Al-Quds Al-Arabi

كيف سيرد بوتين على عدوان إسرائيل؟

- كاتب فلسطيني

حمّلــت وزارة الدفــاع الروســية مسؤولية ســقوط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها إلى إسرائيل، ووصفت ما قامت به إســرائيل بالعمل غير المســؤول، وما دام هذا عملا غير مســؤول، فما هو العمل المسؤول إذن! إنه المتفق عليه، وهو تدمير أســلحة قــد تصل إلى يد حــزب الله، بمعنى أنه لولا ســقوط الطائرة الروسية لكان الأمر عاديا ومســؤولا، ولا مانع من ضرب وتدمير ما تسميه إسرائيل مصانع ومختبرات تصنيع أســلحة في اللاذقية، قد تصل إلى يد حزب الله.

أعرب نتنياهو عن أسفه للحادث وقدم تعزيته، واعتبر أن ما حدث هو مأســاة، ولكنه أكد علــى حقه في محاربة الوجود الإيراني في سوريا ومنعه من التموضع العميق، وقال إن الصواريخ السورية انطلقت بعد دخول الطائرات الإسرائيلي­ة إلى شمال فلسطين، وحمّل المسؤولية لجيش النظام.

إذن كيف يمكن لبوتين أن يرد على العمل غير المســؤول وما هي حساباته؟

لقد حقق بوتين مكاســب كبيرة في سوريا جوّا وبحرا وبرّا، وفرض نفســه قوة عظمى في الشرق الأوسط، بعد اســتفراد أمريكا في المنطقة لحقبة طويلة، وذلك من خلال تعلّق نظام بشــار الأسد فيه بشــكل مطلق، فلم يعد قادرا على الاستغناء عنه، وبات من مصلحة بوتين بقاء الوضع القائم، هذا الوضع يســهم الجانب الإسرائيلي في بقائه، فهو يملك قدرة التلاعب في الأوراق والتخريب والتنغيص على بوتين. العلاقة بين إســرائيل وروسيا عميقة أكثر مما يبدو على السطح، وهناك التزام روسي بعدم تعريض أمن إســرائيل لأي خطر كان ومن أي طرف كان، وتلتزم بعدم تزويد أي طرف معاد لإسرائيل بأســلحة نوعية متقدمة، وخصوصــاً في مجال الدفــاع الجوي. بوتــن ينظر إلى إسرائيل كحليف قوي يمكن الاستفادة منه في عدة قنوات، فهــو نافذة جيّدة علــى أمريكا وبعض الــدول الأوروبية وحتى العربية، ويفيده في داخل روســيا نفســها، بينما ينظر إلى نظام الأسد كمتذيّل له، عاجز عن الحياة بدونه. هناك مئات آلاف المواطنين في إســرائيل يحملون جنسية مزدوجة روسية وإسرائيلية، ويعيش في فلسطين حوالي مليون إنسان من أصل روســي. اللغة الروسية لها مكانة خاصة ولها حضور رســمي وشــعبي، وهي منتشرة في كل شــارع ومتجر، وتوجد صحف وقنوات روسية، وهي حاضرة في معظم الإعلانات ونشرات المواقع والمؤسسات.

هناك اتفاقيات تبادل ثقافية روســية إســرائيلي­ة، وما هو مشــترك بين هذه الثقافات أكثر بكثير من المشترك بين ثقافة العرب والروس عموما، إضافة للقادمين من شــرق أوروبا المتأثريــ­ن بالثقافة الروســية. يقام فــي كل عام مهرجان للموســيقى الروسية في وسط تل أبيب يحضره عشــرات الآلاف، منذ عام 2000 حتى يومنــا هذا، كتعبير عن قوة الحضور الثقافي الروسي، إضافة لمئات العروض المســرحية والفنون بكافة أشــكالها باللغة الروسية في معظم المدن والتعاونيا­ت الإسرائيلي­ة.

في الحرب ضد الشيشــان وقفت إســرائيل إلى جانب روســيا، وقدّمت لها الخبرة في مجال ما يســمى مكافحة الإرهاب - الإسلامي طبعا- وما زال هذا التعاون مستمرًا.

هنــاك أبحــاث علميــة مشــتركة وتعاون فــي مجال التكنولوجي­ــا الدقيقة، وبالــذات في ما يســمى، النانو تكنولوجيا. هناك تعاون في المجال الفضائي، حيث أطلقت إسرائيل أقماراً صناعية بمساعدة روسية.

لا تمــر بضعــة أســابيع، حتى يــزور وفد عســكري روســي رفيع هيئة الأركان في تل أبيــب، للتباحث حول التعاون والاستشارا­ت العســكرية المتبادلة، مثل محاربة «الإرهاب»، والمقصود في هذه الحالة المعارضة السورية، كذلك فإن إحدى الغارات الإســرائي­لية على قوات إيرانية في سوريا نُفذت قبل فترة وجيزة أثناء وجود وزير الدفاع الروسي في تل أبيب، كتوقيع وتأكيد على تنفيذ الاتفاقات.

كثيرا ما استخدَم ويســتخدم الطيران الروسي أجواء شــمال فلســطين والجولان المحتل للإغارة علــى مواقع المعارضة الســورية، وهذا بتنســيق تام واتصال مباشر بين الطياريــن الروس والدفاعات الجوية الإســرائي­لية. كما توجد علاقات تجارية متنامية بين البلدين، خصوصا بعــد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روســيا، الأمر الذي أتاح لرجال أعمال إســرائيلي­ين المزيد من الفرص في روسيا.

ما ينطبق على سوريا ينطبق أكثر على إيران، فروسيا ترى بإيــران حليفا وعميلا تجاريا، ولكــن من مصلحتها عدم الســماح لهذا الحليــف بتطوير أســلحته وقدراته العســكرية، كي يبقى معتمدا أكثر على السلاح الروسي. كذلــك فهي حريصة علــى أن تكون هي القــوة الأولى في ســوريا وصاحبة القــرار الأخير، ولهــذا لا يقلقها ضرب إسرائيل لأسلحة وقوات إيرانية على الأرض السورية.

تخشى روســيا من مواجهة جويّة مع طيران إسرائيل وتتحاشــى هــذا، لأنها النتيجــة قد تمــس بهيبتها التي حققتها على الساحة السورية بعد عشرات آلاف الغارات على المــدن والقرى الســورية، وقد تــؤدي المواجهة إلى تنفيس بالون دفاعاتهــا الجوية وقدراتها، وهذا قد يؤدي إلى خســارة مليارات الــدولارا­ت. ما يحدث في ســماء ســوريا يقول بأن الســيطرة الإســرائي­لية على الأجواء مســتمرة رغم تهديدات روسية ســابقة، طالما أنها تلتزم بعدم المســاس بالقوات الروسية، وتقدم تبريرا «معقولا» في كل عدوان على قــوات النظام، ولا حاجة لتقديم تبرير للغارات على القوات الإيرانية. بالتأكيد لن يتغير شــيء في العلاقــات والتعاون بين الطرفين في شــتى المجالات، وقد يُنشر اســتنتاج يبرّئ إسرائيل تماما من التسبب في سقوط الطائرة الروســية ومقتل طاقمها، وأغلب الظن أن الإجراءات التي يتحدث عنها بوتين تعني زيادة التعاون والتنسيق العسكري بين روسيا وإسرائيل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom