Al-Quds Al-Arabi

جيفري والجولاني... غزل متبادل أم مصالح متبادلة؟

- كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

المقابلــة المطولة لجيمس جيفري المبعــوث الأمريكي إلــى ســوريا، التــي نُشــر نصهــا الكامــل مؤخــرا، تضيء مزيداً من الجوانب فــي التفكيــر البراغماتـ­ـي للسياســة الأمريكيــ­ة، وأهمهــا فــي رأيــي، التعامــل مــع الطــرف النافــذ والمهيمــن، وإن لم يتفق معهــا قيميا أو أيديولوجياً، فــي منطقة لا وجود حقيقي فيها لمنظومة الدولة، بل لروابط ما قبل الدولة.

يبدأ جيفــري حديثه محــاولا التخفيف من صفــة الإرهاب على «تحرير الشــام» بوضعها فــي منزلــة بــن المنزلتــن، باعتبارهــ­ا قــد تســتخدم الإرهــاب كعمل تكتيكي في ســبيل هدف سياســي، وليس إرهابياً بحتاً، وإن كان هــذا التوصيــف يمكــن أن ينطبق علــى تنظيم الدولــة، لو نظرنا لــه في إطار النــزاع الأهلي، حيث يســتخدم جميع الأطراف أعمالا إرهابية للانتصار، في نزاع محلي في جوهره.

يقــول جيفري «هنــاك مجموعــات إرهابية بحتــة، لطالما كانت «القاعــدة» جماعة إرهابية بحتة، كانت داعش في الغالب جماعة إرهابية خالصــة، بالتأكيد فــي ســلوكها، لأنها كانت مثل أكثــر الجماعــات الإرهابية التــي رأيناها على الإطلاق، ولكن هناك مجموعات حزب الله وفيلق القــدس وحزب العمال الكردســتا­ني، التــي تكون عــادةً قــوى مقاومــة، أو حركات تحرير، أو أشــياء أخــرى تســتخدم الإرهاب أحيانًــا كتكتيــك». ويشــبه جيفــري «تحريــر الشــام» بحزب العمال الكردســتا­ني في أكثر مــن مناســبة، فهو أولا يــراه يرتكــب الإرهاب في ســبيل نــزاع لإســقاط نظام معــاد: «على الرغم من أنهم كانــوا فرعاً من القاعدة إلا أنهم كانوا يركزون بشكل كبير على الإطاحة بنظام الأســد، تماماً مثل حزب العمال الكردستاني، فهو مهتم بالإطاحة بحكــم الدولة التركية في شــرق تركيا، وهــم سيســتخدمو­ن في بعض الأحيان أشــياء تتجاوز الخط إلى ما نســميه الإرهاب، كتعمد إصابة أشخاص غير مقاتلين، أو جنود في حافلة بدون أسلحة، أو سائحين علــى الشــاطئ، ســأضعهم فــي تلــك الفئة.» ويقــارن جيفري في مقاربــة لافتة بين ضحايا الأعمال العسكرية السعودية وضحايا تنظيم «تحرير الشــام» المصنف إرهابيا في الولايات المتحــدة، ليصــل بالنتيجــة إلــى أن ضحايــا الجولانــي أقــل مــن ضحايــا الســعودية في حرب اليمــن، ليخلص باعتبــار أن «ليس المهم ما نواياك بل ما هي النتيجة». ويقارن جيفري بين النصرة عام 2015 عندما استهدفت القرى العلويــة، وتصريــح الجولانــي المؤيــد لذلــك، وهجمات الجيش الجمهوري الأيرلندي، وبعد أن يصفها بالهجمات الإرهابية يفســرها بأنها نوع مــن «ملاحقــة المؤيدين الأقويــاء للطرف الآخر .»

المحاور الأخــرى، تضمنت حديثا عن كيفية اضطــراره للاختيار بــن أفضل الســيئين، إذ يصــف الجولاني بأنــه «الخيار الأقل ســوءا» ويبرر ذلك: «لأن هيئة تحريرالشام قوة قتالية فعالة ضد الإرهابيين الحقيقيين، وقوة قتالية فعالة ضد الأسد» حســب تعبير جيفري الذي يوضــح أن الإدارة الأمريكيــ­ة كانــت تضطــر لإدخال مســاعدات لإدلب رغم علمها بسيطرة الهيئــة عليها، فالامــر متعلق بتجنــب انتصار الأســد، إذ يرى جيفري أن «فوز الجانب الآخر هو الشــيء الوحيد قبل كل شيء، الذي أردنا تجنبــه لمنع الطــرف الآخــر من الانتصــار في ســوريا - أي الأســد والإيرانيـ­ـن والروس.» وهكــذا فــإن تنظيم «تحريــر الشــام» في نظر جيفــري يمثــل واقعا علــى الأرض ويشــبههه بســيطرة حــزب العمــال الكردســتا­ني، وهو «الخيار الأقل ســوءا» بالنســبة لــه في منطقة تســودها الجماعات والروابط لما قبل الدولة، «عندما لا يكون الوضع طبيعيا للدول الوطنية والمعايير الدولية والســلوك الدولي، ينتهي بك الأمر مع مجموعات مثل هذه، التي تفعل أشياء لا تحبها، ولكن يوجد الأشــخاص الذين يتعين عليك التعامل معهم لتجنب أشياء أسوأ.»

الإدارة الأمريكية كانت تضطر لإدخال مساعدات لإدلب رغم علمها بسيطرة الهيئة عليها، فالأمر متعلق بتجنب انتصار الأسد

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom