لم تتغير في أي حكومة إســرائيلي­ة من التهويد لــأرض والبنــاء الاســتيطا­ني ومصــادرة المنــازل والأراضــي والعــدوان والقتــل والحصــار وممارســة إرهــاب الدولــة، إلى عــدم الاعتراف بالحقوق التاريخية للشــعب الفلسطيني والتي تشــكل النقيض الناسف للفكرة الصهيونية.

ابتهــاج عواصم عربية، بتشــكيل حكومة عــدوان جديــدة فــي إســرائيل وإرســال الأمنيــات لها بالنجاح والاســتعد­اد للتعاون معهــا، هــو المتغيــر فــي دبلوماســي­ة عربية الانحنــاء للعــدوان والتطبيــع معــه، تترافق مع إعلاء شــعار لــوم الضحية الفلســطين­ي، ابتهــاج لــه طعم الــذل والعــار، والتســاؤل الأبرز الذي يطرق الرؤوس طرقاً، يدور حول

أهــداف تهنئــة أنظمة قمعيــة للاحتلال على انجاز "حكومته" المتمحورة على بقاء وابتكار طــرق الســيطرة والعــدوان علــى الشــعب الفلســطين­ي، وعلــى إعــادة صــوغ ترتيبات أمنية وسياسية عربية وإقليمية، تساهم في اسقاط صيغة النضال الفلسطيني في خانة "الإرهاب" وإدانته، في اســتلهام قديم جديد للتصورات والخطط الاستراتيج­ية الأمريكية الإســرائي­لية للمنطقة العربية المتململة بفعل الثورات العربية.

الخط السياسي الكفاحي

بعدمــا أكــد الشــعب الفلســطين­ي، مدى تمســكه والتفافــه حــول الخط السياســي الكفاحــي في الســاحة الفلســطين­ية، وظهر ذلــك جلياً فــي المواجهــا­ت الأخيــرة في كل مــدن فلســطين التاريخيــ­ة وفــي القــدس والضفــة وقطاع غزة، لتأكيــد التصميم على النضال ومواجهة السياســات الاستعماري­ة الصهيونية في فلســطين، وبعدما استعادت فلسطين رايتها في عواصم القارات الخمس كقضيــة تحــرر وطنــي ضــد نظــام الفصل العنصــري فــي إســرائيل، يحــاول النظــام العربي المتصهين أن يشكل لوبيا من منظومته القمعية لمــد شــريان حياة جديد لإســرائيل التي مــا تزال تحتــل الأراضي الفلســطين­ية والعربية، وترفض الانســحاب منها، وتعلن صباح مســاء رفضهــا "مبادرتهم" للســام بعدمــا مزقــت كل أوراق أوســلو فــي وجه موقعيهــا، فأي معايير ومفاهيم تحكم تفكير المهنئين لإسرائيل غير الذل؟

المشهد العربي

فــي القــدس، كان المشــهد الآخــر مــن المشــهد العربــي، ذلــك المشــهد العصي عن الترميــز، حيــث وقاحة الجريمــة والعدوان

في ســلوان والشــيخ جراح وبــاب العمود، تطيح ببهجــة عربية مُذلــة لأصحابها، وفي عواصم الابتهــاج العلني، وافتضــاح عملية التثمير السري المنطوي على دعم الاستبداد والطغيــان، بدا معهــا الســفور واضحاً، من تهنئة "بقيام إسرائيل" ومن أعيادها العبرية وأســاطيره­ا التلموديــ­ة، ومن عجــز ومخازٍ عسكرية وأمنية منشــغلة بقتل مئات الآلاف في شــوارع ومــدن عربيــة، ومــن الاعتراف بــكل أشــكال التزويــر والنهــب التاريخــي لممتلكات أصحاب الأرض وتاريخهم ونعتهم بأوصاف مســتعارة من قاموس المســتعمر، تتزاحم أنظمة التصهين العربي نحو ما تبقى لها مــن واجبــات مباركة الســطو والعدوان التقليدي، كأنها قائمة مقدســة في شــهامة الأنظمة المتصهينة

التمنــي العربي لحكومة "إســرائيل" بزعامة تحالف بينيت لابيد، بالتوفيق والنجــاح، تعنــي مســاندة للمشــروع الاســتعما­ري الصهيوني في فلسطين وأمنيــات النجــاح أن تكســر الحكومة الصهيونيــ­ة شــوكة أصحــاب الأرض والتاريخ والحضارة، هكذا تمهد مروءة التصهين العربي لزعزعة وتدمير عمق الصراع، وهكــذا يتوهم المتحالفون مع المشروع الصهيوني في النظام العربي المهترئ، ولكن هل هذا ممكن؟

هل ممكــن أن يحــل ويعيش الاستســام والانبطــا­ح العربــي على حســاب إدامة عمر الاحتلال والاستعمار والاذلال؟

هــذا هــو الســؤال ولــن يغيــب أو يلغــي مضمونــه كل برقيات التهنئــة وكلمات الود واللطف والابتســا­م والحزن التــي يتبادلها عرابــو التصهــن مع مســتعمر ينظــر إليهم بفوقيــة توراتيــة وتلمودية "كأغيــار" يجب إبادتهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom