Al-Quds Al-Arabi

لبنان: النظام يتظاهر ضد الشعب!

-

■ وصــف بعــض الاقتصاديي­ن النظــام المالي فــي لبنان بأنه «خطة احتيال منظمة» تمكّن فيها مســؤولوه من مراكمة جبل ديــون يعادل 150٪ مــن الناتج العــام الإجمالي، حيث كانت الدولة تقترض المال لتســديد أموال مســتدانة سابقا، وكانــت اللعبــة المغرية هي عرض أســعار فائــدة كبيرة على الودائــع الجديــدة بالــدولار، بحيث اســتمرت المصارف في تمويل انغماســها في الإنفاق، واستمرت الدولة في استيراد الســلع الفاخرة ورشوة المحســوبي­ن فيما خدمة الدين تكلف ثلث نفقات الميزانية.

على المقلب السياســي قامت «النخبة» اللبنانية بهندســة استراتيجية للخراب السياسي.

لا يتعلّــق الأمــر بعمل قــوى إقليمية على الاســتيلا­ء على القــرار السياســي اللبناني وجعلــه رهنا لسياســات أنظمة خارجيــة، أثناء وبعد الحــرب الأهليــة اللبنانية، بــل يتعلّق بمشــاركة عمليّة في تحقيــق هذا الاســتتبا­ع الهرميّ، بحيث صار طبيعيــا لهذه القوى أن تتحدث عن كونها جزءا تنفيذيا من أجندة إقليمية، وهو أمر يشبه ما يسميه المفكر الجزائري

مالك بن نبي: «القابلية للاستعمار».

يقدّم الاســتتبا­ع السياســي والعلاقــة «الأجنبية» لقوى لبنانية حاكمة ببلادها وشــعبها ومؤسســاته­ا المختلفة، من الرئاســة إلى الحكومــة ومجلس النــواب والقضــاء، البيئة الحاضنــة للفســاد السياســي والاقتصادي الــذي يتخفى وراء الأحــزاب والطوائف لكنّه يقضي علــى مقوّمات البلاد بحيث رعى هذا النظام انحطاط اقتصاده فتراجعت إيرادات الســياحة، كمــا تراجعت تحويــات اللبنانيين فــي الخارج، وتراجعت المســاعدا­ت الخارجية والمنح الخليجية والدولية، وصــولا إلى الاســتيلا­ء على مدخّــرات المودعــن اللبنانيين، وعلى أموال دعم اللاجئين.

لــم تكتف قــوى فاعلة فــي المنظومــة اللبنانيــ­ة بتخريب بلادهــا، بل شــاركت أيضا، فــي تأمين آلاف المســلحين من مناصري «حزب الله» للقتال للمشاركة في سحق السوريين الذيــن ثــاروا عــام 2011، وكان أحد اشــكال حمايــة النظام الســوري من الســقوط التهريب اليومي لشــاحنات الطحين والنفط من لبنان إلى سوريا، بحيث تخسر الميزانية اللبنانية

واللبنانيـ­ـون هذه المــواد المدعومة لصالح نظام شــارك على مدى عقود في قمعهم.

في هذا الجوّ «القياميّ» الذي يتهــدد بانهيار البلد بأكمله يتركــز مشــهد «الصراع» السياســي الحاليّ فــي لبنان على محاولة الرئيس ميشــال عون ضمان تركيبة يسيطر بها على الحكومة المقبلــة ليضمن تعويمها أو الانقــاب عليها لتأمين توريث صهره جبران باســيل الرئاسة من بعده، وكانت آخر فصول هــذا الموضوع إعلان الاتحاد العــام للعمال في لبنان تظاهرة للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية، وهي تظاهرة تم تجييرها لصالح الزعامات السياسية التقليدية، وشاركت فيهــا الأحزاب المتنازعة على الحكومة والســلطة وعلى دولة تنهار وبلد يتلاشى، وهو ما جعل اللبنانيين يعلقون على تلك الاحتجاجات بالقول إن النظام يتظاهر ضد الشعب.

ولكــي تــزداد الكوميديا الســوداء كلاحــة وإظلاما كان لافتا إعلان السلطات اللبنانية عن إحباط تهريب مليار دولار مزيف من لبنان إلى تركيا، وضبط شــحنة كبيرة من حبوب مخدرات الكبتاغــو­ن معدة للتصدير إلى الســعودية، وهذان الحدثان لا يتعلّقان، كما هو معروف في شــيفرات الطوائف والسياسة في لبنان، بشؤون المافيات والعصابات فحسب، بل بشؤون السياســات الإقليمية أيضا، فلم يمرّ وقت طويل منذ إعلان الرياض عن وقف اســتيراد منتجات من لبنان بعد اكتشــاف شــحنة كبيرة مشــابهة من المخدرات محشوة في صناديق الرمان، كما لا يخفى أن موضوع الكبتاغون مرتبط أيضــا بتدبير الشــؤون الماليــة للنظام الســوري، الذي صار شــريكا أكبر لمافيات سياســية لبنانية في اقتصاد المخدرات والتهريب والعملات الزائفة.

واضــح أن أغلــب قــادة الســفينة اللبنانية غيــر مهتمين بغرقها الموشــك، فهم الذين عملوا، بكل جهدهم، لهذا الغرق، ولعــل بعضهم، اذا اضطره الأمر، ســيعود إلى البلد الأجنبي الــذي قاتل مــن أجله، وإذا لم تــأت تحويــات مالية جديدة لســرقتها، ونفدت أمــوال الاحتياطات والمودعــن، ولم تعد عمليــات المخــدرات والتزييــف تنجح، أو انتصــر خصومهم عليهم، فســوف تأتي الطائرات لأخذهــم إلى تلك البلاد التي تهمهم أكثر من بلدهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom