Al-Quds Al-Arabi

«ذِكر قلِق» اجتياح نوستالجيا ونفض الغبار عن معرض تشكيلي لأجل فلسطين

- بيروت «القدسالعرب­ي» من زهرة مرعي:

فــي 24 الشــهر الجاري يقفــل معرض «ذِكــر قلِق» بــاب الحنين الحزيــن تاركاً فــي البال أســفاً من حاضــر لا يمت بصلة للماضــي. «ذِكر قلِــق» اســتقبله متحف سرســق منذ 27 يوليو/ تمــوز الماضي في إستعادة لمرحلة مشرقة في تاريخ الشعوب المناضلة من أجل الحريــة، والديمقراط­ية والعدل وخاصة شــعب فلسطين السليبة. معــرض ولد بحصيلــة جهود اســتمرت تسع ســنوات للباحثتين كريستين خوري ورشا السلطي، بشكل خاص، وللعشرات سواهما من أنحاء مختلفة من العالم.

معرض يوثق لأحداث فنية وإنســانية كانت خلالها بعض الشــعوب تعيش حلماً بمستقبل خال من الديكتاتور­يات وأحكام العساكر والإســتبد­اد والفصل العنصري. وفي خضم تلــك الإنتفاضات الإنســاني­ة والسياســي­ة، توالــى التأييد والمســاند­ة الأوروبيــ­ة والعالميــ­ة لتلــك الشــعوب، وخاصــة بعد أحــداث 1968 في فرنســا. وبات لتلك الشعوب والشعب الفلسطيني أصوات تصدح في كل العالم.

«ذِكــر قلِــق» عالم ممتد بســخاء من الوثائق والصــور والحــوارا­ت والأفلام المســجلة. المعايشــو­ن لتلــك الحقبة، أو الذيــن أتاح لهم تاريــخ ميلادهم وإهتمام الشــخصي المــرور علــى أطرافهــا، فإن هــذا المعرض ســيدفع النوســتال­جيا كي تجتاحهم، وتلهب عقولهم وأفئدتهم. «ذِكر قلِق» يثير الأشجان، ويحرك بركة الأسئلة الراكــدة خوفاً مــن الاجابات المباشــرة والصادمة.

في «ّذِكــر قلِق» عودة إلــى مرحلة رأى فيهــا الفنانون في العالــم أن الفن «مكانه قلــب الحيــاة الاجتماعيـ­ـة». «المعــرض التشــكيلي العالمي من أجل فلسطين» الذي شــهدته بيروت في 21 آذار/ مارس 1978 كان العنوان والهدف الذي حرّك الباحثتين خوري وسلطي، لكنه فتح أبواباً على الفن الــذي لعب دوراً فــي التغيير السياســي حينهــا. ذاك الفن الذي رافــق المنفيين من بلداهم إلى حيــث هم، فكانــت «معارض المنفى».

بعــد الوقوع علــى كاتالــوغ «المعرض التشــكيلي العالمي من أجل فلســطين» في غاليري أجيال، شكل حجمه الكبير مفاجأة للباحثتين. فالمعرض الــذي نظمته منظمة التحرير الفلسطينية من خلال قسم الفنون التشكيلية في مكتب الإعلام الموحد شارك فيه نحــو 200 فنان من حوالــى 30 دولة. وتلقى القائمــون على المعــرض تبرعات بلغت ما يزيــد على 200 لوحــة بهدف أن تكون نواة متحف فني مســتقبلي من أجل فلســطين. وكان مســتغرباً ومستهجناً أن هذا المعــرض ممحي من الذاكــرة المكتوبة تماماً، ولا ذكر له فــي أي وثيقة عن تاريخ الفن على مســتوياته المحليــة، العربية أو الدولية. من الأســماء الفنية التي شاركت في المعرض خوليو لو بــارك، خوان ميرو وانطوني تابيس.

مفتاح لمزيد من المعرفة

جاء في الكتيب الــذي رافق «ذِكر قلِق» أن اللقاء مــع الفنان الفرنســي كلود لزار شكل مفتاحاً لمزيد من المعرفة والإكتشاف. فكلــود لــزار كان قريبــاً مــن المناضلين الفلسطينيي­ن في العاصمة الفرنسية، وهو من حشــد همم الفنانين للتبرع لـ»المعرض التشــكيلي العالمي من أجل فلسطين». في القاعة الســفلية لجامعة بيروت العربية، حيــث افتتح المعــرض حصلــت تظاهرة ثقافيــة كبيرة، رغم أن إســرائيل كانت قد انهــت عدواناً على لبنان بــدأ في 14 آذار/ مــارس وصلت خلاله إلى نهــر الليطاني. ومــع ذلك حضر إلــى بيروت فــي افتتاح المعرض إلى جانب الراحل ياســر عرفات وغيره من القيــادات مناضلون من الصف الأول وعشرات من الفنانين العالميين. وكان يــوم 21 آذار/ مارس 1978 مشــهوداً في حياة بيروت.

لم يطــل الزمــن كثيراً للبحــث بالمزيد مــن المعارض، ففي صيــف 1982 حاصرت اســرائيل بيروت، وقصفت مبنى الإعلام الموحد، حيث كانت بعض اللوحات، ومبنى آخر كان يضم القسم المتبقي.

لكل معرض حكاية

وفي حكاية «المعرض التشكيلي العالمي من أجل فلســطين» إكتشــفت الباحثتان كريستين خوري ورشا السلطي، أنه مولود مباشــرة من رحم «متحف المقاومة العالمية لسلفادور آينديه».

فبعد فتــرة وجيزة من تولــي حكومة الوحدة الشــعبية الحكم في ســنة 1971، أطلق آينديه نــداء للفنانــن دعاهم فيها للتبــرع بأعمــال فنية تضامناً مع شــعب تشــيلي بوصفــه أول دولــة فــي أمريكا اللاتينيــ­ة تنتخب فيه حكومة اشــتراكية ديمقراطية.

وهكذا دبّ الحماس في اللجنة الدولية للتضامن الفني ونشــرت البيــان. وكان مدهشاً حجم التبرع بالأعمال الفنية والتي بلغت بحدود الـ600 عمــل. جرى ذلك بين عامــي 1971 و1973، لكن في 11 تشــرين الثانــي/ نوفمبــر مــن ســنة 1973 جرى انقلاب دموي أطاح بحكومــة آينديه. أما الأعمــال الفنية التي نُسّــقت لتكون نواة المتحــف فقد خُزّنــت في أماكــن مختلفة. لكن نداء آخر أطلقه المنفيون من تشــيلي للفنانين حول العالــم، بالتبرع لمعرض في المنفى. وهكذا ولــد متحف المقاومة العالمية لسلفادور آينديه كمتحف متنقل في المنفى، وولدت بادرة متاحف المنفى. ولأن الفنون عالية الأهمية في نضال الشــعوب من أجل الحرية، فــإن إقامة «المعرض التشــكيلي العالمي من أجل فلســطين» جسّــد أحد أهم مســاعي منظمة التحرير الفلسطينية في الفن. وبعد الفن التشكيلي توسع الإهتمام بالفنون جميعها بما فيها الملابس التراثية. وكان ممثلــو مكاتب منظمــة التحرير في عواصم العالــم يجتهدون لتقديم كل أنواع الفنــون المتاحــة تعريفاً بشــعب صاحب أرض. الجميع كان أمام التحدي الكبير وهو ابلاغ العالم بشرعية القضية الفلسطينية.

فــي «ذِكــر قلِــق» تصــدرت ملصقات وبوســتيرا­ت وصور فوتوغرافية ســيرة فلســطين مع الفن، الذي اعتبــره الراحل ياســر عرفات «ســاح من أجل فلسطين .» وفي المكان انتصب بوســتير دعائي كبير حمل عنوان «المعرض التشكيلي العالمي من أجل فلسطين » .1978

جهد كبيــر ومهــم بذلتــه الباحثتان كريستين خوري ورشــا السلطي في جمع قطع الذاكــرة الفنية والعالميــ­ة المتناثرة، والتــي كانت داعمــاً بحــب وايمان لحق الشــعب الفلسطيني في إســترجاع تراب وطنه.

فنــون تولد وتعيش ودأبهــا المتواصل الحــق والعــدل، بدونهمــا ســتفقد مبرر دخولها إلى الخلــود. «ذِكر قلِــق» ينتظر الزائرين حتى 24 الشــهر الجاري يحتاج لأكثــر من ســاعة تبصــر وتلقي ســمعي وبصري، فلا تفوتوا لحظات النوستالجي­ا، ولا حتى اللقاء مع ماضٍ كان ممشرقاً وفيه أمل.

 ??  ?? من معرض ذكر قلق
من معرض ذكر قلق

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom