Al-Quds Al-Arabi

الحرب توقفت وآلام مزارعي غزة تفاقمت... هكذا حولت الصواريخ المزارع الخضراء لأكوام من الرماد الأسود

الاحتلال ضرب زراعة غزة لمنع «الاكتفاء الذاتي»

- غزة ـ «القدس العربي» من أشرف الهور:

مــع مــرور نحو شــهر علــى صمــت المدافع واســتمرار حالــة التهدئــة، إلا أن الأزمة التي خلّفتها الحرب الشرســة للمزارعــن تتفاقم مع مرور الأيام، بســبب زيادة خســائرهم المالية، وانتهاء أحلامهم بجني أموال قريبا من مزارعهم ومحاصيلهم التي دمرت بالكامل جراء الغارات، التــي طالت مســاحات واســعة مــن الأراضي الزراعية في كافة مناطق غزة.

وأحدث الاســتهدا­ف دمارا كبيــرا في حقول زراعية وأباد أشجارا مثمرة، فحول تلك الأراضي إلى مناطق قاحلة.

وفي شمال قطاع غزة، وتحديدا في بلدة بيت حانــون، ضربــت صواريخ إســرائيلي­ة، بيارة تضم أشــجار زيتون، فحطمت جذورها وبدلت لون أوراق الشــجر الذي يحافظ على اخضراره طوال أيام الســنة، الذي يعد أحد رموز فلسطين والســام، إلى اللون الأســود، وألحقت بملاكها خسائر كبيرة.

ففي تلك المزرعــة انتظرت صاحبتها ســناء الزعانــن، التي تعيل ثلاثة أطفــال أيتام، توفي والدهم بمرض عضال، لأكثر من ســبع ســنوات حتى ترى الشــجر على هذا الشــكل الذي ينتج محصولا وفيرا يوفر لها ولأســرتها مصدر رزق ســنويا. وتقول الســيدة الزعانين لـــ «القدس العربي» قبل ثماني ســنوات كانت هذه الأرض، وتشــير إلى حفــر عميقــة أحدثتهــا صواريخ حربيــة إســرائيلي­ة، اقتلعت أشــجارا مزروعة بالحمضيــا­ت، وقرر زوجي قبل وفاته أن يزرعها بالزيتون، بعد هجــوم مماثل للاحتلال دمر تلك الأشجار التي كانت توفر دخلا سنويا للأسرة.

وتضيف «اليوم لا فــي زيتون ولا حمضيات، الأرض كلها خراب، الصواريخ دمرت كل الشجر» وتقول السيدة والحزن يمتزج بنبرة صوتها إنها كانت تنتظر حلول موســم جنــي الزيتون بعد

أشــهر قليلة لبيع المحصول وتوفير أموال تمكنها من رعاية أطفالها الثلاثــة، وأكبرهم بعمر الـ 14 عاما. وفي تلك الأرض لم يعد هناك أي معلم قائم بســبب الغارات الجوية التي استهدفت المنطقة يشــير إلى أنها كانت عامرة بالأشجار، وبدا أن الأمر كان متعمدا من الاحتلال.

وتقول الســيدة الزعانين إن أشجارها كانت ترتفع لعدة أمتار عــن الأرض، وكانت أغصانها تملأ المكان، قبل أن تقتلع من جذورها من شــدة القصف.

وفي مناطق أخرى شمال القطاع، حيث يعمل الســكان في مهنة الزراعة، كانــت هناك غارات جوية استهدفت أراضي زراعية قريبة من منازل ملاكها، فهناك انتشــر اللون الأسود الذي خلفه البــارود والنار، وقلب الصــاروخ باطن الأرض إلى سطحها، فمزق شــبكات الري، وأتلف أيضا البذور والأسمدة التي يجهزها الفلاحون لرعاية أرضهم.

ويوضح شــاب كان موجودا في مزرعة والده من عائلة خضر وهو يتفقــد الدمار، أن الأضرار التي لحقت بهم بليغــة، وأنه حرم بفعل الغارات طوال فترة الحرب من الوصول لأرضه.

ويشــير إلــى أن جــزءا منها اســتهدف في القصف، ودمر المحصول الذي كان يستعد لجنيه، لافتا إلــى أن كميات أخرى مــن المحصول طالها التلف، لعدم قدرته علــى الوصول إليها لجنيها، فيما اتلفــت مزروعات أخــرى لمزارعين يعرفهم جيدا، لعدم قدرتهم على ري الأراضي طوال فترة العدوان.

وخلال أيام العــدوان اســتهدفت الطائرات الحربية عددا مــن المزارعين خــال محاولاتهم الوصول إلى حقولهم،

لكن ذلك الشــاب المــزارع يصــر على تحدي آلة الحــرب، ويقول إنه ســيعاود فلاحة أرضه مــن جديد، حتى يرى ما يســره منها، لأنه يقول ببساطة «لا أعرف سوى العمل بالزراعة.»

وفي إحصائية لحجم الأضرار والخسائر التي تكبدها القطــاع الزراعي في قطــاع غزة، جراء اســتمرار العدوان، بينت أن الخسائر بلغت 204 ملايــن دولار. ووجهــت وزارة الزراعة في غزة مناشــدة عاجلة إلى الجهات والمنظمات الدولية والأمميــة الإنســاني­ة بضــرورة التدخل لوقف الاســتهدا­ف المباشــر للبنية التحتية الزراعية والمنشآت الزراعية.

ويقول وكيــل وزارة الزراعة إبراهيم القدرة، إنــه كان مــن اللافت فــي العدوان اســتهداف الطائرات الحربية الإســرائي­لية بشــكل مكثف ومركز للأراضي والمنشــآت الزراعية. وقد أبدى اســتياءه من حجم الدمار الــذي أصاب القطاع الزراعي، وأشــار خلال قيامه بجولــة ميدانية ســابقة لتلك الأراضي التي طالهــا القصف، إلى ان الاحتلال سعى لضرب زراعة غزة، عندما رأى حجــم النجاح والاكتفاء الذاتي الذي نســير به على خطى ثابتة.

وأكد أن ما اســتهدفه الاحتلال خلال العدوان ليس أراضــي زراعية خالية وفارغــة، إنما هي أراض عامــرة وغنيــة بالمحاصيل والأشــجار والتربة والمياه والمنشآت الزراعية الأخرى.

وأشاد القدرة بصمود المزارعين وثباتهم خلال العدوان الإســرائي­لي، رغم ما لحق بمزروعاتهم وأراضيهــم من دمــار وأضرار كبيــرة. وقال إن الزراعة وبجهــود كوادرها العاملــة، وبصمود المزارعين «ستنهض من جديد، وستنفض الغبار وستســتأنف همة القطاع الزراعــي، وتواصل عجلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي.»

ونقــول الــوزارة «إن الأضرار فــي قطاعي الانتاج النباتــي والحيواني تتضاعف بشــكل يومي، حيــث قام مربو الأبقــار بإتلاف أكثر من 30 ألف لتر من الحليــب، وذلك لعدم القدرة على تسويقها أو استخدامها بمعامل التصنيع.»

وتســبب العدوان في تلف مباشــر للأراضي المزروعــة بالخضراوات والفواكــه وتدمير كلي وجزئي للمنشــآت الزراعية والبنيــة التحتية الزراعيــة من خطــوط ناقلــة وشــبكات ري، بالإضافــة للآبــار الزراعيــة وخزانــات المياه والمشاتل.

كما لحقــت أضــرار كبيــرة بحقــول القمح ومــزارع تربيــة الدواجن ومــزارع الأبقار، ولم يتمكن المزارعون من الوصول لممارسة عملياتهم الزراعيــة وتســويق منتجاتهم، كما اســتهدف الاحتلال بالقصف المباشــر أحد مصانع الأعلاف المحلية ومخزنــا للأعلاف، ممــا أدى إلى تدمير المصنع والمخزن بشكل كلي، كما استهدف مخازن شــركة مختصة بالمبيدات والأســمدة الزراعية شــمال القطاع، وألحقت بملاكها خســائر مالية كبيرة، وهــو ما دفع بالوزارة إلــى التحذير من «كارثة بيئية» نتيجة استهداف تلك المخازن.

وكانــت وزارة الزراعة قد حــذرت من انهيار وخســائر مالية كبيرة تطال القطــاع الزراعي، جراء سياســات الاحتلال الإســرائي­لي، وقالت «إن الســلة الغذائية لســكان قطاع غزة تقترب من حافة الخطر » نتيجة لتكبد المزارعين خســائر فادحة وعزوفهم عن الزراعة، بســبب إطالة أمد إغلاق الاحتــال لمعبر كرم أبو ســالم التجاري

في وجه الصادرات الزراعية منذ أكثر من شــهر، موضحة أن قيمة الخســائر التــي لحقت بقطاع الصــادرات الزراعية والأســماك نتيجة إغلاق معبر كرم أبو سالم بلغت نحو )12 مليون دولار(.

وأكدت أن إطالة أمد الإغلاق ســوف تضاعف خسائر المزارعين والتجار الفلسطينيي­ن. وحذرت وزارة الزراعة من أن استمرار هذا الوضع سوف ينعكــس على الســلة الغذائيــة للمواطنين في القطاع.

 ??  ?? مزارع فلسطيني في غزة فقد محصوله في دفيئة
مزارع فلسطيني في غزة فقد محصوله في دفيئة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom